الحسين.. أنشودة الأحرار وهاجس يقض مضاجع المستكبرين

18-09-2019
جواد السكيني
لاشك أن ما حدث في كربلاء لم يكن سوء تقدير، أو خطأ في الحسابات، أو إقداماً على ما لا تعرف عواقبه، بل كان الإمام الحسين ع يرى كل أبعاد المعركة: ما بعد المعركة، وأثناء المعركة حقيقةً ثابتةً شاخصةً للعيان، ماثلةً على أرض الواقع بكامل تفاصيلها عن طريق جده النبي (صلى الله عليه وآله)، وما وصله عنه؛ فهو القائل قبيل انطلاقه من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة: (شاء الله أن يراني قتيلاً.. شاء الله أن يراهن سبايا..)، وهو القائل أثناء المسير باتجاه كربلاء: (القوم يسيرون، والمنايا تسير معهم..)، وهو القائل حين وطأت قدماه أرض كربلاء: (هاهنا تسفك دماؤنا، هاهنا والله تهتك حريمنا، هاهنا والله تقتل رجالنا..)، وهو القائل صبيحة يوم المعركة، العاشر من محرم الحرام، مخاطباً أهل بيته ع، ومن معه من أصحابه الأخيار: (إن الله قد أذن في قتلكم، وقتلي في هذا اليوم؛ فعليكم بالصبر والقتال..).
فقد مضى الإمام الحسين A باتجاه أهدافه على بصيرة من أمره، بكل دراية، وإرادة، وتصميم، ومن هنا تتأتى أهمية الحدث والموقف الذي تميز بفرادته إلى الأبد، واتسم بطابع لا نظير له في الثبات على المبدأ، والدفاع عن القضية العادلة حد التضحية بالنفس، والنفيس معاً، بعيداً عن معادلات الربح والخسارة المادية، في معركة غير متكافئة من حيث العدد، والعدة، استناداً إلى الدور القيادي المسؤول الذي لا بديل له، كإمام للأمة بالنص، والاختيار الذي تؤكده على الأقل رسائل أهل الكوفة، ضمن (000, 12) كتاب، والحضور الميداني الواعي على طريق الهدف الأساس الرامي إلى صيانة المشروع الإسلامي كمشروع إلهي من تحديات أعداء الدين الذين تسللوا إلى السلطة، واستطاعوا الهيمنة على مقاليد الحكم بدعم وإسناد وتمهيد ممن سبق، وإقامة نظامهم السياسي الفاقد للشرعية بكل المقاييس الذي تقوده زمرة من أقطاب، وأعقاب الأسرة الأموية المعروفة بعدائها المستحكم للدين يؤكده تأريخهم المليء بالعار، والسيرة الذاتية لأفرادها: نساءً آكلة الأكباد، ورجالاً لا يتورعون عن قتل الأطفال، وحرق الخيام، وترويع النساء؛ والتحولات الانقلابية الخطيرة في البنى الفكرية والسلوكية للمجتمع التي لا زالت الأمة تعاني تداعياتها وآثارها حتى يومنا هذا، التي رافقت قيام ذلك النظام الذي يعد من أبرز ملامحه السيئة: محاولات الإذلال، والاستغلال، والانتهازية لانتزاع الاعتراف بسلطاتهم الغاشمة فيما تجرؤوا على تسميته زوراً بـ(خلافة رسول الله) بالقوة من آل رسول الله J الأولى بالخلافة من كل جانب، ساهمت بها سياسات مشبوهة، وشخصيات محمومة، مراوغة، جعلتها تبدو كأنها شرعية، في ظل أجواء سياسية ملبدة بالتخويف، والتحريف، والتضليل، والتزوير، وهي مسألة قتالة كبرى في غاية الخطورة: (يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون..)، فضلاً عن كونها مجافية للذوق العام، والمنطق السوي حيث إن السلطة في الإسلام للإمام: (الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الداين بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله)، المتصف بالصلاح قال تعالى: (أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)، وفي الحديث الشريف: (لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم)، لا لمن يقهر الأمة، والإمام، ويعد الدين: لعبةً، وملكاً عضوضاً: (لعبت هاشم بالملك فلا ... خبر جاء ولا وحي نزل) على حد تعبير رأس السلطة الحاكمة -آنذاك-.
لذا جاءت الثورة مصداقاً أكيداً لمفاهيم الرسالة الإلهية، إذ جسد الإمام الحسين A تجسيداً حياً، وبشكل علمي عملي، دقيق في فكره، وسلوكه، ومواقفه، معاني القرآن الحكيم الداعية إلى رفض الظلم والعدوان، ومجابهة حالات القهر، والاستضعاف، والاستبداد، والاستعباد، وإن استوجب ذلك الثورة إذا ما باتت الثورة هي الخيار الوحيد للخلاص من الواقع الفاسد، والإطاحة بمنهج الطاغوت المتمثل حينها بغطرسة السلطة الجائرة الفاقدة للشرعية، وعتوها، وطغيانها، واستبدادها؛ إذ ذاك هو الحجر الأساس لإعادة بناء الدولة الإسلامية، ومنهجها الصحيح، واستعادة الأمة هويتها الحقيقية، كشرط أساس يؤهلها للنهوض مجدداً بدورها الرسالي الهادف إلى تعبيد الإنسانية لله وحده، وصناعة المستقبل المشرق بإقامة دولة كريمة يسود فيها الحق، وتنتشر فيها قيم المساواة بين البشر، والعدالة الاجتماعية، وينال بها المرء كامل حقوقه المشروعة، ويحقق المجتمع خياراته الإنسانية، كما تكتسح منها مظاهر الفساد، وتنقشع الحالات الشاذة، بعد أن حرص الإمام A كل الحرص على أن يأخذ الجانب السلمي مدياته الفعالة المؤثرة وعلى الصعد كلها: السياسية، والاجتماعية، والإعلامية، بأوسع نطاق لها، والتي أظهرت واقع النظام الحاكم على حقيقته اللا إسلامية، وكشفت مواطن الخرق والزيف والتناقض بشكل واضح جلي، ما ساهم بتعميق حالة الرفض الاجتماعي للواقع السياسي الفاسد المتأزم، كما ساهم بدوره بإنجاح المشروع الإصلاحي الشامل، عاجلاً أو آجلاً، الذي عبرت عنه أصدق تعبير ثورتا التوابين، والمختار الثقفي.
كما ساهمت فوراً بشكل فعال باستمالة الكثير من كبار الشخصيات الدينية، والسياسية، والاجتماعية، والعسكرية، وإعادتها إلى جادة الحق؛ ولعل في مقدمتهم: زهير بن القين، والحر الرياحي -أحد أكبر قيادات المعسكر المقابل-، إضافة إلى انضمام عدد من عوام الناس من مختلف الأديان، والثقافات، والقوميات كأمثال: وهب النصراني، وزوجه، وأمه، والغلام التركي واضح، وعابس الشاكري، والفتى الأسود جون، وغيرهم حين خاطب الإمام الحسين A على الملأ وجوه من استدعوه: (يا شبث بن ربعي، ويا حجار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا زيد بن الحارث، ألم تكتبوا لي: أن أقدم قد أينعت الثمار، وأخضر الجناب، وإنما تقدم على جند لك مجندة..؟)، وخطابه لجموعهم: (يا أمة السوء بئسما خلفتم محمداً في عترته..)، (علام تقاتلونني..؟! على سنة بدلتها؟! أم على شريعة غيرتها؟!..)، (يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم، وأرجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون..)، مشخصاً تنكرهم للدين، وانحرافهم عن سنة نبيهم الأكرم J، وآل بيته D الذين شهد القرآن بطهارتهم، وأمر بمودتهم، واتباعهم: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا..)، وتجردهم عن القيم الإنسانية، وثوابت الأمة، معرباً في الوقت نفسه عن سلمية توجهه، واستعداده للعودة من حيث أتى: (أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض)، إلى جانب استعداده التام لمجابهة كل التحديات: (لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد)، بالرغم من أن وقوف الإمام الحسين A بحد ذاته ميزان حق لفك أي تداخل في الصورة بين معسكر الرحمن، وحزب الشيطان، أو أية ازدواجية في المعايير القيمية، أو الأخلاقية، ونفي لأية صفة ادعائية لـ(خلافة رسول الله) لم تكن مقرونة باعتراف آل بيت رسول الله J الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وموقفه الحازم لمواجهة عملية الالتفاف الممنهجة القتالة لما سمي بـ(خلافة رسول الله) التي اكتملت حلقاتها التآمرية تدريجياً حتى تمخضت عن تربع ألد أعداء رسول الله J على منبر رسول الله، في أكبر عملية انقلاب ممنهج، وفق مخطط تآمري مسبق، وأدوار مشبوهة حل بها الظلم محل القسط، والجور محل العدل، والملكية محل الإمامة، والوراثة محل النص، وأصبح المعروف لا يعمل به، والمنكر لا يتناهى عنه، وبات منبر رسول الله J عرشاً ملكياً، يتوارثه سيء عن سيء، لا يمت بصلة لرسول الله J، يتلاقفه أدعياء الخلافة من أبناء الطلقاء، وغيرهم (تلاقف الصبيان للكرة) للاستيلاء على السلطة، والهيمنة على مقدرات الأمة، وتحقيق أهداف خبيثة، ونوايا شريرة مبيتة، وفق توجهات مسبقة لضرب المشروع الإسلامي، ونسف مقوماته، وطمس معالمه، ضمن إطار عمليات ممنهجة من نفي، وإقصاء، وتصفيات جسدية لآل بيت النبي J، بوصفهم الامتداد الطبيعي الفكري الموضوعي العلمي العملي لخط الرسالة الإلهية، وكبار الصحابة، والتابعين؛ إن بالسيف، أو بما أسموه (جنوداً من عسل)، وصولاً إلى استباحة المدينة المنورة، واغتصاب نساء المسلمين فيها، حتى استهداف الكعبة بالمنجنيق، وإحراقها، إضافةً الى تعطيل أحكام الله، وإثارة البدع، والتضليل التي كشفت عنها مراحل حكمهم اللاحقة، ما بعد قتل الإمام الحسين A، ما يؤكد صواب موقف الإمام الحسين A الرافض للاعتراف أساساً بمثل هكذا نظام تنكر للمعايير الشرعية وتجرد عن القيم الإنسانية، مبيناً A موقفه الحاسم منه، بكل صرامة ووضوح: (مثلي لا يبايع مثله)، ما جعله هدفاً خطيراً، لا يوازيه هدف من وجهة نظر النظام، الذي اعتبر رفضه البيعة تهديداً يزعزع أركان حكمهم الاستبدادي، ومستقبل عرشهم اللا شرعي، لا يمكن استمالته، فلم يكتفوا بغير تصفيته، إيغالاً بعمق نزعتهم الإجرامية التي ليس لها حدود، بينما كره A البدء بقتالهم: (إني أكره أن أبدأهم بقتال) حين خير بين أمرين: القتل، أو الاعتراف بالسلطان الجائر، وكان الأول الخيار الراجح لطليعة فذة مثله، كأمين على فحوى الرسالة الإلهية، مخلص لتعاليم الكتاب، وفيّ لسنة جده النبي J، معتبراً الموت دفاعاً عن الحق سعادةً، والحياة مع الظالمين برماً، لا يقبل المداهنة أو المساومة على حساب الدين، ولا يكتفي بالشجب، أو التنديد، ولا يثنيه حب السلامة، ولا يلتمس العذر حين لا يمكن إعفاء أحد من المسؤولية، ما تفسره الأسس، والمنطلقات التي ارتكز إليها في ثورته الإصلاحية التي نحاول تحديدها بثلاثة منطلقات مهمة هي:

المنطلق الفكري العقائدي:
المتمثل بالاستعداد التام، والجهد المتفاني المستميت لوضع التكاليف الإلهية موضع التنفيذ، مهما كلف الثمن في أحلك الظروف العصيبة وأصعبها، المستمد من ارتباطه الوثيق بالله سبحانه وتعالى، ورسوله الكريم J، استناداً إلى وعي الإمام الحسين A بطبيعة وجوده كإمام للأمة، وامتداد طبيعي يمثل الصلة الحية بين الفكر والممارسة لخط الرسالة الإلهية الخاتمة، وهي حقيقة ثابتة لا يحق لذي لب تجاهلها: (يا قوم..! إن بيني وبينكم كتاب الله، وسنة جدي رسول الله -ص-)، (أولم يبلغكم قول رسول الله –ص- لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة..؟!)، (وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بالشهادة..)، وقوله: (هون ما نزل بي أنه بعين الله..)، وله A صائلا،ً مرتجزاً:
أنا الحســــــــين بن علي
آليــــــــــــــــت أن لا أنثني
أحمي عيـــــــــــالات أبي
أمضي على دين النبي.

المنطلق التربوي الأخلاقي:
المتمثل بالإحساس المرهف، والشعور العالي بالمسؤولية النابع من الحصانة الأخلاقية الكامنة في نفس، وضمير الإمام الحسين A المستمد من المستوى التربوي العلمي العملي العالي، استناداً إلى انتمائه الحقيقي للدين، وفهمه العميق لمبادئه، والتصاقه الوثيق بقيم الأمة، وتراثها الثر، كربيب بيت النبوة المطهر، وسليل الفرع الهاشمي الشريف الذي وصفه A بـ: (حجور طابت، وبيوت طهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية..) ذي التضحيات المشرفة الجسيمة، والمواقف الإيمانية العظيمة (أو ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي..؟! أو ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي..؟!).
وله A:
الموت أولى من ركوب العار
والعار أولى من دخول النار.

المنطلق الإنساني الوجداني:
المتمثل بالتفاعل الصميمي، والتلاحم الحميمي مع هموم الناس، والاستجابة الفاعلة لمطالبهم المشروعة، ومعالجة مشاكل الأمة، المستمد من صلته الحية بواقع الأمة وحركة المجتمع، استناداً إلى وعيه A بطبيعة موقعه كقدوة حسنة، ومثل أعلى، العائدة إلى ثقته العالية بنفسه، والمدعومة بثقة الجماهير التي تؤكدها رسائل أهل الكوفة له وحده دون سواه الذي عزز المشروعية السياسية للثورة، كمطلب جماهيري، بغض النظر عن مدى التزام الجماهير بمضمون رسائلهم، أو الوفاء لها؛ لأن الإمام الحسين A جاء لينتصر لهم إلى حد كبير، أكثر مما ينتصر بهم، يؤكد ذلك بقاؤه وحيداً فريداً نهاية المطاف، ثابتاً كالطود الشامخ الأشم وسط الجموع المدججة، منادياً بالقوم، هاتفاً متحدياً الموت، وجمعهم:
"اقصدوني بنفسي واتركوا حرمي
قد حان حيني وقد لاحت لوائحه"
وصيحته المدوية الخالدة: (أما من مجير يجيرنا؟ أما من مغيث يغيثنا؟ أما من طالب حق ينصرنا؟ أما من خائف من النار فيذب عنا؟) أو: (هل من ذاب عن حرم رسول الله؟ هل من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟) كدعوة رسالية تأريخية ذات مهمة مستقبلية تهدف إلى تعبئة القوى المستقبلية، وحشد طاقات الأمة -وإن بدت على غير ذلك- أو منفصلة عن أبعادها المستقبلية، إلا أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بها، ارتباط الفرع بالأصل فهي بمثابة نقطة بدء انطلاق خط الشروع لمشروع الإمام الحسين الثوري على طريق تحقيق الهدف الأسمى، الذي كان هدفاً تربوياً تعبوياً في جوهره يتخطى حدود الزمان والمكان، كما تخطى حدود الأطياف والأجناس والأعراق -وإن ارتبط بالعوامل المرحلية الخاصة بطبيعة المرحلة آنذاك- ليمتد، ويستمر، وينمو، ويتجذر، مع الزمان كشجرة طيبة أصلها ثابت، وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، كضرورة إنسانية دائمة ملحة في مسيرتها الإصلاحية ضمن إطار إدارة دفة الصراع الأزلي صراع الحق ضد الباطل، حيثما كان، وأينما وجد سلطان جائر يجب أن يعلم أن الاعتراف به أمر مستحيل في ظل وجود رموز أبية، ورجال مؤمنة بقضيتها العادلة، مخلصة للدين، غيورة على الحق، وهذا معنى قوله A وهتافه: (ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة..)، وما يتطلبه ذلك من تأسيس لبناء قاعدة فكرية سلوكية صحيحة تشكل مرجعية علمية عملية، ومصدراً أساساً من مصادر التربية في الفكر والسلوك والممارسة على مستوى الفرد والمجتمع تعنى بإرساء وترسيخ فلسفة العمل الثوري، والفعل المقاوم القائم على أساس الهدي الإلهي كشرط أساس لضمان صلاحه، وصدق انتمائه، وتحقيق نجاحه في التعبير عن إرادة الأمة بكل شرائحها، وأطيافها؛ والدور الفاعل الإيجابي للاضطلاع بالمهمة عبر شروط النظرة الواعية، والمنهج العلمي الدقيق المنسجم مع المعايير الشرعية، والضوابط الأخلاقية كحركة إصلاح، وإنقاذ، وتحرر قادرة على تحسس مشاكل الأمة وتناقضاتها، وإيجاد الحلول لها بما يؤهلها لامتلاك ناصية النهوض بالمسؤولية ضمن مهمتها الإصلاحية نحو تغيير الواقع الفاسد الذي يعاني منه المجتمع، ويناضل الجميع للخلاص منه، وإعداد قيادات واعية، وأجيال متحررة مستنيرة مستعدة للاضطلاع بمهمة التغيير والإصلاح، لتكون (كربلاء) النواة الحية لكل حركة إصلاحية طموحة تشق طريقها على أرض الواقع لاجتثاث الشر، والشيطنة، والرذيلة، وترسيخ عوامل الخير، والصلاح، والفضيلة عبر الأزمان، ويكون (عاشوراء) العمق التاريخي الثر الزاخر بالصور المشرقة، والنماذج المشرفة، والحافز الموضوعي العملي لتلمس الطريق الأمثل، بالرجوع دائماً إلى موقف الإمام الحسين A الذي يمثل القرآن الحكيم معينه الثر، كما يمثل جده النبي J بعده العلمي العملي: (إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي؛ أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي رسول الله، وأبي أمير المؤمنين، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا سأصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين..) واضعاً الأمة بمشروعه الإصلاحي الشامل، ونهضته الثورية الملهمة، وموقعه الحيوي، وموقفه الفذ، كرمز: إمام، مصلح، ثائر، شهيد على أعتاب مرحلة إصلاحية رائدة، مشبعة بالقيم الإنسانية النبيلة، غنية بالمبادئ الأخلاقية السامية، هي عمق الانتماء العقائدي للدين، وقمة الالتزام الواعي بثوابت الأمة، والقضايا الإنسانية تحتاجها البشرية على الدوام كفعل إنساني خلاق في تثوير الواقع المراد تغييره ضمن مسيرتها التغييرية التصحيحية على طريق تحقيق أهدافها الإنسانية في قيام مجتمع مثالي، نحو إقامة عالم مزدهر، وتغيير وجه التأريخ.