قصة الصحفي مع المقاتل الشاب مؤيد

17-08-2019
لجنة التدوين القصصي
منذ تلك اللحظة، أيقنت أن النصر سيكون حليفنا... ذات يوم من الأيام، وفي المعارك التي خاضها الحشد المقدس مع خفافيش الظلام التي لا تخلو من قصص الشجاعة والبطولات لأبناء العراق الغيارى، الذين جعلوا العراق ينصت.. وهم يتكلمون بالنصر المؤزر... اقترب احد الإعلاميين من المقاتل مؤيد... وكان حافي القدمين في إحدى معارك حزام بغداد، حيث كانت منطقة ميتة، كل شيء فيها مهجور ومخيف حتى معامل الحصى والعجلات متروكة، وأعمدة أسلاك الكهرباء متساقطة.
وقبل أن يصل إليه قال له: ليس لديّ الوقت الكافي لأجري مقابلة معك، لكن ما أريد قوله.. أنا من جنوب العراق حيث التاريخ المشرف والمواقف البطولية من أبنائه.. الذين لا يساومون ولا يهادنون في مواجهة العدو على مر التاريخ المطرز بالبطولات، وهذه بندقية جدّي أقاتل بها أعداء الله سبحانه وتعالى.
وفي تلك الدروب الترابية التي تتفرع من عدة زوايا، جلس الإعلامي إلى جانب المقاتل مؤيد الذي لم يخط شاربه بعد، والبندقية تبدو كبيرة بيده، وكان الجلوس على مكان أشبه بالتل الترابي لطريقٍ يتصل بمناطق الدواعش تم قطعه بالتراب.
بدأ المقاتل مؤيد يشعر بالبرد، حيث لا يرتدي الملابس التي تكسيه من البرد القارس، ولا حذاء يحميه من برودة الأرض على الرغم من أصابته بمرض الروماتيزم..! أمسك الصحفي قدمه وأراد أن يقيسها بيده لعلها تأتي على قياسه فيعطيه حذاءه.
قال مؤيد: أقسم بروح أبي لن آخذها منك، بعد قليل سأضع قطعة قماش على قدمَيّ، وإن شاء الله سأشعر بالدفء.
فشلت كل محاولات الإعلامي في إقناعه وهو يخط بأصابعه على الأرض ما يجول في خاطره وهو يقول: لديّ ماكينة حراثة (كاروبة) أعمل عليها في حراثة الأرض وأنقل فيها الزرع فهي مصدر رزقي وأهلي، وعند دخول إرهاب داعش إلى العراق وارتكابه أبشع الجرائم ضد الإنسانية، بدأت تخالجني أفكار مختلفة العناوين عما سيحدث لبلدي من خراب وتدمير، حتى رأيت في عالم الرؤيا بأن ماكينة الحراثة الخاصة بي قد استولى عليها داعش الإرهابي ومعهم أبناء منطقتي، وهم يجولون بهم ويصيحون للبيع مجاناً..!
استيقظ مؤيد من المنام وبعد برهة من الوقت حدّث جدّه بما رآه... شعر جده بالخطر المحدق على الشعب العراقي وما ستؤول إليه الأمور في المستقبل القريب، فأعطاه البندقية خاصته، وأعطته أمّه وزرة والده المتوفى، وقال له: لزم عليك قتال الذين جاءوا من إفرازات التاريخ المظلم.
توقفت الكلمات في فم الصحفي، وأحس بعطش شديد رغم برودة الجو من هذا الصبي الذي ترك أهله و(كاروبته) ونسي مرضه وجاء للساتر في ارض موحشة.
أخرج المقاتل من جيبه كيسا صغيرا من التمر، ووضعه أمام الصحفي، وجلسا يأكلان معاً.. قال مؤيد للإعلامي: رأيت بيدك دفتراً.. إذن دوّن ما سأقوله لك: أنا في الصف الخامس أدبي، وأحببت فتاة من منطقتي لكن والدها رفض أن يزوجني إيّاها؛ لأني مريض وفقير.. وبقيت أحبّها... وفي يوم التحاقي هذا، أوصيت والدتي إليها أن تبرئني الذمة، وفعلاً ذهبت والدته إليها، وحكت لها، فقالت الفتاة: رأيت ابنك في عالم الرؤيا عريساً وزوجته فتاة أخرى، وهو مبرئ الذمّة.
لا اعلم لماذا بكى مؤيد رغم انه كان يتكلم ويضحك ويأكل التمر، لكنه بكى بحرقة شديدة ثم قال: توفيت الفتاة إثر صعقةٍ كهربائية، ولم أتمكّن من الحضور في جنازتها... تعرضنا إلى هجوم بالمفخخات ولم اذهب إلى هناك.
سلّم الإعلامي على المقاتل مؤيد وودعه، وبعد أربعة أشهر حضرَ احتفالاً لتأبين الشهداء في إحدى المناطق الجنوبية، ومن بين صور الشهداء، كانت صورة البطل المقاتل عباس وهو يبتسم وبيده بندقية جدّه ووزرة أبيه، لكن في الصورة كان حافي القدمين.
يقول الصحفي: لو كنت أملك ما يعينني على ذلك لعملت من هذه القصة فيلماً سينمائياً يحكي قصة وطن خذلته الدول، وهوى إلى الأرض، وانتشلته ثلة عجزت وعقمت نساء الأرض أن يلدن مثلهم وبتضحياتهم.