الكتاب (اللاهوت المعاصر دراسات نقدية/ العلم والدين) المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية/ العتبة العباسية المقدسة مجموعة من المؤلفين

04-01-2020
لجنة الدراسات والبحوث
تمحورت مقدمة المركز حول بيان قضايا عامة ومفاهيم أساسية لبيان العلاقة بين العلم والدين.
مفهوم العلم وعلاقته بالدين، بالحياة المعقولة
العلم.. الدين.. الفلسفة (الحكمة)
ثلاثة عناصر رئيسية في الحياة المعقولة:
إذا كان المراد هو الحياة الطبيعية مدفوعة بالعوامل الطبيعية، لا شأن له بالارتقاء التكاملي والقيم والاهداف التي تعلو الانا وحب الذات، محكوماً ومنبوذاً عند تزاحمه مع مقتضيات الحياة الطبيعية، هذا النوع من الحياة لا يعرف الحرية المسؤولة، ولا يكون له شأن بالعدالة وحب أبناء النوع الإنساني والسعي الى الارتقاء المادي والمعنوي الناشئ من الشعور بالتكليف السامي الذي يعلو على النفعية والمصلحة الذاتية، لا يحمل للإنسان شرفاً ولا حيثية، حيث ترتبط بالمراتب التكاملية، والشؤون المتعالية للحياة التي نطلق عليها اسم الحياة المعقولة.
الدين: مجموعة من العقائد والتكاليف والاخلاقيات التي لا يكون للحياة من دونها أي مفهوم ومعنى سوى حب الذات والأنا، وعلى حد تعبير محمد اقبال اللاهوري: (ان الدين هو النهوض من التراب؛ كي تدرك الروح الطاهرة حقيقتها).
والفلسفة: معرفة المباني العامة لعالم الوجود، والاستعداد الى الإجابة عن الأسئلة الكامنة فوق متغيرات عالم الوجود، تطبيق هذه المعرفة في مسار (السيرورة التكاملية) عبارة عن الحكمة التي تتعاطى مع الحقائق دون المفاهيم الوضعية المستندة الى الافهام الذوقية والاستدلالات التبريرية، والعلم هو الارتباط الكشفي للحقائق بواسطة المشاهدة والتجربة والادراكات الداخلية.
الحياة المعقولة، تمثل نوعاً من الحياة تصل فيها جميع الطاقات والاستعدادات في وجود الانسان في حدود الإمكان الى مرحلة الفعلية.
الحياة الطيبة، قال الله تعالى: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ)) (النحل/97).
الحياة القائمة:ـ قال الله تعالى:ـ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُم وَاعلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيهِ تُحشَرُونَ)) (الأنفال/24) الحياة المجردة من الحياة المعقولة صورة مشوهة للحياة الطبيعة، ولا يفرقون بين الجمال المحسوس والمعقول، وبين الاثارة والغريزة الانية.
إن الحياة - التي يشكل الدين والعلم والفلسفة بمعنى الحكمة أركانها - تتمتع بأسمى الامتيازات المثالية التي تمور في صدور وافئدة العقلاء والكاملين من بني ادم ع.
هناك حكمة في غاية الروعة مأثورة عند امير المؤمنين ع تقول: (من عرف نفسه فقد عرف ربه) الى إجابة حقيقة عن السؤال: (من أنا)..؟ واليقين قد نجحنا في الإجابة عن سائر الأسئلة الأخرى أيضاً.
الإجابة عن السؤال الثاني: (من اين اتيت)..؟
اني جئت الى هذه الحياة من قبل الحكمة المشيئة تفوق الطبيعة هي مشيئة الله القادر والعالم والحكيم المطلق، وعليه فأنا أتمتع بحقيقة ما فوق الطبيعة ومن عالم يفوق المادة، وقد جئت لهذا العالم استناداً للحكمة والمشيئة الإلهية.
الإجابة عن السؤال الثالث: (الى اين اتيت)..؟
لا يحتاج الى استدلال واثبات من الناحية الطبيعية امتلاكنا القوة الما فوق الطبيعية من قبل العقل والقلب، والوجدان وغير ذلك من قبل الطاقات التكاملية، للتعرض الى جاذبية الكمال المطلق، من اين اتيت..؟ والمكان الذي اتينا اليه هو عبارة عن مصنع عظيم جدا يراد منه اثبات كينونتنا، وتحويل هذه الكينونة من قوة الى فعلية.
السؤال الرابع (مع من أكون)..؟
من خلال اصل تقسيم الاعمال تغدو حياتنا الاجتماعية معدة ومهيأة وكل شيء امتلكه في الحالة الطبيعية وما فوق الطبيعة، يمتلكه الاخرون من أبناء جلدتي أيضاً، جميعنا بتمتع بالاستعدادات والطاقات ان امكن لنا الخروج بها من مرحلة القوة الى مرحلة فعلية بشكل صحيح، وسوف نكون اقرب الى الانسجام والاتحاد والتناغم فيما بيننا، ويكون مبدوءاً ومساراً.. وغايتنا جميعا واحدة:
الإجابة عن السؤال الخامس: (الى اين المصير)..؟
أخطر الظواهر والسلوكيات والاقوال والنوايا الصادرة عن الانسان، لا يمكن ان تبقى دون نتيجة، وعندما يثبت انه لا يمكن لأي انسان عاقل ومتزن أن يبلغ شعوره بخلود الروح، او الانا او الشخصية..؟
الإجابة عن السؤال السدس بين قوسين: (لماذا اتيت)..؟ ادرك ان وجودي صادر عن الحكمة الإلهية المتعالية والفيض بالحكيم الذي يستحيل عليه فعل القبيح والعبث، واني امتلك طاقات عظيمة تم تفعيلها، تحقق ذلك الهدف الأعلى والاسمى من الحياة، من اجل الوصول اليه هو التعرض الى جاذبية الكمال المطلق المتمثل بالله بالجلال والاكرام.
وان العامل او العوامل الرئيسية في التعرض لجاذبية الكمال المطلق، في الجهود والاعمال التي يطلق في الثقافة الدينية مصطلح العبادة، ما هي العبادة بداية حالة (اليقظة) تغدو جميع اعمال الانسان العضلية والفكرية والنفسية في اطار اصلاح وتنظيم الابعاد المادية والمعنوية عبادة، قال علي بن ابي طالب ع: ((افضل المعرفة معرفة الانسان نفسه)).
(إن الدين هو النهوض من التراب) كما قال محمد اقبال اللاهوري, والطمأنينة الروحية هي من اعظم خصائص الحياة المعقولة.
ان الانسان الذي لا يرى حياته إلا انحساراً بالأكل والشرب والنوم والغضب والشهوة يقضي حياته بأجمعها في الكفاح والجهاد مع نفسه الذي يبدأ من الأعلى ولا ينتهي عند الأسفل خصيصة الحياة المعقولة، ويسمى (تعديل الانا) وهي أن الأنا وحب الذات بشتى أنواعها واشكالها يعد منشأ للمفاسد وأنواع الضلال والطغيان وتحويل الباطل الى حق والحق الى باطل, ما دام وباء الانا وحب الذات المزمن لم يتم تحويله بواسطة الحياة المعقولة الى تكامل في الشخصية السليمة.
منطق الدين (التقوى) فان جميع الأنظمة الحقوقية والأخلاقية والمذهبية السياسية وكل الثقافات المنشودة للبشر هي على وزن القصور الشامخة التي يتم بناؤها فوق فوهات البراكين.
جميع ما نشاهده من أنواع الصخب والضجيج والمعارك المفتعلة والبعيدة عن الواقع والتي أصبحت موضة شائعة في الغرب والشرق لا تقوم على أي أساس متين ولا تستند الى أي ركن رصينة.
هل هناك تعارض بين الدين والعلم والفلسفة..؟ لا تعد من اكثر أنواع الحياة مثالية للإنسان الحياة المعقولة وتلبي حاجاته وتحل مشاكله في جميع ابعاد الحياة وانها العنصر الوحيد الذي يعمل على الموائمة بين هذه الحقائق الثلاث: (الدين والعلم والفلسفة).
ما هي الحكمة: ان الحكمة هي معرفة المباني العامة لعالم الوجود والاستعداد للإجابة عن الأسئلة المتغيرة وعلى هذا الأساس تعني الأصول المعرفية الثابتة التي لا يؤثر فيها تصرم الأزمنة، ولا اختلاف الأمكنة، ولا تغير العلوم الا في الموارد الجزئية.
إن حقيقة العالم لا ربط لها بالإدراك الذهني او أي تأثير من قبل المدركين وعالم الوجود قد خلق في الانسان وهو يمتلك الاستعداد الى التكامل الوجودي والقيمي والأخلاقي المتسامي، وان بذل أي مجهود في تعليم واعداد هذا الكائن العظيم (الانسان) واعداده للمسير في الحياة المعقولة، واجب على جميع الناس على المستوى الفردي والجماعي.
إن الرؤية العلمية والشهودية والحكمية والدينية، تعد من الواجبات الأولية، والارتباط بالله من خلال العبادة الفردية يعد من ضرورات الحكمة، من قبيل الاعتقاد بوجود خالق عالم الوجود، الصفات الكمالية في اعلى درجاتها الخاصة بالذات القدسية لرب العالمين، رسالة الأنبياء العظام والائمة المعصومون والمعاد والأبدية والاعتقاد بقيادة رسول الله J الكرامة والحيثية والشرف الإنساني في هذه الحياة، الحرية المسؤولة، تساوي الجميع أمام القانون.


بقلم رئيس التحرير

علـي حسين الخبـاز

...