أحلام تلاشت وسط الركام
03-08-2019
عبد اللطيف الشميساوي
أحلام يقظة...
بل أمنيات وامنيات...
كان يهزها الشوق والحنين لبلد لم تره منذ أن ولدت على هذه الأرض، وأبصرت نور هذه الدنيا الغرور.
كانت تستيقظ كل صباح لتنظر إلى خارطة علقتها بغرفتها لتشير باصبعها الطري إلى مكان يهفو قلبها إليه وتنظر إلى وجه امها بابتسامة تفصح عن بَرَدٍ يكاد يذيبهُ لهيب حسراتها ...
أمي... أمي...
انظري...
هذا وطني ...
هذا عراق الخير والإباء والشموخ
ثم تأتي لتلتف بحضن امها الدافئ، وبتغنج بنت تعرف كيف تحرك مشاعر أمها، تخاطبها:
امي ...
متى... متى... نسافر لأرى موطني؟
أرى مرقد إمامي الحسين A
فشوقي لمرقده لا يوصف بكلمات ..
فكثيرا ما اغبط الآخرين وأنا اراهم يلثمون شباكه الطاهر..
ويسيرون إليه شوقا على الأقدام..
متى اشم ذلك العطر الذي لا يباع في الأسواق..
امي...
متى أرى دجلة والفرات؟
متى أرى نخلة بلادي الباسقة لأتذوق حلاوة ثمارها وأرى الاعذاق المتدلية؟
ثم تترقرق دمعة في عينيها لتحنو الأم على طفلتها، وتمسح تلك الدموع الحارقات بقبلة منها.
هذا حال طفلتنا رقية كل صباح.
ومما جعلها على هذا الحال حديث أبيها لها عن الوطن.. عن الاهل.. عن الطيبة والاخلاق...
فازداد شوقها وحنينها..
وفي ليلة شتاء باردة، عاد الأب إلى المنزل، وبمجرد أن دخل نادى بأعلى صوته:
رقية... رقية... رقية ...
اين انت حبيبتي..
جاءت مسرعة لترتمي بأحضانه وترسم قبلتها المعتادة عليه..
عزيزتي..
عزيزتي..
غدا سنسافر..
ابي... ابي..
إلى أين؟
امسك يدها الرقيقة ودخل غرفتها ووقف إلى جنب تلك الخارطة المعلقة وقال: نحن هنا الآن، وأشار إلى البلد الذي هم فيه، سنستقل الطائرة لتحملنا فوق الغيوم، وتسير بنا على هذا المسار وهو يمسك باصبعها الطري ونسير... ونسير... حتى نصل إلى هنا ووضع اصبعها مكان العراق على الخارطة.
أدارت وجهها وهي مبتسمة نحو ابيها:
ابي... ابي... احقا ما تقول؟
وهل مزحت معك يوما كذبا؟
اخبرتك بشيء خلاف الحقيقة؟
لا ... يا أبي
ولكن من فرحتي لم أتمالك نفسي.
لتصل إلى أرض الوطن وهي تجر ابيها من يده ابي... ابي ...
اسرع هيا... هيا..
واخيرا تحققت أحلامي...
آه... آه... ما اسعدني
ولكن هذه الفرحة وتحقيق الأحلام قتلتها سيارة مفخخة على جانب الطريق انفجرت لتحرق وتمزق جسد رقية الرقيق ومن معها.