(مَنْ كسر ظهر الشرك..؟)

22-08-2019
لجنة المناسبات
كنت أظن أني سأراه فتياً قوياً في كامل قواه، يحمل صفات النصر الموهوم، والقناعات المزيفة، واذا بي أراه ذليلاً لا يقدر أن يقوم على حيل مكسور الهيبة..! أيعقل أنك أنت الشرك بكل ما تملك من صَلَف وغرور..؟ أجابني: ما الذي أبقوه لي جماعة المباهلة من آل بيت نبيكم..؟ قلت: صلى الله عليه وآله.. ثم سألته: وكيف كسرت ظهرك المباهلة والأمور جسام..؟ قال: هل تعرف معنى المباهلة، هي أهم حادثة في تاريخ جميع الديانات، انا فرحت كثيرا حين استفحل الأمر بآل نجران، والمباهلة تعني التضرع والتوجه الى الله ليلعن الكاذبين.
افرحني في البداية وقع الحكاية حين كتب نبي الإسلام كتاباً إلى أسقف نجران (أبي حارثة), يدعو أهلها فيه، قدم سفير رسول نجران وسلّم كتابه المبارك إلى أسقف نجران، فقرأ ذلك الكتاب بعناية ودقة متناهية، ثم شكَّل جماعة للمشاورة وتداول الأمر واتخاذ القرار مكوَّنة من الشخصيات البارزة الدينية وغير الدينية، وكان أحدُ أعضاء هذه المجموعة (شرحبيل) الذي عُرف بعقله ونُبله، وتدبيره وحكمته، فقال في معرض الإجابة عن استشارة الأسقف: قد علمتُ ما وعَد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوّة، فما يؤمِنُك أن يكون هذا الرجلُ؟! ليس لي في النبوة رأي، لو كان أمر من أُمور الدنيا أشرتُ عليك فيه وجَهدتُ لك، رأيت نفسي اكبر واكبر واتعاظم في مثل هذه المواقف التي تزرع فيه التيه..!
قرر المتشاورون أن يبعثوا وفداً إلى المدينة للتباحث مع نبي الإسلام، ودراسة دلائل نبوته، فاختير لهذه المهمة ستون شخصاً من أعلم أهل نجران وأعقلهم، وكان على رأسهم ثلاثة أشخاص من أساقفتهم هم: (أبو حارثة بن علقمة: أسقف نجران الأعظم والممثل الرسمي للكنائس الروميّة في الحجاز، وعبد المسيح: رئيس وفد نجران المعروف بعقله ودهائه، وتدبيره، والأيهم: وكان من ذوي السن ومن الشخصيات المحترمة عند أهل نجران).
عرض نبي الله محمد على وفد نجران وتلا عليهم القرآن، فامتنعوا وقالوا: قد كنّا مُسلمين قبلك .فقال نبي الله: كَذِبتُم، يمنعكم من الإسلام ثلاثٌ: عبادتكم الصليب، وأكلكم لحمَ الخنزير، وزعمُكُم أنّ لله ولداً.
شعرت حينها أن ظهري بدأ ينكسر، القضية أصبحت انا فيها المصير، النبي يقاتل كي يزيل مكانتي عند الناس، وانا الشرك بعظمته أهتز واخاف.!.
قالوا: المسيح هو الله؛ لأنه أحيا الموتى، وأخبر عن الغيوب، وأبرأ من الأدواء كلها، وخلَق من الطين طيراً.
فقال النبي J: هو عبد الله وكلِمته ألقاها إلى مريم، قال أحدُهم: المسيح ابن الله؛ لأنّه لا أبَ له.
سكتَ نبي الله عنهم، وانا انظر بقلق الى مجريات الأمور وبدأت أتصور نهايتي، فنزل الوحيُ:ـ (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
فقال وفد نجران: إنا لا نزدادُ منكَ في أمر صاحبنا إلا تبايُناً، وهذا الأمر الذي لا نقرّه.
نزلت حينها آية المباهلة: (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ).
او تراني كيف كنت ابدو لحظتها، نعم المباهلة تقدر ان تكسر ظهري لو جرت كما اراها، بدأت اقلق والنبي يدعوهم إلى المباهلة، فقبلوا، واتفق الطرفان على أن يقوما بالمباهلة في اليوم اللاحق.
خرج النبي آخذاً بيد علي والحسن والحسين أمامه وفاطمة من خلفهم ع، فأقبل بهم حتى أتى الشجرتين فوقف من بينهما من تحت الكساء على مثل الهيأة التي خرج بها من حجرته، فأرسل إليهما يدعوهما إلى ما دعاه إليه من المباهلة.
فأقبلا إليه فقالا: بمن تباهلنا يا أبا القاسم؟ قال: بخير أهل الأرض وأكرمهم على الله (عز وجل)، بهؤلاء، وأشار لهما إلى علي وفاطمة والحسن والحسين ع، قالا: فما نراك جئت لمباهلتنا بالكبر ولا من الكثر ولا أهل الشارة ممن نرى ممن آمن بك واتبعك، وما نرى ها هنا معك إلا هذا الشاب والمرأة والصبيين، أ فبهؤلاء تباهلنا؟ قال ص: نعم، أو لم أخبركم بذلك آنفاً، نعم بهؤلاء أمرت والذي بعثني بالحق أن أباهلكم. فاصفرّت حينئذٍ ألوانهم وكروا وعادوا، ولم يبق حينها لي عليهم تلك السطوة التي كنت امتلكها، لقد كسرت المباهلة ظهري ولم تبق لي حيل.