من سبائك الدكتور عبد الإله الصائغ

20-12-2019
اللجنة الاجتماعية
الحسين الشهيد بعيون خالد جرجيس المقدسي:
كان الشاعر المسيحي الكبير المغفور له الأستاذ خالد المقدسي، قد اعتاد تحية الحسين في شهر محرم بالنثر وبالشعر..! وحين يستكثر الجاهلون عليه ذلك يجيب المقدسي أن الحسين شخصية كونية بعامة، وقد تربينا في العراق على تمثل قيم المبدأ عند الحسين..!
أما بالنسبة لي فقضية الحسين قضية شخصية؛ لأنني جعلت الحسين نموذجي الراقي الذي أفخر به وازهو..! ففي واحدة من قصائد خالد المقدسي التي طلب إليَّ أن احتفظ بها ضمن ارشيفه المشرف وعنوان قصيدته: (لك يا حسين)، ورؤية المقدسي كمسيحي قريبة الوشيج من الرؤية الخاصة لأنصار الحسين..! وفيها تعابير مستخلصة من التراث الاسلامي الصميم..! ولو لم تعلم أن الشاعر خالد المقدسي مسيحي لتعذر عليك القول: إن الشاعر لم يكن مسلماً أو شيعياً..! ولكن ابداع خالد المقدسي الروحي التقى بقضية الحسين فبات التماهي لغة بين الشاعر والنموذج..! فالنص الحسيني المقدسي الخالد عارض اشهر قصيدة في التراث لشرف الدين الصنهاجي البوصيري حين قال:
أمن تذكر جيـــــــــــران بذي سلم
مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
والمعارضة ضرب من الاعجاب الذي يضفيه شاعر لاحق على شعر شاعر سابق فيحاكي البحر والقافية..! رحم الله الشاعر الكلداني خالد المقدسي حين قال وأوفى :

أمن تذكُّر ركبانٍ بذي حَسَمِ
أهال دمعي اسقاماً على سقمي
أم مضَّني قرحُ الأجفان حاق بها
من وحشة النفس طاغوتٌ من الألم
في فتية آمنوا بالحق ليس له
من فديةٍ تفتديه دون بذْلِ دم
أسباطِ بيتِ رسولِ الله محتدهم
فخرُ البرايا وصرح العز والعِظَم
العيس تمضي بهم نشوى بحوزتها
خباً الى كربلاء الكرب والشجم
فما لروحي قد ضاقت بها كبدي
حرى تهيم على الأفلاك والسُدُم
وما لقلبي قد اودى به شجني
وهو العصيُّ على الأشجان والغمم
يا بن بنت رسول الله ما نضبت
بي الفصاحة أو عزت على قلمي
ولا تلكأ حرفٌ أنت مطلبُه
ولا بذكركَ أكدى بالقريض فمي
لكنَّ هول مصاب الطَّف صيَّرني
أكادُ من خرسٍ اغتصُّ بالكلم
هي الشهادةُ يا سبط الرسول فمٌ
يشق للدهرِ فجرَ الحقِّ في الظلم
حرٌ يدوِّي على الأرضين يُسمعُها
صوتَ العقيدة يُصْلِي الظلمَ بالحمم
نام الذين علت بالغدر رايتُهُم
قِرارَ عينٍ وعينُ الله لم تنم
حتى اذا جدَّ وعدٌ حان موعدُه
وأنَّ يومَ قصاصٍ ساعر الضرم
تناثرت في الفلا اشلاؤهم جيفاً
كما تناثر عهن الشاة بالجلم
يا بْنَ بنتِ رسولِ الله قد تركت
بنا الرزايا عقابيلاً من السَّقم
مازال شعبُ عراق الخير في نكد
وأرضه نهبة للطامع النَّهِم
وأهله بين مسحوقٍ ومرتحل
وهائمٍ في أقاصي الأرضِ والتخم
وواصبٍ لا نصيبٌ في الدواء له
وساغبٍ من طواه غصَّ باللقم
ينوء ما بين سندانٍ ومطرقةٍ
وصرْحِ قهْرٍ بغيرِ السَّوْطِ لم يدم
له حصاران عبر البحر مجتلب
وآخر من نتاج الدار والرحم
متى متى يا ابا الأحرار يغمرنا
فجرُ المروءات بالخيرات والنعم
وينجلي ليلُ حقدٍ لا قرارَ له
فيكفر الناس بالطاغوت والصنم

قضية كونية:
قضية الحسين قضية كونية، ومن خطل الرأي التوهم بأن قضية الحسين شيعية..! لأن مثل هذا الرأي يسيء الى الحسين قبل اي شيء..!! وكما مر بنا فغاندي زعيم الهند التاريخي تحدث عنها..! والشاعران العراقيان اليهوديان: مير بصري كتب: (آمنت بالحسين)، وانوار شاؤول كتب: (إنه الحسين)، والشاعر المندائي عبد الرزاق عبد الواحد كتب في الحسين: (قدمت وعفوك من مقدمي)، والشاعر العلماني محمد مهدي الجواهري كتب في الحسين: (فداء لمثواك من مضجع)..! وما وجه الغرابة في ذلك..؟!! إذن، نحن قبالة الشاعر عمر محمد سعيد الحديثي وقصيدة (يا كربلاء الا اشتدي) ففيها قراءات شتى دلالية وجمالية :

(يا كربلاء الا اشتدي)
شعر: عمر محمد سعيد الحديثي
حسبي من الشوقِ ما فاضت به المقلُ
ومن لظى العشقِ هذا النازفُ الهَطِلُ
ومن معاني العُلا فَخرُ الجنانِ وقد
فازَتْ بسيّدِ شُبانٍ لها انتُحِلوا
تمتازُ أنّ لها دونَ الوجودِ فتىً
في جَهلنا، بعضُ من ماتوا ومن قُتلوا
ومن عصورٍ تلَت ذاك المقام إضا
ءاتٌ، لهن ظلام الكون يمتثلُ
ومن معاني الرجولات التي اختُزِلتْ
بهِ، إذا قيلَ ذا فَحلٌ، وذا بَطَلُ
وذا همامٌ، وذا شهمٌ، وذا علَمٌ
وذا عَليمٌ، له الألباب لا تَصلُ
يا بنَ السماءِ التي لم تخبُ أنجمها
والنورُ لمّا يزَلْ في الآلِ ينتَقِلُ
والمملكاتُ التي من دونهِ بزَغتْ
قد قُطِّعتْ وهو حتى الآن يتّصلُ
يا بن العليّ الذي لم يبغِ منزِلةً
إلّا تمنّت إلى أبوابهِ تَصِلُ
يا سبطَ سيدِ ساداتِ الخليقة
يا مجداً بأفئدة الأكوان يَعتَملُ

يا بنَ البَتولِ، وهذا ما بحضرتهِ
يُعيي التعابيرَ فيَّ العجزُ والخَجَلُ
يا كربلاءُ ألا اشتدّي ففيكِ فتىً
ثقلُ الوجود زهى أنْ فيهِ يُختزَلُ
لو عادلوكِ وكُلُّ الأرضِ كفَّتُهُم
أمال معيارَها، السبطُ البها كَفِلُ
هذا الُحُسينُ، دمُ الثّوار مُذ خُلِقت
في ستِّ أيامها الأكوان يكتملُ
حتى إذا يومُ عاشوراء أدركها
تفجّرت حِمماً لا أرضَ تَحتَمِلُ
أنبا بأنَّ مواعيدَ العُلا أزِفَتْ
لا يعتري يومها وهنٌ ولا وَجَلُ
لِمْ لا وقد كُتِبَت في اللوح يا سنَدي
أن المعاليَ أنّى رُحتَ تَنتَقِلُ
وأن أدمُع خير الخلقِ من وَجَلٍ
في يومِ ميلادكَ الميمون تنهَملُ
أعجزتني، لُغَتي يا سَيّدي تعِبَت
ترقى إليكَ، وتقضي العُمر تَرتَحِلُ
لكنَّ حُبّكَ بي.. مستمكنٌ بدمي
ونورُ وحيكَ لي يبقى هو الأمَلُ