قراءة في كتاب.. (التوحيد) لمؤلفه: سماحة السيد محمد صادق الخرسان (دام عزه)
22-08-2019
لجنة الدراسات والبحوث
التمعن في القراءة تمنحنا قدرة فتح مساحات تأملية واسعة في كتاب البحث، وخاصة البحث الذي يمتلك عمقاً تاريخياً متجذراً في المعنى الإنساني، ومطلاً بقوة على الحاضر من أجل تحصين الوعي.
وكتاب التوحيد لسماحة السيد محمد صادق الخرسان كان عبارة عن رحلة فكرية مع التوحيد في ضوء نهج البلاغة، ليساعد المتلقي العام في توضيح معالم التوحيد، قدم الكتاب أدلة علمية عقلية وتجريبية معتمداً على الآثار الحسية لوجود الخالق تعالى. كانت قراءة سماحة السيد لجوهر التوحيد في افق نهج البلاغة متوافقة مع مخرجات العقل والفطرة والمنطق، ونحن اليوم بأشد الحاجة الى مثل هذه المقاربة، لوجود الموضات الفكرية العارمة والتي أثرت في العقليات البسيطة ممن يدعون الثقافة والعلم، ومثل هذه القراءة قادرة على اجتذاب أولئك الواهمين على الاصغاء لهذا البيان العربي المبين.
أمير المؤمنين علي ع عالج موضوع التوحيد بعمق وعرف تفاصيلها مع الحفاظ على رصانة التعبير، في تكوين جملي متين، وميسرة على الفهم العام، وهذه من أهم ضروريات المرحلة التي نعيش، فهو ع قدم حلولاً تواكب الحدث وتعايش المناخ، فاكتسب حضوراً مؤثراً في المشهد العام، وفيها جوهر النقد بموحيات الدليل العلمي.
ويرى سماحة السيد محمد صادق الخرسان أن الإمام علياًع أجاب جميع علامات الاستفهام التي كانت تحاصر قضايا جوهرية، مثل اصل العالم، وجود الخالق، حرية الإرادة، خلود الروح، وثنائية الجسد والروح، هذا الأمر الفطري المزروع فينا منذ ولادتنا، ولرموزنا التأثير العالي بحيث يشعر فقدهم باضطرابات نفسية.
أؤمن بأن موضوعاً بهذا العمق سيشكل جذرا لمشروع التنمية الفكرية بالبرهنة على التوحيد، وقبل ذلك يتأمل في مورد الامام علي ع في هذا الموضوع الذي رسخ لنا ثقافة التكامل المعرفي في ضوء قراءة متأملة للمشهد ومعطياته، واستنطاق الأدلة وتوظيف الطاقات.
ان المضمون الأساسي في تأليف هذا الكتاب له اكثر من موجهة مثل تسليط الضوء على جوهر تلك الردود التي تشكل فعلاً رادعاً، يعيد تقييم الموروث الالحادي ويعمل على خلخلة ما كتبه الفلاسفة العلماء الذين واجهوا الالحاد بقوة والتركيز على عوالم الانتكاسة الضميرية لبعض الفلاسفة الذين عادوا الى الرشاد واليقين بوجود الله سبحانه تعالى، من اجل تشكيل مرتقى تحصيني للشباب ليعرفوا جوهر المضامين التي اعدت لمثل هذا الموضوع الكبير، استعراض قيم النقيضين يحتاج الى كم مصدري متنوع، والتأمل في مصادر البحث يجعلنا نقف بحجم المعلومات، إذ استخدم (62) مصدرا من ضمنها كتاب الله والدراسات المتعلقة في جوهر القرآن ونهج البلاغة والدراسات المتعلقة في النهج، وبفلسفة التوحيد ورؤية نهج البلاغة لمفهوم التوحيد، تخبط الالحاد في التفسير المادي والقوانين الطبيعية، اذ حاول اصباغ صفة العلم على مؤثثات النهج الانكاري، بينما يرى سماحة السيد الخرسان أن البرهنة والاستدلال على توحيد الخالق تعالى عبر عدة مستويات منها (برهان النظم)، يوجب للعاقل المتأمل ان يقف امام نظم الكون وتناسقها مضمونا وشكلا، فلقد ابتدأ الامام امير المؤمنين ع في رحلته مع المتلقي من مرحلة التفكر (الابصار) مرورا بمرحلة التعقل والتبصرة وصولا الى مرحلة الاستنساخ والبرهان، وهذا المستوى من الاستدلال والبرهان أو حجة التصميم متاح لعموم شرائح المجتمع، التي تنكشف عن حقيقة وقانون ولهذا السبب كان نهج البلاغة عنصرا فعالا وعاملا من عوامل الخلق والتجديد.
وهي دعوة للولوج الى جوهر المعنى، مثلاً لنسأل: هل الصدفة قادرة؟ جميع العلوم الحديثة وما توصلت اليه، بما في ذلك اكتشاف الحمض النووي الذي اوضح التعقيد الشديد غير القابل للتصديق للترتيبات اللازمة لخلق الحياة، وهذا يدل على وجود المصمم العظيم هناك مجموعة كبيرة من العلماء يعتقدون ان الايمان بالله اعتقاد أساسي لا يحتاج الى دليل وهناك من يؤمن من الفلاسفة بأن الاعتقاد بعدم وجود الله خطأ أخلاقي مروع.
ويعد برهان النظم (برهان الصديقيين) يعتمد على منهج الكشف الذاتي، قال امير المؤمنين ع: (اعرفوا الله بالله)، وسأله احدهم: بمَ عرفت ربك؟ أجاب: بما عرفني بنفسه.
والدليل العقلي هو المستوى الثالث، فلقد دعا سبحانه تعالى الى نظرة تأمل في هذا النظام الكوني، والتفكر في خلق السماوات والأرض، وقال الامام امير المؤمنين A: (لو كان لربك شريك لأتتك رسله ولرأيت آثار ملكه وسلطانه)، لقد اثبت A التوحيد من خلال نفي الشريك.
سعى سماحة السيد المؤلف ان يعطي للوعي سماته المعرفية في خلق تحصين انساني يحافظ على تماسك المجتمع ضد موجات الالحاد الطالعة باسم العلم او بما يسمى تقدما، والتوحيد بمعناه هو اثبات صانع واحد موحد للعالم، ونفي ما عداه، وقد قسم سماحته التوحيد الى مراتب، فهناك التوحيد في الذات هو الاعتقاد بأن الله تعالى واحد ذات لا شريك له، وقد وضح لنا امير المؤمنين هذه الحقيقة في كثير من احاديثه، مثل (الاحد بلا تأويل عدد) أو قوله (واحد لا يعد) او نقرأ في نهج البلاغة حكمته (من وصفه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، ومن عدّه ابطل ازله).
وهناك التوحيد في الأفعال (الاثار) الاعتقاد بأن الله تعالى وحده خالق العباد ورازقهم، هناك قول مهم ركز سماحة السيد المؤلف عليه ليوضح لنا معناه: (ان القول بوجود الاله، ليس بديلا عن الصدفة، وهناك التوحيد في العيادة يقول امير المؤمنين ع: (اعلموا ان يسير الرياء شرك) فيكون استحقاقه للعبادة بدلالة البراهين العقلية والدلائل المبثوثة في الافاق بما يكشف عن حلمه وتدبيره، والتوحيد في الحكم والحاكمية. يرى سماحة السيد ان الاعتقاد بأن لله تعالى وحده تشريع الاحكام وتنقيتها، اذ له الحق في ذلك، والولاية بالذات على جميع المخلوقات؛ لأنه خالقها ومدبرها والا فلا ولاية لأحد على غيره الا بجعل منه تعالى، مما يعزز حكم العقل بضرورة تدبير أمور المجتمع وإقامة نظام يؤمن مصالح الناس جميعا؛ لأن استباب الأمن مقدم عقلاً على حدوث الفتنة والهرج والمرج، فولاية الحكم والحاكمية لله تعالى أولاً، ثم يجعلها سبحانه لغيره، وهناك التوحيد في الطاعة، الاعتقاد بأن الله سبحانه تعالى مستحق للطاعة؛ لكونه الحاكم الولي، فتنكشف مخالفة العاصي عند عدم اخلاص توحيده لله تعالى في الحكم، قال الامام الصادق ع: (خف الله كأنك تراه، وان كنت لا تراه فانه يراك، فإن كنت ترى انه لا يراك فقد كفرت)، هذه النظم الفكرية تتواءم مع كل فكر سليم؛ كونه مرتكزات ثقافة وعلم وايمان، فقد افترقت وحدة الله تعالى عن وحدة العدد، واحد لا يفترض له ثان، ولا يتكرر وجوده.
وكان اهتمام امير المؤمنين A بدلالة مختلف الشرائح على التوحيد لوجود بديهيات العقل، ان الدين رؤية كونية وان فلسفة واقعية ومنظومة اخلاق إنسانية له أصول ومبادئ عقلية.
إن موضوعة التوحيد من موضوعات المعرفة الفاعلة؛ كونها ذات حيوية متجددة في الحياة، ولقد قدم سماحة السيد محمد صادق الخرسان بحث التوحيد بما يتناسب مع عقيدة ومنهج فكري حياتي لهذا كان اختيار نهج البلاغة كمصدر أساس للبحث هو خطوة معرفية تكللت بالخير والنجاة.. مبارك لسماحة السيد هذا الكتاب النابع من ادراك المرتكز الثقافي المؤمن وعلى بركة الله تعالى.