(الحلاق الثرثار)

22-08-2019
علي الخباز
كان هناك حراك سياسي استفحل في ستينيات القرن العشرين، حملات كبيرة تنشر الالحاد وتتفلسف فيه وتزرع الشك والريبة، وخاصة عند الشباب الناقص التجربة، وبالمقابل هناك نهضة فكرية ترد هذه الشكوك، وتوضح الكثير من المسائل، فكان الرد عبارة عن مواجهة حوارية مباشرة، مع العلم ان الملحدين كانوا يستثمرون كل مجمع وكل حدث ليفجروا ما لديهم من مخارج ومداخل تؤدي الى الالحاد.
ومن بعض هذه الحكايات التي اعتمرت الذاكرة هي حكاية الحلاق الثرثار، اذ تقول الحكاية أن هناك حلاقاً كان محله في أحد اطراف كربلاء، وقد استطاع هذا الحلاق ان يحشد مجموعة من الشباب وتدور اغلب محاوراتهم عن وجود الله سبحانه تعالى، ويبدو أن الرجل الذي دخل المحل للحلاقة واحد من الذين شكلوا عقبة في قلوب الملحدين لما يملكون من سعة الفكر وسرعة البدهية، ابتدأ الحلاق بإثارة الموضوع فقال:ـ انا لا يمكنني ان اصدق بوجود إله كما يشاع وكما يقال؟
نظر الرجل اليه نظرة ازدراء وقال:ـ وكيف ذلك وما منعك من الايمان به؟ اجابه الحلاق:ـ بمجرد ان تخرج الى الشارع ستدرك حينها الألم وانت تنظر الى المرضى والأطفال المشردة، اذا كان الله موجوداً وهو واسع الرحمة، لماذا هذا الألم والمعاناة في الأرض، لا اتصور..؟ وكيف تريد مني أن أحبّ إلهاً يسمح بمثل هذه الأشياء؟
سكت الرجل ولم يجب على مثل هذا، وفرح هو ومن كان من جماعته يشهد مثل هذه المجادلة المعدة من طرفهم سلفا، فرحوا لكونه سكت وتصوروه عجز عن الإجابة، وبقي صامتاً الى حين انهى حلاقته وخرج ينظر الى الشارع يتمحص ما فيه من دليل يرد به عنجهية وغباء الحلاق، فرأى امامه رجلاً شعره طويل وقذر ولحية مبعثرة ويبدو عليه انه لم يحلق منذ فترة طويلة، فعاد الرجل الى الحلاق وناداه ليرى هذا الرجل، وقال: لا اظن أنه يوجد حلاقون في هذه المدينة؟ فقال الحلاق معترضاً: كيف تقول ذلك وانا هنا امامك..! قال الرجل: لو كان هناك حلاقون لما رأيت مثل الرجل الطويل الشعر..!.
فقال الحلاق: "آه, إن البعض لا يأتون إلي، لذلك يكون منظرهم سيئاً، مثل هذا الرجل لكونه لم يأتِ الي".
فصاح الرجل: "هذه هي النقطة بيننا يا رجل, إن الناس عندما لا يأتون لله يصبحون بهذا الشكل الذي جعلك تقول بأنه لا يوجد إله، لكنه موجود ولا يحتاج منا سوى ان نذهب نحن اليه لنرى اثر ذلك في هذا العالم.. اطرق الحلاق رأسه أرضاً، بلع لسانه وسكت..!