محاورة مع كتاب.. (اتجاه الدين في مناحي الحياة) لسماحة السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه) القسم 17
17-08-2019
علي الخباز
- ما هو المطلوب من الانسان اتجاه ولاية الله سبحانه تعالى؟
الكتاب:ـ إن من شأن الانسان ان يعي بأن الله سبحانه القيّم عليه، كما هو قيّم على الكون والكائنات كلها، فهو سبحانه المربي للانسان، ناظر اليه مطلع على احواله وهواجسه المستجيب لها، يجري كل اموره بمحضر منه ونظره، كما يجد الانسان بعض الشيء من الوالدين اتجاه الاولاد: (أمّن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء)، وهذا باب آخر للنشاط الروحي المشروع يفتح للإنسان آفاقه للتأدب والتوسل والتفكر والحديث مع الله سبحانه تعالى.
مشاعر الحمد لله تعالى، لاشك ايضا وفق الرؤية الدينية، ان من شأن الانسان بحسب طبيعة ما غرز فيه من المشاعر والتذوق والاحساس، ان يتبع ادراكه للحقيقة المتقدمة بمشاعر الحمد والثناء والتمجيد، ان الانسان بطبيعته وفطرته يعجب بالكمال والعلم والقدرة ويشعر اتجاه هذه الصفات بالاحترام، والآداب يذكر بالثناء الجميل والاشادة، هذه المشاعر في الانسان اتجاه الله سبحانه تعالى، تدل على نبل وسلامة وحيوية وسعة افق، ان كلمات الانبياء والاوصياء مليئة بالحمد والثناء لله سبحانه، كما يتمثل ذلك في كلمات اهل بيت النبي J.
مشاعر شكر الله تعالى، بما تحتوي عليه من الضمير ان يكون مليئا بالشكر، والامتنان لله سبحانه فيما انعم عليه من نعمة الخلق وشاكرا له، ان الشعور بالشكر اتجاه الجميل من اروع المشاعر الانسانية واجملها وألصقها بطبيعة الانسان، والشكر هو مدخل الوجوب، معرفة الله سبحانه والاذعان موجبا لنمو النعمة والبركة فيها،
وجاء في كلمات الامام علي A في وصف المتقين: (يمسي وهمّه الشكر، ويصبح وهمّه الذكر).
إن المحبة للإنسان لها اسباب عديدة، لما فيها من صفات جميلة ورائعة، ومنها احسان ذلك الى الانسان وانعامه عليه، ومنها انس الانسان ومعايشته له، ومنها حاجة الانسان للشيء وافتقاره اليه، فهو صاحب هذا الكون ومبدعه، وخالق الانسان والمتفضل عليه وهو انيس الانسان.
وبذكره عند الاضطرار والضعف وهو موضع حاجة في كل الاحوال كلها، فمن ادرك الله سبحانه بما له من الصفات الرائعة والجميل وقدرته وعظمته وعنايته.
ان الادب هو لياقات التواصل بين الانسان وبين غيره ممن يتصف بالتعقل والادراك، وهو جزء مهم من السلوك الانساني للانسان، وتعامل الانسان مع الله سبحانه، وآداب لائقة مع عظمته وعظمة اثاره وبحقه على الانسان في كل سلوك انساني ذي دلالة ادبية، تجاه سبحانه وتعالى، ان معرفة الله والتأدب معه والتواضع امامه أهم الآداب واللياقات التي يرعاها الانسان على الاطلاق نظرا لموقع الله سبحانه بالنسبة اليه، ولموقعه هو اتجاهه تعالى.
ولا يختص الادب والدلالات الادبية بالسلوك الظاهري للإنسان اتجاه سبحانه، بل يشمل السلوك القلبي من خلال الخواطر والهواجس والعزائم والاعتقادات؛ لأن داخل الانسان صفحة مكشوفة امام الله سبحانه تعالى.
ان الانسان قد لا يستطيع الايفاء بمقتضيات الادب والشكر مع الله سبحانه تعالى، بما يليق به، الانسان بين يدي الله سبحانه يكاد يكون يشبه الطفل بين يدي الكبار، حيث لا ينفك تصدر منه تصرفات معيبة؛ لأنه لا يستطيع ان يرتقي الى مستوى الكبار، فالانتباه الى المعاني النبيلة ومقتضياتها، والاولياء لايزالون يتصاغرون ويتواضعون امام الخالق سبحانه ويرون اعمالهم قاصرة باللياقة بمقامه، ان الله سبحانه لا يحتاج الى ادب الانسان وشكره له وطاعة امره.
- هل ثمة حدود لتلك الآداب؟
الكتاب:ـ لقد اختار الدين للأدب مع الله سبحانه قولا وفعلا الآداب اللائقة والملائمة مع فطرة الله سبحانه تعالى، فمنها آداب قولية مثل: التسبيح والتحميد والتكبير والشكر ونحوها وآداب أخرى فعلية يمتزج بعضها بالأقوال: كالصلاة والصوم والاعتكاف والحج، كما حظر الابتداع في الاداب، حتى يكون للناس كلها اداب جامعة، ولا تتعدد الطرق والجماعات بتعدد الاداب ولا يكون موضوع الأدب مظنة للاخلاق والاختلاف، ولا يتأتى لأصحاب الأنانيات وضع آداب وأعمال جديدة لتكون بصمة لهم على السلوك الديني، وهذا امر غير راشد وحكيم، يتضح الخطأ في جملة من الاساليب المبتدعة في بعض ما ينسب الى التصوف أو العرفان من حيث انشاء أساليب جديدة في كيفها او كمّها لم تؤثر في النصوص الموثوقة، وقد أدى ذلك الى وجود طرق متعددة على كل واحد بصمة من رجال سلكوها وعلموها لتلامذتهم وهذا خطأ كبير.
- وكيف ترى مشاعر الحياء من الله تعالى؟
الكتاب:ـ إن الحياء شعور الانسان بالحزازة والضيق من اطلاع الغير على احد امرين:
الأول: ما لا محذور في وجوده أو صدوره من الانسان، ولكن ينبغي ستره من اطلاع الاخرين.
الثاني: ما لا ينبغي صدوره من الانسان لمكان قبحه، فان استحياء الانسان من ارتكاب القبيح امام الاخرين صفة نبيلة، واحترام الجو العام وصيانته عن الجهر بالأمور المنكرة والقبيحة، متى كان ومتى ما كان الحياء باعثا لترك العمل القبيح تماما او التقليل منه يعود بالخير الى صاحبه.
ومن المشاعر النبيلة للإنسان اتجاه الله سبحانه تعالى هو الشعور بالحياء منه في ارتكاب القبيح في محضره تعالى، ان للصحبة والمعية ظلالا عديدة على النفس الإنسانية، فالإنسان عندما يكون مع الاخرين في مكان واحد يستأنس بهم ويسر بوجودهم، وهو مع ذلك يتصف بالاحتشام والوقار معهم.
وان الله سبحانه تعالى لهو مع الانسان في جميع احواله، كما هو مع سائر الكائنات لا يفارقه ولا يحتجب عنه، فمن اتخذ الله سبحانه أنيساً، كان سد فراغ في نفسه وحياته بالاستحباب، رب كريم وساتر ورفيق، وان من الحاجات النفسية والروحية للإنسان هو البحث عن رضا الله سبحانه عن الانسان وكرامته عنده وهذه جهة مهمة لذاتها بغض النظر عن الرهبة والرغبة؛ لأن الله سبحانه هو صاحب هذا المشهد الكوني كله ومبدعه وهو خالق الانسان وموجده، ومن ثم فإن فطرة الانسان بعد التفاته الى وجود الخالق سبحانه ونسبته اليه، ان يكون الخالق راضياً عنه وينظر اليه والى باطنه وسلوكه وافعاله بعين الرضا والتقدير والتكريم، وهذا الامر أيضاً باب من أبواب النشاط الروحي السليم للإنسان مع الله سبحانه.
ان الله سبحانه هو القيم على هذه الحياة والكون والاشياء كلها جنوده وعواقب الأمور صائرة اليه وخزائن الأشياء كلها عنده والانسان كسائر الكائنات محتاج الى الله سبحانه في كل ما عنده وفي كل ما يرجو او يحذره في العاجل والآجل، ومن ثم تتوجه رغبات الانسان وحذره في مجاميع اموره كلها الى الله سبحانه، فالإنسان تجاه الله سبحانه اشبه بالطفل تجاه ابويه، كالتلاميذ تجاه الأستاذ والموظفين تجاه المدير، ولكن في نفس الحال، فان ذكر رحمة الله سبحانه وعطفه ورأفته بالناس يثير في النفس السكينة والاطمئنان.