رسالة إلهية عنوانها (الحسين ع)
18-09-2019
عبد الجبار الحمدي
تمر أيام عاشوراء وهي تحمل بكل ساعاتها انحسار الباطل واتساع الحق المبين، الذي يحتاج الى رجال خلعوا ربق الدنيا وامتلأت أرواحهم وعقولهم ونفوسهم وجوارحهم بحب الله تعالى... تمر علينا هذه الايام وكأنها الفلك الذي تدور حوله الدنيا لتتجدد في البقاء الى العام القادم.
والسؤال قد يكون قديماً ولكن يجب تكراره: لماذا لا تندثر واقعة كربلاء..؟ قد يكون الجواب سهلا وبكلمتين: (إنه الحسين ع) ولكن ايضا سؤال من هو الحسين ع..؟ فكل الذي نعرفه عنه بعيدا عن علميته وشجاعته وعدله والبيئة التي تربى فيها وما اكتسبه من كرامة وشرف كونه أحد سبطي الرسول الاعظم وابن وصي رسول الله وابن بنت نبيه.. فكثير من الامور مغيبة عن شخصيته إلا واقعة كربلاء وخروجه من المدينة الى الكرب والبلاء بأمر إلهي بحت.
إننا إذ نحيي شعائر هذه الفاجعة علينا أن نتذكر الحسين الإنسان، الحسين السبط، الحسين العالم، الحسين الأبي، الحسين العدل، الحسين الحق، الحسين المظلوم، الحسين الشهيد، الحسين الأب المهضوم المفجوع بأهله وابنائه واخيه عضده الأيمن والقمر الهاشمي، الحسين الرافض للظلم والخنوع، الحسين المطالب بالحق، الحسين الإسلام والدين التضحية الكبرى.
إن واقعة الطف هي منعطف تأريخي إلهي مقدر ان يكون، ولكي يبقى فلابد أن يكون الفعل الإلهي والأمر عظيما فهو صادر من خالق السموات والأرض وما عليها ومنشئ الحياة والموت، ولابد أيضا ان يكون الفداء عظيما ايضا بقدر ما أراد له من مكانة، فاختار الله الحسين ذلك الخلق المنشأ في عالم الذر قبل تكوين السموات والأرض.
إن الحسين A ومقتله هو رسالة إلهية لابد ان يمضي من حملها هداية وإبقاء للرسالة المحمدية وقد أشار الرسول J الى ذلك في اكثر من مناسبة بأن للحسين شأن عظيم حتى أنه بكى مصرعه ورآه قبل ان يكون.. دلالات كثيرة تجعل من واقعة الطف هي الركيزة الحقيقية والمنعطف الواقعي لتثبيت أن الدين لم يستقم إلا بقتل الامام الحسين سيد الشهداء وآل بيته.
إننا كشيعة ومقلدي هذا المذهب العظيم بعظمة من جعله الله انساناً عظيماً في خَلقِه وخُلُقِه.. حيث قال الله تعالى للرسول الاعظم (وإنك لعلى خلق عظيم) والرسول يقول: (حسين مني وانا من حسين). وذاك يعني ان امتداد الخلق العظيم في الحسين الى الائمة الاطهار الاثني عشر لذا اننا نمثل فكرا جعله الله عظيما وعلينا ان نكون بمستوى ما قدره الله لنا، فهو مذهب مكتوب على من يحمله ان يكون مشروع استشهاد ومركز احقاد كل الموبقين وغير الموالين لآل البيت.
اننا في تمثيلنا الحقيقي للمذهب نكون قد عكسنا الصورة الحقيقية للتضحية العظيمة التي قام بها الحسين A، فالحسين فكرة إلهية وجدانية جسدها الخالق بصورة أحسن تصويرها بملحمة أزلية علينا ان نتخذ من الحسين السمو الذي تمتع به، والمعيار الحقيقي في نبذ الطاغوت وعدم الذل في سطوة من لا نحب ولا نريد.
إننا يجب ان نتمسك بمعايير ومقاييس تلك الثورة ومبادئها بشكل واعٍ راقي يرقى بتضحية الحسين A لنكن كلنا حسين بما نحمله من وعي وفطرة وتقليد. فلنترجم جنوننا تسامحاً وحباً وتفهماً بأننا أناس ننشد حب الصفوة الحقيقية لله التي خلق السموات والارض والبحار والسحاب وغيرها من أجلها... فليكذب من يريد الحقيقة، ولنثبتها نحن بواقعيتها من خلال تصرفاتنا وما يجب ان نحمله من خُلق آل البيت D، بأنها ثابتة بلا جدال علينا أن نسمو لأن نكون من اتباع آل البيت واتباع إمام العصر والزمان.
فلنكن إذن بالقدر الانساني العقائدي الحسيني بكل ما يعنيه اسم الحسين A فهو ليس اسما فقط إنما هو رسالة سماوية إلهية الى البشرية جمعاء عنوانها (الحسين انا).
لقد أبت الذات الإلهية إلا ان يكون الحسين من يمثلها على الأرض باختصار، فالذين قاموا على الإحاطة بالحسين ورحله أناس اختصهم الله ان يكونوا شاهدي عيان لفاجعة الأكوان ويسهموا فيها بأي شكل سواء بالمشاهدة سواء بطي اللسان أو الخذلان او القتل او المشاركة في الحرق، بكل شيء فقط ليثبت الله قدرته انه أراد لهم ان يكونوا بلا قلب وبلا عيون فطمسها، جعلهم لا يرون سبط الرسول وآل بيته بل يرون الدنيا مقبلة عليهم بحلتها وحلاوتها، وإلا كيف لأناس شهد منهم الرسول والحسين ومنزلته عنده وحديثه عنه، ان تموت قلوبهم وتزغ عن ذكر انه ابن بنت نبيهم الوحيد على سطح الارض..؟
إننا وإذا أردنا بحق أن نتسيد العالم بالسلام علينا ان نتخذ من مصيبة الحسين A مشروعا مكملا لإحداث الفرق بين الحقيقة والضلال وإنه الهدايا الإلهية التي ارتضاها الله للجنس الآدمي بالتضحية بأعظم ذبح على وجه الأرض تعطي ثمارها باستلهام القيم الإنسانية التي تجعلك جديراً بأن تكون من شيعة آل البيت وجديراً بأن تكون مع الحسين A والنهوض مع قائم آل محمد (عليهم الصلاة والسلام) لإتمام الرسالة الإلهية.