الاسراف والتبذير... القسم الرابع
15-10-2019
الأستاذ كامل حسين الجنابي
مضارّ الاسراف والتبذير:
من المعروف أن الاسلام نهى عن الاسراف والتقتير وذمّ فاعله، وأمر بالاعتدال والاقتصاد والوسطية والتدبير في الحياة اليومية.. وما ينهى الاسلام عن شيء إلا فيه ضرر على الفرد والمجتمع.
وإن أضرار الاسراف والتبذير أو التقتير والبخل هي أضرار جسيمة وكثيرة ومتنوعة، منها: صحية واقتصادية واجتماعية وبيئية وغيرها في الدنيا، علاوة على مصير الفرد في الآخرة بمحاسبته يوم القيامة من قبل الله سبحانه عن اسرافه وتبذيره أو تقتيره وبخله التي بها في الدنيا، وهذه الأضرار هي:
1- عدم محبة الله سبحانه للمسرفين والمبذرين، قال تعالى: ((إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسرِفِينَ)) الأنعام: 141، الأعراف: 31. أي يبغضهم، وإن نفي حبّ الله للمسرفين هو تحريمه، والذي يرتكب المحرمات مصيره النار.
2- إن المسرفين والمبذرين هم اخوان الشياطين، يشاركهم الشيطان جميع أعمالهم، حيث يدعو الشيطان الانسان الى الأعمال الذميمة والخصال السيئة ومنها: الاسراف والتبذير، قال تعالى: ((إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ...)) (الإسراء/27).
أي أمثالهم، وهذه الآية هي غاية في الذم للمبذرين؛ لأن الشيطان لربه كفور.
3- السؤال يوم الحساب عن ماله كيف أنفقه، قال رسولُ الله J: ((لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربعة: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت)) (بحار الأنوار: ج27/ ص311).
يسأله الله عن ماله من أين اكتسبه من حلال أو حرام، وفيما أنفقه في الاسراف أو الحرام أو البر والعمل الصالح الخيّر والمعروف، ويحاسبه الله سبحانه عن ذلك.
4- الاسراف والتبذير في المال هو تضييع للمال، وعاقبته وخيمة تؤدي الى الافلاس والفقر، قال الامام علي A: ((الاسرافُ يفني الكثير))، وقال A: ((سببُ الفقر الاسراف)) وقال A: ((لا غنى مع اسراف)) وقال A: ((كثرة السرف تدمّر))، وقال A: ((التبذيرُ قرين مفلس)) (غرر الكلم: ص359) وروي عن أبي عبد الله A إنه قال: ((ضمنتُ لمن اقتصدَ أن لا يفتقر)) (دراسة حول الاسراف: ص61).
5- الاسراف يجر الانسان الى أعمال ذميمة في سبيل كسب المال، مثل: الغش والسرقة والفساد في أعماله من أجل الحصول على المال للإنفاق بإسراف كما تعوّد سابقا في حياته عندما كان يرزقه الله رزقا وفيراً، وبالإسراف والتبذير أصبح لا يملك شيئاً فيلجأ الى الطرق غير الشرعية وغير الصحيحة لكسب المال للاستمرار بالصرف بإسراف هو وعائلته كما تعوّد سابقا.
يقول الامامُ عليٌّ A: ((حلوا أنفسكم بالعفاف، وتجنبوا التبذير والاسراف)) وقال A: ((وَيحَ المسرف ما أبعده عن صلاح نفسه واستدراك أمره)) غرر الحكم: ص359).
6- الاسراف في الأكل والشرب يضر بصحة البدن واهداره وتبذيره للأموال قال تعالى: ((كُلُوا وَاشرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ)) {الأعراف/31} هذه الآية جمعت أصول حفظ الصحة من جانب الغذاء والشراب والنهي عن كل شيء محرم. وهذه الآية أيضاً جمعت كل الأصول الطبية في صحة الانسان جميعاً، عندما تنتهي عن الاسراف في الأكل والشرب.
- والإسراف في الأكل والشرب يؤدي الى أمراض خطيرة، وكثيرة منها: أمراض المعدة والقولون والاثني عشري والسمنة، وبعض الأمراض الأخرى التي تؤدي الى ضعف الدماغ والحكمة، وغيرها من الأمراض الجسمية والعصبية والنفسية.
- وعن رسول الله J: "لا تميتوا القلوبَ بكثرة الطعام والشراب، فإن القلبَ يموت كالزرع إذا كثر عليه الماء". (ميزان الحكمة: ج1/ ص80).
- وقد وضح الإمام علي A مضاراً كثيرة للإسراف في الأكل والشرب منها:
قال الامام علي A: ((البطنة تحجبُ الفطنة))، وقال: ((الشبعُ يكثر الأدواءَ))، وقال: ((من كثُر أكلُه، قلّتْ صبحتُه، وثقُلتْ على نفسه مؤونتُه))، وقال: ((إذا مُلئَ البطنُ من المباح عمي القلبُ عن الصلاح))، وقال: ((إياكم والبطنة فإنها مقساةٌ للقلب، مكسلة عن الصلوات، ومفسدة للجسد))، وقال: ((كثرةُ الأكلِ تُذفّر)) – تذفر: رائحة كريهة نتنة – وقال A: ((التخمة تفسد الحكمة)) (غرر الكلم: ص360).
وقال الإمام أبو عبد الله A: ((إن اللهَ يبغضُ كثرة الأكل)) دراسة الاسراف: ص67).
ومعنى الحديث أن الله يبغض الاسراف في الأكل، وهذا ضرر كبير للمسرفين في الأكل.
- وقال الإمام الصادق A: ((ليس شيء أضر لقلب المؤمن من كثرة الأكل، وهي مورثة لشيئين: قسوة القلب، وهيجان الشهوة)) (محمد الريشهري: ميزان الحكمة: ج1/ ص80).
- وبهذا فإن الاسراف في الأكل والشرب يؤدي الى الأضرار والأمراض الكثيرة على جسم الانسان.
7- الإسراف في الثروات الطبيعية والطاقات يؤدي الى إهدار فيها، وهي الماء، والنفط ومشتقاته والغابات والحيوانات والأسماك والكهرباء وغيرها.. فهي من مقومات حياة الفرد والمجتمع، فالإسراف في هذه الثروات يؤدي الى الفقر والحرمان منها على مستوى الفرد والمجتمع.
- فالإسراف في الماء يؤدي الى حرمان حقوق الآخرين من الماء، واسراف الماء يكون بفتح الصنبور (الحنفية) بكاملها تجري وهو يغسل أسنانه أو يتوضأ أو الاستحمام أو الحلاقة أو في المطبخ يهدر كمية كبيرة من الماء بدون ترشيد واقتصاد، وهكذا في الكهرباء أيضاً، فحرمان آخرين من الماء والكهرباء والاضرار بهم بسبب إسراف آخرين يعد أمراً محرّماً.
- فالإسراف في الثروات الطبيعية والطاقات واهدارها هو تضييع حقوق الآخرين في الاستفادة منها.
8- الاسراف في المشتقات النفطية وأثرها السلبي على البيئة.
- الاسراف في استخدام المشتقات النفطية مثل: البنزين، والنفط، والغاز، والنفط الأسود وغيرها يزداد يوماً بعد يوم زيادة كبيرة جداً؛ وذلك لتزايد عدد السيارات والمكائن والمعامل والمولدات وغيرها التي تعتمد في تشغيلها على المشتقات النفطية، والتي تطرح المواد السامة التي تؤثر على حياة الفرد والمجتمع، ونتيجة هذه الغازات والمواد السامة ينتج:
1- التلوث الهوائي: الذي يضر بصحة الانسان والحيوان وجميع الكائنات الحية.
2- التلوث المائي: والذي يضر بصحة الإنسان والنبات والحيوان وجميع الكائنات الحية.
3- الأمطار الحامضية: وهي أمطار ملوثة تسبب أضراراً كبيرة على النباتات والأرض والبنايات وخاصة الآثار.
4- الاحتباس الحراري: يؤدي الى تغيير مواقع الزراعة والأمطار والرياح الحارة والعواصف الشديدة.
- كل هذه الملوثات والتغييرات تؤدي الى هلاك الحرث والنسل وتدمير التوازن البيئي علاوة على تأثيرها السلبي على التنمية المستدامة للموارد الطبيعية.
- خلاصة الأمر أن الاسراف يؤثر سلباً على الفرد والمجتمع.