(نحن والتربية المدرسية) المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية
04-01-2020
لجنة البحوث والدراسات
أطلق المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية مشروعاً للبحث الجماعي تحت عنوان (نحن والتربية المدرسية) وجهت الدعوة لتربويين في العالم العربي لتقديم مساهمتهم ضمن المحاور التسعة:
أولاً: تاريخ المدرسة العربية وتطورها وصولاً الى عصرنا الحاضر، وفلسفة التربية المدرسية، ومناقشة أهداف التربية والتعليم، وتأسيس وضع المناهج التعليمية، وسبب الاختلاف الكبير في مفهومات المنهج، ومحور عن الادارة المدرسية ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ومحور آخر عن اعداد المعلمين وطرق التدريس والتقويم، ومحور عن التلميذ أو الطالب كمحور للعملية التعليمية، حاجته ومراحل نموه وأنماط الشخصيات وطرق تفاعلها، ومحور عن المبنى المدرسي والتجهيزات، وتصميم الصفوف والقاعات والمختبرات والملاعب.
جاء في مقدمة التحرير لدراسة الأستاذ (جهاد سعد) المدرسة العربية وتحديات المستقبل/ رؤية اسلامية/ حاولت هذه الدراسة أن تتفحص بعض الخبرات التربوية التي راكبت المدرسة الاسلامية لا تزال قابلة للتطبيق فهي ليست ملكاً لعصرها، ولا هي أسيرة زمانها، ولا تتحمل التربية وحدها مسؤولية ذلك الانفصال، ولكي نحرر المدرسة العربية من الانبهار والدونية، لابد أن نعيد لها ثقتها بنفسها.
المجتمع العربي والاسلامي، لا يمكنه أن يواجه التحديات التنموية والنهضة من دون النظر في حال المدرسة تقويماً وتطويراً؛ كونها الميدان الوسيط بين الأسرة والمجتمع، بل هي المجتمع المكثف الذي يعايشه الطالب قبل أن يتصدى لتحديات المجتمع، وأعطى البحث أهميته عن الدور المحوري للمدرسة في منظومة التربية.
ويتطلع الى فرصة النهوض بهذا الدور على ضوء الواقع الذي تعيشه المدرسة عندنا، ويفترض أن تكون المدرسة مربياً اسلامياً أميناً، لكنها أصبحت تعاني من ازدواجية خطيرة في الهوية، بل أحياناً من التيه الناتج عن ضعف التواصل مع تاريخها وانبهارها غير الرشيد بالثقافة الغربية، ما نحتاجه فعلاً هو فرص جادة لتصحيح المسار التربوي عبر اصلاح الاداء المدرسي، وهل بإمكان المدرسة المنفعلة والتابعة أن تكون فاعلة، وقد تعالت اصوات كثيرة يدعو بعضها لإصلاح التعليم، وهدم أسوار المدرسة وآخر يطالب بدراسة جدوى الأنظمة التعليمية وكفاءتها الداخلية والخارجية، فعندما يستهلك التعليم ولا ينتج ويضر ولا ينفع، فيكون من المجدي التخلص منه، واذا استمر التدهور فإن مصيرها كمؤسسة اجتماعية يصبح على المحك، ولكن ما هو البديل..؟ البديل بطبيعة الحال يكمن في مدرسة أكثر تطوراً وأرحب أفقاً.
لا يتوفر العمق والتجذر إلا بالإضافة والعودة الى دروس التاريخ التربوي، من أن يكون منهج البحث تاريخياً وصفياً ثم تحليلياً في نطاق التجربة المدرسية، ثم يتطور النهج الى التركيب للوصول الى اقتراحات عملية يمكن للمدرسة العربية أن تشرع في تنفيذها على المستويات كافة دفاعاً عن دورها.
تدارس القرآن يعني قراءته وتعهده لئلا ينساه، وهو مجاز وأصل المدارسة الرياضة والتعهد للشيء.
والفراش المدروس يعني الموطأ الممهد، ووردت في القرآن الكريم في موارد متعددة ومنها ((أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ)) (القلم/37)، ووردت في الحديث الشريف أيضاً في مواضع متعددة، يرى النبي J: (إن أردتم عيش السعداء، وموت الشهداء، والنجاة يوم الحسرة والظل يوم الحرور والهدي يوم الضلالة، فادرسوا القرآن، فإنه كلام الرحمن، وحرز من الشيطان، ورجحان في الميزان).
يلاحظ في هذا التعريف الجامع للمدرسة في عصور الازدهار الاسلامي، مجانية التعليم، والحرص على أن لا يحمل المعلم او المتعلم هموم المعاش، والحض على أن لا يرتزق العالم بعلمه، وارتباط المدرسة بالمسجد الذي كان منذ هجرة الرسول ص مدرسة الاسلام الأولى، حيث ارتبط العلم بالعبادة بل على أشكال العبادة.
ومن المعلوم أن لأئمة أهل البيت ع دوراً تاريخياً في حفظ المنهج الاسلامي المرتكز على القرآن الكريم والسنة المطهرة، كما أن أثرهم لا يخفى في تدوين هذا التراث ونشره، إحداها الخصائص الفريدة، وثانيها التزامهم بالتدوين والرواية الموثقة في حياة الرسول ص وبعد وفاته.
تتحدث الرواية عن التدوين، وهي وصية مشهورة للرسول الأعظم ص ((قيّدوا العلم بالكتاب)) والرواية الثانية تتحدث عن فضل التعليم، وقال رسول الله ص: ((بالتعليم أرسلت)).
كانت المهمة الأساسية التي تصدى لها امير المؤمنين ع بعد رسول الله ص هي تعليم الأمة كل الأمة، ومجمل الأحكام الفقهية والآراء الكلامية وتفسير القرآن الكريم، التي تملأ الكتب والمصادر المعتبرة، صدر الاسلام، يعود الفضل فيها الى الامام علي ع، يقول ابن أبي الحديد المعتزلي: "إن الإمام علياً ع تُعزى إليه كل فضيلة، وتنتهي إليه كل فرقة، وتتجاذبه كل طائفة، فهو رئيس الفضائل (ينبوعها وأبو عذرها)، وسابق مضمارها، وكل من بزغ فيها بعده فمنه أخذ وله اقتفى"(1).
بيّن الكاتب (أسد حيدر) في كتابه عن (الامام الصادق ع والمذاهب الاربعة) جهد سلاطين الجور لحجب علومهم، وملاحقة من يقول برأيهم ويروي الحديث عنهم، والى الآن نجد بعض كبرى الجامعات الفقهية في العالم الاسلامي تتفادى تدريس رأي الأئمة ع في مناهجها خوفاً من تهمة التشيع أو الرفض.
قال الدكتور محمد توفيق حسين في مقدمته لكتاب الدكتور عبد الله الفياض (التربية عند الامامية): لقد أثرت في توجيه التعليم عند الإمامية وإكسابه شيئا من الاستقلال والملامح الخصوصية هو اعتقادهم بعلم أئمتهم المعصومين ع المحيطين بالعلوم الالهية، وكان الأئمة ع يعلمون شيعتهم علوم القرآن ويحثونهم على تعلم علوم أهل البيت ع، ودرس الكتاب مجموعة مهمة من الدراسات والبحوث الجادة، كتاب في غاية الزهو ومشروع موفق بعون الله لمركز الفهرسة ونظم المعلومات التابع لمكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مقدمة نهج البلاغة - ابن أبي الحديد المعتزلي.