الايمان القوة الكامنة
17-08-2019
حنان الزيرجاوي
إذا استقر الإيمان ووصل درجة الكمال، يصبح ثابتاً في القلب لا يزول أو يضعف، ويعد برهاناً يقينياً للعمل والتغيير والرقي، فالإيمان لا يمكن إدراكه بالحواس فليس هو عضواً في الجسم بحيث يمكن لمسه أو الإشارة إليه حتى..! بل هو أمر معنوي يدركه صاحب القلب السليم، يدور في بوتقة النفس ليمنحها الإرادة والقوة والعزيمة والصلابة .
إن عظمة النفس تكون من خلال العلاقة بالله سبحانه وتعالى عبر الإيمان والعمل بمناهج الإسلام، وهذه العظمة تمنح صاحبها القدرة على التغيير، ولو لم يمتلك الإنسان القدرة على التغيير، لما ركز الله سبحانه على هذه المسألة بالذات، فلا يمكن التغيير الحقيقي الا بالمعرفة والحركة المنسجمة مع المعرفة وبأدوات صحيحة.
التغيير يحتاج إلى المبادرة وإلى خطوة يتقدم بها الفرد نحو مسار التغيير حِينَئِذٍ يتحقق التغيير .
كل إنسان يتمتع بقوى كامنة في داخله متعددة الجوانب، تميزه عن غيره من البشر، قوةٌ تنبض بالحياة، وتشعُّ بالنور، وعليه استثمار هذه القوة الداخلية وتوجيها بشكل صحيح، لتمده بالطاقة لمواصلة طريق التغيير والنجاح للوصول الى الهدف الذي من أجله خلقه الله، وإخراج أفضل ما لديه من إبداعاتٍ ومواهب كامنةٍ تنتظر من يكتشفها.
لذلك فمن الخطأ أن يعيش الانسان على نمط واحد من التفكير في الحياة الى أن يموت ويخرج من هذه الدنيا، وهو المخلوق العجيب الذي خلقه الله تعالى؛ لأن الله تعالى قد وهب للإنسان العقل وهو يستطيع أن يتحرك؛ لكي يكتشف غوامض وأسرار الوجود بل هو يصبح من أسرار الوجود ويكون كما في الحديث القدسي: (عبدي أطعني تكن مثلي...).
فالإنسان المؤمن القوي هو مشعل وضّاء في كل مكان، فهو ذو فائدة وأعظم درجةً وأرفع قدراً عند الله تعالى،كما جاء في قوله تعالى: "وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ"(1).
إنّ التغيير يعد استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى، عندما دعا المؤمنين إلى الاجتهاد والعمل، لكي يكونوا بمراتب عالية ولا يكونوا عالة على غيرهم، وأنّ الله سبحانه وتعالى سيجازيهم على عملهم هذا يوم القيامة، قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(2).
إن التغيير يبدأ من الفرد نفسه فهو الأساس في مرحلة التغيير، ثم يأتي بعد ذلك نهوضه لتغيير المجتمع الذي يعيش فيه، فالإنسان يحتاج إلى إرادة قوية ويحتاج إلى عزم وتصميم على التغيير، وأن يربي نفسه على العزم والتصميم على أن يغير مساره .
إن النفس إذا كانت عظيمة فإنها ستصبح قادرة على تغيير ذاتها وتغيير الآخرين، لاسيما إذا كانت تستمد عناصر عظمتها من الله سبحانه وتعالى، فإذا عظم الله في الإنسان صغر ما دونه في عينه على حد تعبير أمير المؤمنين A فعمل مثل هذا الإنسان عظيم؛ لأن المصدر عظيم.
وقد نسب إلى الإمام عليA:
دَواؤُكَ فيكَ وَمــــــــا تُبصِرُ
وَدَاؤُكَ مِنكَ وَمـــــــــا تَشعُرُ.
أَتَزعُمُ أَنَّـــــــــكَ جُرمٌ صَغير
وَفيكَ اِنطَوى العالَمُ الأَكبَرُ.
فَأَنتَ الكِتــــــابُ المُبينُ الذي
بِأَحرُفِهِ يَظهَرُ المُضَمَرُ(3).
المفروض بهذا الإنسان أن يصل بفكره إلى أعماق هذا الكون والوجود ليكتشف غوامضه وأسراره... ليصل إلى ما أراده الله تعالى من خلقه، ولا يبقى عديم الحركة وينتظر تغيير الكون وأنظمة الحياة لأجله من دون أن يحرك ساكناً..!
إذن، الحل ينبع من النفس ومن مناهج الله سبحانه، فالإنسان يمتلك القدرة على تغيير نفسه وعلى تغيير محيطه، مثلما استطاع رسول الله J أن يقيم المجتمع الإسلامي في المدينة التي كانت قلعة للشرك، وأن يدخل نور الإسلام إلى كل بيت، وبذلك أقام مجتمعاً نظيفاً كأنما صنع فيه الإنسان صناعة جديدة.
إن الإنسان لن يكون له وجود وحضور إلا إذا كانت له مناهج تحترم إنسانيته، وليس ما يحترم إنسانيته كالمناهج الإلهية، لذلك نرى الآن المجتمعات الحضارية تعاني من عدم إيجاد الحلول المناسبة لكثير من المشاكل التي تواجها البشرية، في حين نجد الإسلام جاهزاً لحلها لو عمل بمناهجه وأخذ بحلوله، لذلك نجد الإسلام يقدم العلاج الكافي لحل جميع مشاكل الإنسان، وذلك من خلال انطلاق علاقة الإنسان بنفسه وعلاقته بربه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة مريم: الآية: ٣١.
(2) سورة التوبة: آية: 105.
(3) نهج البلاغة.