محاورة مع كتاب.. (اتجاه الدين في مناحي الحياة) لسماحة السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه)القسم21
15-10-2019
علي الخباز
- كيف يرى الدين السعادة المعنوية عند الانسان..؟
الكتاب:ـ لا يعرف المرء قيمة المادة، ان الاعتياد على النعمة يطفئ الشعور بتقديرها وقيمتها، الى التفريط في شأنها، وافتقادها تأثير النعمة في عدم الأخذ بالحكمة، ومن تأثير النعمة في عدم العمل بالعدالة، المرء بمعاناته بالآخرين يتحمل مسؤولياتهم.
إن المادة قد تؤدي الى الاضرار في الانسان، وانطفاء الشحنات العقلانية والحكمية. إن مطلق أسباب السعادة النفسية تؤدي الى السعادة المادية، الرؤية حثت على تحصيل السعادة المادية مع مراعاة الاعتدال، وهذا كله من ابعاد التزهيد في الدنيا، في النصوص الدينية، وأسباب السعادة المعنوية.
- وما هي اسباب السعادة المعنوية..؟
الكتاب:ـ للعقلانية العامة دور كبير في ايقاظها وتنشيطها، تؤثر في توفير السعادة المادية للإنسان؛ لأن هذه العقلانية كسائر الحاجات الإنسانية، حاجة نفسية للإنسان وشعور الانسان عند جريه على مقتضيات عقلانية، يجد انسجاماً مع نفسه، وإن شعوره عند التخلف عنها والتفريط بها كشعوره حال الكذب والخيانة، فالعقلانية العامة صدق داخلي، ونقض العقلانية ازدواج وتناقض داخلي، كأن الانسان يكذب على نفسه، وذلك امر مشهود في الوجدان الإنساني.
والعقلانية هي العامل الأساس في وجود سائر أسباب السعادة، مادية كانت او معنوية، والأخلاق الفاضلة مثل حسن الخلق والتواضع والصدقة والإحسان والعفاف، فإن للدين دوراً كبيراً في تقويتها وتنشيطها والعوامل الموجبة لإسعاده سعادة معنوية ومادية، أما دورها في السعادة المعنوية، فيتجلى فيما تؤدي اليه الاخلاق الفاضلة من الشعور بالراحة والسكينة النفسية، على عكس اضدادها، من قبيل التكبر والحسد والحقد والعصبية وسوء الخلق وسرعة الانفعال، فإنها تؤدي الى القلق والتوتر والاضطراب وهي ضروب من الشقاء، مضافاً الى هذا، فإن ارتكاب الخطيئة من شأنه ان يجعل صاحبها في قلق من انكشافها، وما يترتب على هذا الانكشاف من آثار تنعكس سلبا على سعادته المادية ومكانته وجاهه، وفيها سعادة النوع الإنساني، سواء في المستوى الالزامي من الاخ أو غير الالزامي.
اما في الالزامي فان هذه الخصال التي تمثل سنن العدل في الحياة، تشكل المصدر لجميع القوانين التي تضبط حياة الانسان من جهة انها تسعى الى استنباط الهدي الفطري، والمراد بالفضل هو ما يزيد على مقتضيات العدل وترجمته في ضمن قانون مدون.
وفي المستوى غبر الالزامي، فهذه الخصال هي مبادئ الفضل بين الناس، والمراد بالفضل ما يزيد على مقتضيات العدل من وجوه الاحسان والبر والاعانة للآخرين على موجب للإلزام به والمعاقبة على تركه،.
ومن المعلوم أن الفضل من موجبات سعادة الفئات المحتاجة كالفقراء والأيتام والمرضى بل هو من مبادئ شعور الناس فيما بينهم بالسعادة وان لم يكونوا محتاجين، ان فيها سعادة الشخص نفسه، فإنها غالباً ما تصب في مصلحة الشخص، وإن غضضنا النظر عن مصلحة النوع الإنساني.
- ألا تمنع الفضائل بعض رغبات الانسان..؟
الكتاب:ـ وقد يظن أن الفضائل ليست على العموم لمنفعة الشخص الملتزم؛ لأنها تقيده وتمنعه عن التوصل الى رغبته، فهو انما يندفع الى مراعاتها من جهة مصلحتها، الانسان اذا لم يكن له توجهات فاضلة، لم يراعِ مقتضيات الفضيلة، الحكام مثلاً لا يمتنعون عن ظلم الناس للوصول الى مآربهم، والمعوزون أو الراغبون في مزيد من الإمكانات والأموال لا يمتنعون عن السرقة للوصول الى رغباتهم، ولكن هذا الظن ليس صحيحاً، بل الفضائل أسباب للصلاح النوعي لمن رعاها في هذه الحياة، بالنظر الى الخطيئة تتبع اخواتها وتتكرر نوعا من صاحبها، لانكشافها ولو في مستوى الظنة والاحتمال الموجب لاتهام من صدرت منه والريبة فه، حتى وان لم تكن معلنة من قبل صاحبها.
وكل خطيئة وجرم انكشف من شأنه ان يستتبع ردود أفعال لم يتوقعها صاحبه يوجب لها كدرا وشقاء، وتشير بعض التأملات الاجتماعية والسياسية في أحوال مرتبكي الخطايا من عامة الناس أو من الحكام والمتولين لأمور العامة، الى ان اكثر من انكشفت خطيئته من هؤلاء لم يكن يتوقع على أساس غلبة الرغبة الى الخطيئة عليهم، وكثير منهم يعترف بأنه لم يكن واقعيا في تقدير الأمور.
ان النجاة في الصدق، وان الحكم يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم، وان تواضع المرء يزيد من عزته، وتحلي الانسان بالحكمة وللدين دور مهم في تبلور الحكمة والتوجيه اليها، والحكمة تساعده أيضاً على تحقيق السعادة المعنوية وذلك على وجوه:
إن في الانسان تطلعا فكريا الى الحكمة وان له نزوعا الى الفضيلة ومن ثم فإنه يتذوق الحكمة عند سماعها، الحكمة بما تعنيه من تحري النفع وتجنب الضرر، وان كانت حاجة إنسانية الا ان شعور الانسان تجاهها ليس بمجرد ادراك الحاجة، بل ان هناك تحفيزاً داخلياً عقلياً اليها ونزوعا نحوها، بل يكون التحفيز منبها له على الحاجة، على الانسان ان يبحث عن مدى حاجته ويندفع بحسبها، فلو سها عن ذلك مات أو مرض من غير ان يشعر بالحاجة، وان تحري المرء عن السعادة، وتحري المرء للسعادة المادية برؤية واقعية شاملة، فضلاً عن انه سبيل الى تحقيق تلك السعادة على النحو الأمثل، يعطيه ثقة واستقراراً نفسياً وروحياً في الحياة، فالإنسان الحكيم واقعي في الحياة، يفهم سننها ويعيش واقعها على نحو متناسب معها، ولا يهتم بشيء لا يليق الاهتمام به، أما القناعة فإنها توجب كثيرا من السعادة، وتخلص المرء من كثير من النكد والعناء، وللدين تأثير كبير في ايجادها وتنميتها في داخل الانسان.
- وما هي حقيقة القناعة بالنسبة الى رؤية الدين اليها..؟
الكتاب:ـ القناعة ضربان: الرضا بالكفاف من الرغبات المادية، والاستغناء النفسي وهو الرضا بما دون الكفاف، والمراد بالكفاف: المقدار الذي تقتضيه الرغبات الفطرية بحسب خلق الانسان، توضيحه ان الرغبات الاعتيادية المادية من الطعام والشراب والجاه والزواج والإمكانات، وان كانت في أصلها مما فطر عليه الانسان، الا أن ما يحتاج اليه الانسان بفطرته انما هو مستوى منها ما زاد عليه فهو من الرغبات المكتسبة، وهي رغبات تنمو في الانسان؛ بسبب عوامل ثانوية تتولد في اثر الظروف والملابسات، كعوامل التنافس أو الاعتياد أو مزيد من اللذة، الذي يحتاج اليه الانسان من الطعام والشراب،انما هو حد خاص كمّاً وكيفاً، وهو ما يعبر عنه بالكفاف.
القناعة هي ان يرضى الانسان بالكفاف، هو المقدار الذي يحتاج اليه، ولا تجمح به الرغبات الى الزيادة عليه، وهذه حقيقة القناعة، اما دورها في السعادة المعنوية والمادية، فهو دور كبير يتمثل في وجوه متعددة: ان القناعة تساعد الانسان على التحلي بالأخلاق الفاضلة، وتساعد الانسان على رعاية مقتضى الحكمة، بمعنى ان يقيس النفع والضرر بمقياس موضوعي، وكذلك تقي الانسان من كثير من الانفعالات التي تخل بشعوره بالسعادة مثل: الحرمان والإحباط والقلق والكآبة والحسد من المتميزين في الإمكانات المادية أو الحقد عليهم، القناعة تحصيل للسعادة بثمن قليل، السعادة الحاصلة بها على حد الغنيمة الباردة، وما اكثر حاجة الانسان في هذا العصر الى القناعة للحفاظ على سلامته النفسية واطمئنانه الروحي.