الحسين ع منارٌ لعشاق الشهادة

15-10-2019
عباس ساجت الغزي
الاسلام في مرحلة التحدي, بحاجة الى حكماء, مفكرين, أشداء, قادة, جنود اوفياء, اولو علم وبصيرة, اصحاب همم عالية وحجج ناطقة, يرون نور الحق المدفون في دهاليز الباطل المظلمة, ويدلون الناس عليه باقتدار وعزيمة, تعزز مكانة الاسلام في عقول العامة.
لابد أن ننهل من مناهل علم الرسول والائمة الاطهار في ايام محرم الحرام, وأن نبكي على انفسنا, ونمشي على طريق ابي الأحرار الحسين A في طلب الاصلاح, وأن نجعل حامل لواء الطف ابا الفضل العباس لنا القدوة الحسنة في مقارعة الباطل ومحاربة المفسدين.
الحسين A صاحب تكليف شرعي, رسالة وامانة تنفيذية, قائد حكيم في التعامل مع الرعية, ادرك بأن من حوله في المدينة يحاولون رسم واقع مخالف لما يصدر عن الحاكم الجائر, فقرر أن يترك كل حطام الدنيا وراءه، وأن يحمل عياله واصحابه المقربين على بساط الرحمة الالهية, متوجها صوب الكوفة التي تعتبر آنذاك مناراً للأحرار ومعقلاً للثوار.
كان الامام الحسين A يتعامل مع المواقف الانية بتكليف وحكمة, تراه في كل مرة يواجه القوم بالحجج الدامغة، ويرفض ان يبدأهم بقتال, فحين ارسل ابن سعد (لعنة الله عليه) قرة بن قيس الحنظلي ليلقى الحسين A ويخبره ما يريد؟, اجابه الحسين A: "كتب إليّ أهل مصركم أن أقدم، فأما إذ كرهوني فأنا أنصرف عنهم".
حتى مع الاصحاب المقربين كان يتعامل بنفس الحكمة في القاء الحجة عليهم, في ليلة وقوع المنازلة جمعهم واخبرهم: "أن القوم يطلبونني, ولو اصابوني لذهلوا عن طلب غيري, ثم قال: هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا".
وفي صباح يوم المعركة القى الحجة على القوم, حين تقدم وبين يديه برير بن خضير, وقال برير: "يا قوم اتقوا الله، فإن ثقل محمد قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذريته وعترته، وبناته وحرمه، فهاتوا ما عندكم؟ وما الذي تريدون أن تصنعوا بهم؟, فقالوا: نريد أن نمكن منهم الأمير ابن زياد, فيرى رأيه فيهم، فقال لهم برير: أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي جاءوا منه؟ ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها، وأشهدتم الله عليها..؟!"
وخير من اتبع الموعظة الحسنة وفاز بالشهادة (الحر بن يزيد الرياحي) الذي كان قائد طليعة جيش بني أمية, والذي ساعد الامام في اقامة الحجة على الجيش, حين خرج لهم, وخطب فيهم: "أيها القوم ألا تقبلون من حسين خصلة من الخصال التي عرض عليكم، فيعافيكم الله من حربه وقتاله", كان الحر يعلم بأن الامام يركز على رسائل اهل الكوفة, وبأنهم يشكلون نسبة كبيرة من جيش الطاغية فرعون العصر يزيد المجرم, لذا خطب فيهم: "يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر إذ دعوتموه، حتى إذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنكم قاتلو أنفسكم دونه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه، وأخذتم بكظمه، وأحطتم به من كل جانب فمنعتموه التوجه في بلاد ألله العريضة، حتى يأمن ويأمن أهل بيته وأصبح في أيديكم كالأسير... بئسما خلفتم محمدا في ذريته، لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا، وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعته هذه، فحملت عليه رجالة الجيش ترميه بالنبل، فأقبل حتى وقف أمام الإمام الحسين".
كان الإمام يرى أن من واجبه أن يرفع الحرج عن نفسه، وأن يعطي أصحابه وأعداءه الفرصة لإعادة النظر في مواقفهم قبل أن يبدأ القتال؛ لأنه يعلم بأن الحرب واقعة لا محال، وأن مصيره ومصير من يبقى معه القتل, ويعلم أن الشهادة لا ينالها إلا ذو حظ عظيم.