الرمز الحسيني الخالد والثورة الحسينية المتجددة
18-09-2019
د.هاشم عبود الموسوي
للأستاذة الأديبة والمترجمة والشاعرة العراقية المغتربة خلود المطلبي أنموذج رائع في مجموعتها الشعرية الموسومة (مزامير تحت سماء لندن) التي تغنت فيها بالرمز الحسيني الخالد والثورة الحسينية المتجددة، وبثت لواعج عشقها الحسيني ليخترق المسافات من سماء بلد الضباب إلى سماوات الحسين A المترعة بالعفة والطهر الزكي.
وقد صدرت المجموعة الشعرية عن (Charleston USA) بطبعتها الأولى في الأول من مايس 2010 باللغتين العربية والإنكليزية في كتاب واحد وتمت طباعتها في لندن بتقديم للباحث والكاتب في الشؤون الإسلامية صالح الطائي وبمقدمة للشاعر عبد الحسين المطلبي.
ومما جاء في التقديم قول الباحث الطائي: (لا جدال بأن الحسين في نهضته كان مشروعاً حضارياً متعدد الجوانب ولذا لم يلم الأولون بحقيقته ولا الآخرون وهذا هو السر المتجدد الذي تتجدد معه رؤى الباحثين في فكر نهضة الحسين فتظهر في كل عاشوراء فيوض من التأملات الحسينية الباهرة التي يقف المرء عندها باندهاش وتعجب وكأنه يراها ويسمعها لأول مرة، مما يدل على أن ينابيع المعرفة في ثورة الحسين لن تجف ولن تنضب وستبقى نهراً مغدقاً بالعطاء والخير ومنارا للإنسانية التي تتلهف لإلقاء نفسها في أتون حب الحسين ونار عشقه، وهي بذلك لا تزداد إلا توهجاً وضياء ولا تشعر إلا بالسعادة والنقاء والطهر.
ومن يرتبط بالحسين ويتفهم بعض عقيدته لا ينال العرفان وحده بل يتسامى ليصبح حسينياً، شعاره دمعة تتفجر على خده كلما سمع اسم الحسين، أو كلمة تصطف نظما رائعا كلما ذكرت ثورة الحسين، أو عملاً رائعاً اقتداء بتضحية الحسين).
كما جاء في مقدمة الشاعر عبد الحسين المطلبي قوله: (ديوان شعر صغير في حجمه كبير في موسيقاه وصوره الشعرية الجميلة، إن الشاعرة ترسل نفسها على سجيتها وكأن الأبيات الرائعة هي التي تنظم نفسها دون تكليف وعناء، فها هي روح الشاعرة الهائمة بحب الحسين A تغادرها إلى أرض ألطف وها هي آهاتها تبحث تسبيح ملاك).
جدير ذكره أن الشاعرة المطلبي أجادت الكتابة في أغلب أغراض الشعر الأخرى ولكنها أفردت هذه المجموعة للشعر الديني الوجداني فقط. حيث ضمت هذه المجموعة الشعرية الحسينية قصائد تترجم حب الشاعرة للإمام الحسين A وشوقها لرؤية قبابه الذهبية فكانت أولاها بعنوان (حين تغادرني الروح إليك) تحدثت فيها عن هجرة روحها عبر الأثير إلى حيث الطف والتاريخ.. إلى حيث ترقد روح الإسلام مذبوحة بيد أبناء الطلقاء:
آهات الروح تغادر عجلى
تبحث عن تسبيح ملاك
عبر مسافات البعد
في أرجاء محيطات الأرض
ومن خلالها كانت تخاطب قلبها العاشق للحسين وتحثه على تحدي العقبات قائلة:
يا هذا القلب العاشق أرض الطف
تسلق أقمار خشوع الليل
حيث ضجيج الحرب الدائرة
قرب ضريح ابن الزهراء
ثم تصف لنا كيف أن دموعها العاصفة بالحزن وروحها الولهانة قد غادرتها إلى حيث جنائن الحسين الخضراء بعد أن تعذر عليها القدوم بجسدها لتلثم ثراها الطاهر:
فالدمع العاصف بالحزن
والممزوج بهجير التوق
قد غادرني إليك...
تغادرني الروح
لجنائنك الخضراء
وبعدها تنساب قصائد العشق المتسامي واحدة في إثر أخرى لتتنقل مثل فراشة جميلة بين حب الرسول الأكرم J وحب علي A وحب الحسين وانتظار القائم f وحب الإمام العباس، بعناوين تشبه الأهازيج المضمخة بالتقوى والعشق السرمدي الخالد لرموز لم يشهد الكون لها مثيلا، وتحمل هذه العناوين وقعاً موسيقياً يتساوق مع مضمون القصائد بشكل كبير حتى لكأنك تفهم معنى القصيدة من خلال عنوانها فهي: (سر البوح.. على مذبح العشق.. ابتهالات هائمة.. تراتيل عاشقة.. توسلات بين يدي سيد الشهداء.. أنبي غير المختار.. حينما تجدل لك الروح مناديلها.. في انتظار المؤمل) ومجموعة أخرى من العناوين التي لا تقل روعة عن سابقاتها.
ثم تنتقل الشاعرة إلى القسم الثاني من مجموعتها الشعرية هذه حيث القصائد التي نظمت في نفس الغرض ولكن باللغة الإنكليزية، وكأن الشاعرة أرادت أن توصل رسالة حبها للحسين وأبي الحسين وجد الحسين وإخوة الحسين وأبناء الحسين لمن لا يجيد قراءة الأدب العربي باللغة العربية، وهي مساهمة على قدر كبير من المسئولية تدل على ثقة عالية بالنفس وبالنتاج الفكري؛ لأن القصائد تخاطب أناساً تختلف مشاربهم وعقائدهم وأذواقهم وحتى معلوماتهم عمن قيلت بحقهم مما يعني أن الشاعرة قد تتعرض للنقد من قبل هؤلاء، وهذا بحد ذاته يدلل على كبر الشجاعة الروحية والعقائدية والأدبية التي تتمتع بها الشاعرة خلود المطلبي.
إن المجموعة الشعرية التي بين يدي تحتاج إلى أكثر من قراءة؛ لكي تتبلور الصور الحقيقية التي أرادت الشاعرة رسمها عن وقائع تاريخية تعرض بعضها للتزييف وحتى المبالغة من قبل المخالفين والمؤيدين.. وهي إضافة جديدة للمكتبة العربية.
وآخر ما أتمناه هو أن تعيد الشاعرة طباعة هذه المجموعة في العراق على وجه التحديد؛ لكي تصل إلى أكبر عدد ممكن من محبي هذا النوع من الشعر ومتابعي هذا النوع من الأدب، وان تشمر عن ساعدها لتجمع نتاجها المتنوع وتصدره بديوان جديد.