من أروقة الحياة..

03-08-2019
هاشم الصفار
الثراء:
ما أجمل أن يشعر الانسان بالثراء الروحي والفكري والثقافي والمادي والمعنوي، الثراء في كل شيء، فهو ليس حصريا بالطبقة الغنية فقط، فكم من أناس تصادفهم في حياتك عندهم حالة من الثراء والغنى في النفس لا يمتلكها ربما أغنياء العالم..!





كيف استطاع هؤلاء الوصول لأعلى مراتب الثراء؟ والجواب ببساطة: من السماء..! فهم قد اتصلوا بالرب مصدر العطاء، وقد أغناهم عن الحاجة للمخلوقين، فاكتسوا حلة الثراء في القول والفعل، في النفس والروح، (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ..).
والشعور بالفقر وسوء الحظ هو من ضعف الارادة، والقنوط، وقلة اليقين.. أنت غني جداً بما وهبك الله تعالى.. فقط تأمل وعدّد نعمه سبحانه...!
شهادة في الأخلاق:
الحياة مدرسة كبيرة، تمنحك الكثير، وتعلمك طرائق واساليب العيش الهانئ الرغيد، وحين لا تعلم كما يجب تسقط في مطبات كثيرة، وتظل تعاني وتعاني ليس بسبب القدر بل بسببك أنت لأنك لم تعِ تلك الدروس الحياتية، فكيف لها أن تزودك بشهادة ترقية لمرحلة أعلى وأسمى..؟!
تجارب الحياة لا تمنحك شهادة في الطيب والكيمياء، بل تمنحك شهادة في الأخلاق والسلوكيات وسبل التعايش السليم مع الناس في مفاصل الحياة شتى، وهذا ما نلمسه عملياً في واقعنا المعاش في الشارع والباص والمحلات والأسواق والمؤسسات، كيف أن الشهادة الأخلاقية لها الكلمة العليا في استقرار البلد، وتعزيز روح المواطَنة الحقة، وارساء الأمان.

ضع حدّاً لمعاناتك:
برمجة الجسد والحواس بيدك، أنت الموجه لطاقتك، بإمكانك أن تبدأ من جديد في كل مرة، في كل يوم، في كل لحظة، وقد تسمع وتشاهد وتقرأ نصائح عدة من أطباء وعلماء ومدربي تنمية حول أنجع الطرق لتحقيق التوازن، وشعور الفرد بالسعادة والسلام الداخلي والتصالح مع الذات.
وائمتنا D وعلماء الأخلاق على مر التاريخ كانت لهم اليد النقية في ارشاد الساعين لملاذ آمن، والشعور بالرضا والاطمئنان النفسي، ولكن الكلمة الفصل تبقى للإنسان نفسه، هو من يقرر دائما متى يبدأ ومن أين.؟ هو من يضع حدا لمعاناته، من خلال اختيار ما يتوافق مع قابلياته الذهنية والجسمانية، قال تعالى: (بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ).
لا تنهَ عن خُلقٍ..!
تردد هذا البيت كثيراً على ألسنة الناس:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك اذا فعلت عظيم
وهو يدعو الى أن ينظر الانسان لنفسه أولاً يقوّمها، ويهذب سلوكها، والعمل على تنقيتها واستقامتها قبل أن يدعو الناس للصلاح والهداية..!
وهو أمر بحد ذاته منطقي وسليم، ولكن حين يلج حيز التنفيذ العملي في المجتمع، فإنه يتلاشى تدريجياً، فلا يوجد إنسان معصوم من الخطأ، والجميع معرضون لارتكاب الذنوب، واتباع شهوات النفس الأمّارة بالسوء، ولكن البشر مع ذلك يستمرون في وعظ بعضهم بعضا، فهناك من لا يوفق للإقلاع عن ذنب ما، أو عادة سيئة، ولكنه يأمل أن الآخرين –وخاصة أبناءه والمقربين منه- ربما يسمعون قوله فيهتدون..!
وهناك أيضاً شريحة واسعة من الآباء والمربين والتربويين ورجال الوعظ والارشاد عندهم أخطاء وذنوب وعادت غير محمودة استحوذت عليهم منذ الصغر، وعبر مراحل الشباب، وهم في جهاد نفسي للتخلص منها، ومع ذلك ما الضير من الاستمرار بالإرشاد، وبيان مضار هذا الذنب أو تلك العادة السيئة..؟ بل بالعكس ترى المُبتلى بها يعرف خبايا مضارها ومفاسدها أكثر من غيره..! ولو امتنع الناس عن إبداء النصح، والنهي عن القبائح، بحجة أنهم لا يخلون منها، لتلاشى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر تدريجياً..! لذا يجب أن تستمر سلسلة ومضمار الوعظ، وحث الناس على فعل الخيرات، واجتناب المنكرات، قال تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ) البقرة: 251. وقال تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ الناسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا) الحج: 40.