العالم الصغير

15-10-2019
حسين علي الشامي
على خطى النجاح، الكل يحاول السير بجدية، يستلهم العبرة من أخطاء أسلافه ويستفيد بالوقت ذاته من نجاحهم، فيطور من خلال ذلك مشاريعه، ويصحح الأخطاء وفق الخطط الموضوعة بين يديه, والهدف من كل ذلك هو التأسيس للنجاح بصورة جديدة بمحورية الماضي وواقعية الحاضر.
ولا يخفى على الجميع أن الأسرة تعد من أهم خطوات انجاح المجتمع وتوفير الذائقة الانسانية من خلالها, فالمجتمع الناجح وفق الحسابات الاجتماعية هو ذاك المجتمع الذي تتوفر فيه العديد من الأسر الناجحة اجتماعياً واخلاقياً، فسمو أي مجتمع وبلوغه مرحلة الكمال الاخلاقي يعتمر بمعمورة الأسرة الناجحة أخلاقياً؛ لما فيها من انبعاثات وارسالات واشعاعات تنعكس على مرآة الواقع الانساني.
تعد الأسرة الخطوة الاولى نحو التفوق والبناء الرصين الناجح، يتكئ نجاحها على ركني هذا العالم الصغير بالمكونات التي تتكون منها الأسرة سواء الأسرة النواة او الاسرة الممتدة، فالأسرة بحد ذاتها الخلية الأساسية والنواة الاولى في المجتمع وأهم جماعاته الأولية الانسانية ذات التأثير المباشر او غير المباشر على الواقع الذي يعيشه المحيط بها؛ لما لها من ترابطات عاطفية واخلاقية ومشاعر انسانية وصلات رحم رابطة لأنسابهم وتداخلاتهم النسبية على نحو المصاهرة والتقارب.
إذا حظِيَ هذا التكتل البشري البسيط بالثقافة المنعشة التي تنثر ورود بهجتها على محياه، فمن المؤكد سيكون هناك الرابط الأساسي في تكوين العلاقات وبناء الاحاسيس اللازمة لتقويم فكرة العشرة والمقاربة التي تضفي النجاح لما يحيط الأسرة، وهذا ما عمل عليه نبي الاسلام من تكوين الصلة الشعورية بين ابناء مجتمعه الجديد من خلال رفع شعار اخوة المؤمنين، ودعا الى المعونة والتكافل الانساني دون تعيير او تقليل من شأن المعطى اليه على وجه التحديد؛ لكونه تعاون مع الرحمن تبارك وتعالى، واكبر الادلة على ذلك الرحمة التي أكدها القرآن برسول الرحمة: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107) وجعلها نقلة مباشرة للدلالة على رحمة الانسان الاجتماعي بمراعاته دين وانسانية اخيه حتى الذي لم تلده أمه: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح: 29) فكوّن نبي الاسلام J أسرة اجتماعية موسعة من خلال بناء آصرة الاخوة بين المؤمنين: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: 10).
إذن، ومما تقدم تعد الأسرة البنية التحتية للمجتمع لما لها من تداخل اجتماعي داخلي وخارجي يفيض بثقافاته وعلاقاته، فاذا توافقت جملة الأسر على مبادئ وأخلاقيات ومناقب وفضائل نقية، فمن المؤكد يمكن تنشئة مجتمع متطور ومتماسك ومانع لجملة الانحرافات الدخيلة بل ومتطور حسب الفرص التطويرية له لما هناك من توجيه عصري متمدن لاستقبال هذا الانجاز التطويري حسب أرادة نواة المجتمع وخليته الأساسية - الأسرة - كنقطة بداية لحراكه الاجتماعي والأخلاقي والتربوي الباعث لحركته الانسانية والمنقي والعامل على صفاء روحيته من الأدران والخبائث.