ابتسامة بريئة في وجه قاتله..!

03-08-2019
حنان الزيرجاوي
لفت نظري وأنا أقلّب صفحات كتاب قديم، وجدته قرب مكان رمي القمامة..
نعم لفت نظري صورة طفل، مبتسم ابتسامة بريئة، وامامه طابور طويل من الأطفال، قد أحاط بهم رجال يرتدون البزة العسكرية،
فأطلت النظر طويلا لهذه الصورة، وفي داخلي الف سؤال وسؤال...
يا هل ترى ماذا ينتظر هؤلاء الأطفال في هذا الصف الطويل؟
بل لماذا لا أرى امهاتهم معهم؟
هل جميعهم يتامى؟
ماذا سيوزع عليهم من حلوى او هدايا؟
وماذا... وماذا... وماذا..؟
وانا مستغرقة بالتفكير والتساؤلات، اطلّ أبي برأسه من باب الغرفة وناداني باسمي فلم أجبه..!
نادى ثانيا وثالثا فانتبهت لصوته، وقلت: نعم... نعم... ابي
ابتسم تلك الابتسامة التي يشعرني بها بحنانه وعطفه وبادرني متسائلا :
بنيتي.. أراك مشغولة البال مشوشة الفكر هل هناك شيء في الأفق؟
لقد ذهب بعيداً في أفكاره وهو يعرفني حق المعرفة اني لا أخفي شيئا في حياتي عنه.
هكذا علمنا وهكذا سارت حياتنا...
ابتسمت بوجهه وقلت له: هل يسرك ذلك؟
قهقه قهقهة خفيفة، وغمز لي بعينه وهو يقول: لا أظن ذلك...
:ـ لِمَ يا أبي..؟
:ـ بل أقول يقينا ليس هناك شيء مثل ذلك...
فبادرته:ـ ومن أين لك كل هذه الثقة؟
أجابني مبتسما:ـ لأنكِ ابنتي...
فدنوت منه وقلت له:ـ
أبي... أبي ...
لقد شغلتني هذه الصورة كثيرا، وذكرت له ما دار في نفسي من الأسئلة.
مسكني من يدي واجلسني إلى جنبه على أريكة اعتاد الجلوس عليها، وقد بان على وجهه حزن شديد وبدت تنهداته تسمع من مكان.
ابنتي... حبيبتي... هذا طفل مع قاتله.
بل قولي اطفال مع قاتليهم.
هنا أصابتني رعدة في جسدي .
وانا اقول لأبي:ـ مع قاتله..!
نعم يا بنتي... نعم
انظري إلى هذه الصورة ولا تغرك ابتسامة هذا الطفل او ذاك؛ لأنهم اطفال لا يعلمون شيئا.
كان هذا في زمن طاغية العصر إبان حكم البعث وهؤلاء جلاوزة المقبور اللعين كانوا يسوقون الناس رجالا ونساءً، واطفالا يفرقون العائلة الواحدة يأخذون الرجال إلى جانب والنساء إلى جانب، والاطفال إلى جانب، ويدفنون تلك الاجساد وهم أحياء.
هنا لم أتمالك نفسي من البكاء وانا غير مصدقة ما اسمع.
أحد الجلادين يروي وهو يتفاخر بفعلته الشنيعة..
ولعله واحد من هؤلاء الذين في الصورة..
يقول:ـ عندما جمعنا الأطفال ووضعناهم في صف طويل سأل أحدهم:
عمو... عمو ...
ماذا ستوزعون علينا..؟
وآخر يقول له: عمو اني عطشان.
وثالث يطلب الطعام..
يقول هذا الجلاد: فكان أحدهم يبتسم في وجهي، وودت أن اكسر أسنانه التي بدت عند الابتسامة .
فيسرد ما جرى بكل تفاخر..
حفرنا حفرة كبيرة وجئنا بهؤلاء الأطفال ووضعناهم في تلك الحفرة وبعضهم يبتسم في وجوهنا وهم يقولون: اي لعبة سنلعبها هنا؟
انه زمان وئد جديد يا بنيتي .
فبدؤوا بدفن تلك الاجساد الغضة الطرية ومازال فيهم من يبتسم بوجه قاتله..!.