البنية الدرامية في الشعائر الحسينية
20-12-2019
زينب لعيوس الاسدي
تعد النهضة الحسينية وما تحمله من مضامين تربوية وأخلاقية أثرت موضوعة المسرح الحسيني، ومن خلال الكثير من النصوص المسرحية التي جسدت تلك الواقعة، وعبر تجارب شبابية مستوحاة من واقعة الطف، يلاحظ أن معظم تلك النصوص قد أخذت منحى تاريخيا لعرض الواقعة بدلاً من نص مسرحي يحمل بين طياته الخصائص البنية الدرامية التي يجب ان تتوافر في النص المسرحي.
فالطقوس والشعائر الدينية أنساق من الدلالات ومجموعة من الحوارات متمخضة عن الخطاب الديني نشأت من التقاليد الروحية، وتلك الممارسات والشعائر والطقوسية التي عرفتها المجتمعات التي كانت تقوم بها، تعبر عن فعل أخلاقي وشكل من أشكال علاقة الإنسان والمقدس أو المخلّص الذي يتضرع له ويبكي لفقده.
لذا فالطقوس الحسينية تبقى طقوساً تحاول تجسيد واقعة الطف، وهي قابلة للإضافة والحذف حسب الزمان والمكان، اما النصوص التي تقدم في المسرح الحسيني فهي عملية فكرية فنية تعتمد الأسلوب الفني العلمي وتتلاقح مع جميع التجارب المسرحية.
اذ تسعى نصوص المسرح الحسيني نحو إثبات الذات الإنسانية والحرص على التأسيس المعرفي لهما مع التطلع الراسخ نحو المستقبل ورفض الظلم السعي الى العيش الكريم، اذ يقدم الكاتب نصوص المسرح الحسيني وخصائص الفكر الحسيني، ومعالجة القضايا التي لها تماس مباشر بالفكر واستخلاص الدروس والعبر بالتأثيرات الفاعلة والإيجابية بلغة عصرية مع احترام الوثيقة التاريخية لربط الماضي بالحاضر بأسلوب انتقائي يخدم الرؤية الإبداعية، وهذا يتطلب منه ان يكون على درجة عالية من الثقافة والاطلاع على الوثيقة التاريخية وان يستعين بذي الخبرة والفن للاستفادة من ملاحظاتهم ، فالكاتب المسرحي ليس مؤرخا وليس برجل دين، فطريقة عرضه للواقعة مغايرة تماماً، فهو يأخذ صورة من صور تلك الواقعة مثل الوفاء عند الامام العباس Aاو الصبر والايثار عند الحسينA، ويقوم بتوظيفها عبر حبكة منظمة .
ولتفعيل الطقس بشكل يتزامن مع المتغيرات الجديدة سواء على مستوى الفكر والثقافة وجب توظيفه والاشتغال على تطويره بما يخدم الأنفتاح الثقافي، من خلال استخلاص الزخم الكبير الذي تملكه مأساة كربلاء من أحداث وبطولات وشخصيات ارتبطت بالمأساة، وفي انتاج نصوص ترتكز على القيم الحسينية النبيلة التي لها علاقة مباشرة في احياة والمجتمع .
من هنا نستخلص أن طقس عاشوراء، مسرح بمقاييس العلم المسرحي الحديث والكلاسكي ، حيث يمتلك نسقا دراميا في الأحداث وذروة درامية لا يمكن اغفالها.
وطقس عاشوراء يمتلك استمراريته ونجاحه، ويحتاج إلى توظيفه لخلق مسرح عربي أصيل.. فطقس عاشوراء هو شكل مأساوي (تراجيدي) في استعادته لحادثة كربلاء، وقد خرج هذا الطقس إلى النور بعفوية، تمتلك كل مقومات المسرح.
وهناك من الكتاب من أبدع في تقديم هذا الطقس بوصفه مسرحاً، فهذا الطقس يملك فكرة وقوة درامية ومسرحية، تتضمن العديد من الخصائص والعناصر الدرامية، فيها الكثير من التشخيص الديني المقدس، إذ أخذ شكله الاسلامي في إنعاش طقوس التعازي الحسينية، بعد ان ترسخ في عمق الوجدان الجمعي وازدادت رقعته بمرور الاعوام الى مسرح ينبض بالحياة ويعتبر من الجذور الحية لمسرحنا العراقي المعاصر .
لذا لابد على كتاب النصوص المسرحية الحسينية أن يستوفوا الشروط؛ كي يصلوا أو يقتربوا إلى الهدف العام للنص المسرحي الحسيني، ومن هذه الشروط هي الإيمان المطلق بما يكتب وعلى الكاتب أن يتقمص بحسية عالية أو يعيش الأجواء والطقوس الواجب توفرها في لحظة الكتابة، وهي تعد من روحانية النص لكي تكون مؤهلة في انتمائها، لتناول الفكر الحسيني في الأسباب والنتائج ومعالجة القضايا التي لها تماس مباشر بالفكر واستخلاص الدروس والعبر بالتأثيرات الفاعلة للدخول الى روح النص؛ لأن الإيمان والصدق هما الوسيلتان في سهولة الطريق إلى قلوب الآخرين.
اما الشرط الاخر فهو معرفة اهم خصائص البنية الدرامية للنص وتتبع اهم التطورات والاساليب الجديدة المتبعة في الكتابة ، فمنذ ظهور المسرح عند الإغريق وصولا الى وقت الحاضر وخصائص البنية المسرحية في تطور وتجدد تبعاً لتطور الحياة وظهور أساليب جديدة وطرق جديدة في بناء المسرحية ومن أهمها ظهور العلوم التي عمد الكتاب الى أدخلها في بناء المسرحية الفنية وجعلها عنصر أساسي وصولاً الى تطور في فكرة وعرض شخصيات وسير الأفعال كل هذا التغيرات أدى الى اتخاذ البنية المسرحية شكلاً مغاير تماماً لما عرفته البنية المسرحية للمسرحية التقليدية.
ومن معرفة أهم الخصائص البنية الدرامية الفنية التي يعتمدها الكاتب في النص المسرحي هي:
الفكرة :
لكل مسرحية فكرة تنطلق منها، ويحاول المؤلف نسج مسرحيته حولها، ولا يمكن للمرء أن يتخيل مسرحية دون فكرة ما، فالفكرة هي التي تنم وجهة المؤلف وتحدد له معالم الطريق نحو تحقيق الهدف الذي يريد الوصول إليه .
الثيمة:
ويقصد بالفكرة أو ما تعرف اصطلاحاً (الثيمة) بأنها تلك (الفكرة الرئيسة التي تسود العمل الفني ـ إنها موضوعه ـ والثيمة الدرامية هي المفهوم المجرد الذي يحاول المؤلف تجسيده من خلال تمثيله في شخصيات وأحداث)(1).
الشخصية:
عرفها (ابراهيم حمادة) بأنها: (الواحد من الناس الذين يؤدون الأحداث الدرامية في المسرحية المكتوبة، او على المسرح في صورة ممثلين وقد تكون هناك شخصية معنوية تتحرك مع الأحداث، ولا تظهر فوق خشبة التمثيل)(2).
والكاتب الدرامي يرجع إلى الماضي البعيد – التاريخ – ويزيح القشور الخارجية؛ ليكون في لب الزمن، ويجاهد في سبيل العثور على إطار معاصر للشخصيات والأحداث، ولا يقوم بهذه الخطوات، إلا من أجل غايات وأهداف يعبر من خلالها عن الحاضر بطريقة مؤثرة وأسلوب عميق وفعال(3).
الفعل الدرامي :
الفعل الدرامي يعرف على أنه (تحرك أو تطور الحادثة داخل الحبكة أو التكوين العام للمسرحية(4).
فالفعل الدرامي مهما كان محدوداً، فإنه يمثل مجموعة من العلاقات التي هي أوسع من أفعال فرد أو شخصية ما، بل أنه يضم جميع أفعال وتصرفات الشخصيات الواردة في المسرحية كما أنه في الوقت نفسه يقرر - في الغالب - مصائر تلك الشخصيات(5).
والدراما عموماً تعد عرضاً عيانياً يتميز بحضور آني يرينا الفعل الدرامي وقت حدوثه يتضمن العديد من العناصر منها التعقيدات، والمفارقات، والمقارنات وردود الأفعال وهذه العناصر إذا اجتمعت مع بعضها فإنها تولد سلسة من المتغيرات في التوازن، ويمثل أي تغيير في توازن تطوراً في نمو الفعل، وقد يكون هذا التطور على شكل حدث، أو موقف أو رد فعل ومن مجموع هذه التغيرات في التوازن يمكن أن تتشكل حبكة المسرحية بأكملها(6).
الزمان والمكان:
يعد الزمان والمكان من العناصر الفنية المهمة في تطور الدراما بوجه عام وتطور ونمو المسرحية التقليدية بوجه خاص، فالدراما - على العموم - تعد من الفنون المكانية التي تتحرك داخل الزمن(7)، فللزمان أثر في تفسير المواقف الدرامية ومصائر الشخصيات، بل إن عنصر الزمن يمثل ركيزة مهمة من ركائز الدراما التي من خصائصها التكيف والاختزال.
الحبكة:
لا تمثل الحبكة عنصراً درامياً داخل البناء الدرامي للمسرحية فحسب، بل هي النسيج وبنية متكاملة داخل ذلك البناء(8)، إذ يرى أرسطو بأنها روح المأساة وجوهرها(9).
وبهذا فإن أرسطو يضعها في موقع الصدارة من بين جميع مكونات الدراما، فلا يمكن تصور محاكاة إلا بوجود حبكة تعمل على ربط الحوادث والمواقف الدرامية معاً ربطاً محكماً)(10).
الصراع :
الصراع في الدراما على أنواع عديدة، فهنالك صراع بين شخص وشخص آخر أو بين شخص وأشخاص آخرين أو بين شخص ومحيط أو بين قوى اجتماعية وقوى اجتماعية أخرى أو بين قوى اجتماعية وقوى طبيعية أو يكون صراعاً يتولد داخل الشخص نفسه بين إرادته وعواطفه والأخير يعرف - عادة - بالصراع الداخلي أما ما تقدم فتعد صراعات خارجية .
متى ما راعى الكاتب المسرحي الشروط أعلاه بذلك يكون المسرح الحسيني جاهزاً للانطلاقة وإبعاد كل ما هو لا ينتمي لمنطقته خاصة الطارئين على المسرح الحسيني، وجعل المسرح الحسيني من أوائل اهتماماتهم؛ لكون المسرح مؤهلاً وقادراً على تقديم الفكر الحسيني السليم إلى العالم بأسلوب يحقق التواصل مع الشعوب.
وعلينا أن نجتهد في كيفية تسويقها؛ لكي تكون مطلوبة ومؤثره دائماً، وبنفس الوقت تنير عقول الجاهلين ويعري النهج التكفيري المعادي للعقائد الأئمة D. فهناك الكثير من أبناء شعبنا أنفسهم لا يعرفون جوهر شخصية الحسين A لذلك لابد من تسليط الضوء وبيان أهمية وضرورة المسرح الحسيني، مع انفتاح العالم وجود الفضائيات والانترنت والسينما والتلفزيون فرصة لنشر الفكر الرسائلي والتوجيهي في فكر الحسين A .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معجم المصطلحات الدرامية، د. إبراهيم حمادة: ص12.
(2) حمادة، ابراهيم. معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية، (القاهرة: دار الشعب، 1971)، ص185.
(3) المحمدواي، رضا. الشخصية والمعالجة التاريخية، مجلة الموقف الثقافي، (بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، العدد/ 41، ايلول، 2002)، ص139.
(4) معجم المصطلحات الدرامية، إبراهيم حمادة، القاهرة: دار الشعب، 1971، ص207.
(5) ينظر: الدراما بين النظرية والتطبيق، حسين رامز محمد رضا، بيروت المؤسسة العربية للدراسات والنسر، 1972، ص34.
(6) ينظر: تشريح الدراما، مارتن اسلن، ترجمة يوسف عبد المسيح ثروت ـ سلسلة (الكتب المترجمة ـ51) بغداد: منشورات وزارة الثقافة والاعلام، كما ينظر: الحبكة في المسرحية الحديثة، مجيد جميد الجبوري، مصدر سابق، ص102.
(7) ينظر: نظرية الأدب، اوستن وارين، ورينيه ويليك، ترجمة محي الدين صبحي، دمشق: المجلس الأعلى لرعاية الفنون والأدب والعلوم الاجتماعية، 1972، ص279.
(8) ينظر: الحبكة في المسرحية العربية الحديثة، د. مجيد حميد جاسم الجبوري، (رسالة جامعية ) جامعة البصرة: كلية الآداب، 1970.
(9) ينظر: أرسطو، فن الشعر: ترجمة عبد الرحمن بدوي، ص20.
(10) ينظر: الدراما من أرسطو إلى الآن، رشاد رشدي، بيروت، دار العودة، 1975: ص10.