الحسين ع بذرة الإصلاح وقانون التغيير

15-10-2019
محمد حسن الساعدي
كثيرة هي الشخصيات والأحداث التي حدثت على مر العصور، وبعضها غيّر مجرى التاريخ، وسجلها بأحرف من ذهب، ولكن عظمة الطف ودهشة ما حصل فيها من أحداث أبطل كل تلك الحوادث، وأصبحت معركة الحسين ضد يزيد من أهم ركائز دين محمدص، وأهم الثوابت التي استطاعت إعادة بوصلة الدين إلى سيرته وقوته، واستطاع دم الحسين يوم الطف عام 61 هـ من الدفاع عن بيضة الإسلام لتبقى عزيزة مصانة، والقارئ المنصف يجد الكثير من المحطات المهمة التي غيّرت مجرى التاريخ بعد شهادة الإمام الحسين يوم العاشر من المحرم، فلم تبق إمبراطورية يزيد غير أيام قلائل لتذهب إلى مزبلة التاريخ ولعنة الناس أجمعين .
إن فلسفة كربلاء وطفها لا يمكن اختزالها بشخوص آل أمية وقدرتهم على حسم المعركة لصالح كثرتهم، ولكن اللافت أن يوم العاشر استطاع أبو عبدالله ع أن يغير سيناريو المعركة عموماً، فمعركة الطف لم تتغير ولكن كربلاء اليوم أصبحت قبلة ودرساً للأحرار في كل زمان ومكان، وأصبح قبر رجل تقطعت أوصاله وبقيت ثلاثة أيام في رمضاء كربلاء، لتحكي للأجيال قصة الظلم والاستبداد الأموي على مر العصور، والذي لم يرحم كبيراً ولا مريضاً ولا امرأة أو طفلاً، ولكن هذه العصابة حملت الحقد الأموي كله، ولتعبر عن حقدها على العترة الطاهرة يوم الطف والتي أكد فيها يزيد بن معاوية هذا الكره والحقد الدفين بقوله :
ليت أشيـــــــاخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القرم من ساداتهم
وعدلنــــــــــــا ميل بدر فاعتدل
فـــــــــــــــــأهلوا واستهلوا فرحا
ثم قـــــــــــــالوا يا يزيد لا تسل
لست من خندف إن لم أنتقم
من بني أحمد ما كـــــــان فعل
لعبت هـــــــــــــــاشم بالملك فلا
خبر جـــــــــــــــاء ولا وحي نزل
فهذا هو المروق من الدين، وقول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله ولا يؤمن بالله ولا بما جاء من عند الله، ثم من أغلظ ما انتهك وأعظم من سفكه دم الإمام الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله (عليهم الصلاة والسلام) مع موقعه من رسول الله ص ومكانه منه ومنزلته من الدين والفضل وشهادة رسول الله J له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنة اجتراء على الله وكفرا بدينه وعداوة لرسوله ومجاهدة لعترته واستهانة بحرمته، فكأنما يقتل به وبأهل بيته قوما من كفار أهل الترك والديلم لا يخاف من الله نقمة ولا يرقب منه سطوة، فبتر الله عمره، واجتث أصله وفرعه وسلبه ما تحت يده وأعد له من عذابه وعقوبته ما استحقه من الله بمعصيته .
لم يكن الإمام الحسين ع مجرد حدث مأساوي تعرض له إنسان بريء وشريف وعظيم الشأن نتيجة حماقة واستبداد وسوء السلطة الحاكمة، بل هو فكرة شعارها الحرية وهدفها السلام والكرامة للبشر في ظل حكومة عادلة لا بغي فيها ولا تجاوز على الحقوق والحريات، وكانت هذه الفكرة ولا زالت حلم الفلاسفة، ولحن الشعراء والأدباء، وطموح بني البشر بصرف النظر عن أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم وتوجهاتهم الفكرية، ولكن ليس كل البشر مستعدين للتضحية من اجل هذه الفكرة؛ لأسباب كثيرة إما جهلاً أو طمعاً أو خوفاً... فأراد الحسين ع أن يضرب للناس مثلاً قلّ نظيره، في التضحية من اجل ما يؤمن به، فكان الموت في سبيل الحرية كرامة وسعادة، والعيش مع الظلم والعبودية برما وشقاء لا يقوى على تحمله الإنسان الحر.
نعم، كان الحسين الإنسان حرا تماما وغير مستعد للتنازل عن حريته، لذا لم يستجب إلى الإغراء أو التهديد المنتج للعبودية والممهد للطغيان.. ولأن الثورة الحسينية تحمل هذه الفكرة فلا يمكن أن تكون قد حققت أهدافها في ظل تاريخ طويل من العبودية والظلم في بلاد المسلمين وغيرهم، بل ومع وجود هذا الكم الهائل من العنف الذي نراه اليوم بين البشر اتجاه بعضهم البعض لأسباب مختلفة.