الاسراف والتبذير
02-08-2019
الأستاذ كامل حسين الجنابي
معنى الاسراف والتبذير:
ذكر اللغويون معاني عدة للإسراف:
1- الاسراف: مجاوزة القصد – والقصد هو الحد الوسط – أو التوسط بين طرفي الافراط والتفريط، والتوسط بين الاسراف والتقتير.
2- الاسراف: تعدي الحد، والحد: الاستواء والوسط، أي بين التقتير والاسراف.
3- الاسراف: نقيض الاقتصاد، وضد القصد، والاقتصاد: التوسط في الأمور.
4- الاسراف: يعني التبذير، والتبذير والاسراف متقاربين في المعنى.
5- والاسراف أيضاً يُعبر عنه بالأكل الكثير، وما أُنفق في غير طاعة الله، أو الخطأ، أو الجهل، أو الاغفال، وغيرها من التعابير(1).
والاسراف لغة: مصدر من أسرف اسرافاً، والسرف اسم منه، يقال أسرف في ماله: عجّل عليه من غير قصد، وأصل هذه المادة يدل على تعدي الحد، والاغفال أيضاً للشيء.
والاسراف لغة أيضاً: الاسراف مأخوذ من مادة (س ر ف) (سرف) وتدل على تجاوز الحد في كل فعل يقوم به الانسان، عكس التقتير.
وفي القاموس: اسراف: إنفاق المال فوق ما ينبغي صرفه على نحو متجاوز الحد، تبذير وتبديد (هدر ثروته بإسرافه).
وفي معجم المعاني، الاسراف في المال: بالغ في إسراف ما عنده من مال، تبديده وصرفه بلا فائدة.
واسرف (فعل)، واسرف الشخص: أسرف في الأمر، بالغ أفرط، وجاوز الحد.
أما معنى الاسراف اصطلاحاً: هو قيام الشخص بأي فعل كان بأن يتجاوز الحد المتعارف عليه والافراط بفعله فوق حد الاعتدال، سواء أكان بالإنفاق، أم المأكل أم الملبس أو الأدوات المنزلية الأخرى وغيرها..(2).
وقال الامام علي A: "كل ما زاد على الاقتصاد اسراف"، وقال A: "ما فوق الكفاف إسراف"(3).
وقال رسول الله محمد J: "من أعطى في غير حق فقد أسرف، ومن منع في حق فقد قتر"(4)، وقال الراغب الأصفهاني: "السرف تجاوز الحد في كل فعل يفعله الانسان، وإن كان ذلك في الانفاق أشهر"(5). وكثير من الأشخاص يفهمون الاسراف والتبذير بمعنى واحد، قال الامام علي A: "كفى بالتبذير سرفاً" وقال A: "ألا وإن إعطاء هذا المال في غير حقه تبذير واسراف"(6).
وبعض الأشخاص يفرقون بين الاسراف والتبذير، وقيل في معنى التبذير:
- قال ابن فارس: "الباء والذال والراء" اصل واحد، (بذر) وهو نثر الشيء وتفريقه.
- وقال الراغب الاصفهاني: "التبذير: التفريق، وأصله إلقاء البذر وطرحه، واستعير لكل مضيّع لماله".
- وقال الفيومي: "بذرت الحبّ إذا ألقيته للزراعة.. وبذرت الكلام: فرّقته، وبذّرته، مبالغة.. ومنه اشتق التبذير في المال؛ لأنه تفريق في غير القصد".
- وقال الخليل: "التبذير: إفساد المال وإنفاقه في السرف.. وقيل: التبذير: إنفاق المال في المعاصي.. وقيل: هو أن يبسط يده في إنفاقه حتى لا يبقى منه ما يقتاته.
إلا أنه فُرّق بين الاسراف والتبذير، فقيل: "إن التبذير: "الانفاق فيما لا ينبغي، والاسراف الصرف زيادة على ما ينبغي" أو "الاسراف صرف أكثر مما ينبغي، والتبذير الصرف الذي لا ينبغي" أو أن السرف: هو الجهل بمقادير الحقوق"(7).
- وعن الصادق A: "إنما الاسراف فيما أفسد المال وأضرّ بالبدن"، قيل: فما الاقتار؟ قال A: أكل الملح والخبز وأنت تقدر على غيره"(8).
- وفي تفسير الشيخ الطبرسي: "الاسراف هو مجاوزة المقدار الذي تقتضيه الحكمة، والاسراف مذموم، كما أن الاقتار مذموم"(9).
- وقد عرّف السيد علي السيستاني (دام ظله): الاسراف: "يقصد بصرف المال زيادة على ما ينبغي، والاسراف حرام"(10).
وهكذا نجد أيضاً أن التبذير يستعمل في تفريق المال في غير الجهات الشرعية إسرافاً وإتلافاً في المحرم.
ومن هذه المعاني للإسراف والتبذير، بما جاء في القرآن الكريم، ونهي الرسول الكريم J واحاديث أهل البيت D وإجمال بعض الفقهاء، والعقل الذي يذم الاسراف والتبذير، حُكِمَ على تحريم الاسراف والتبذير.
حكم الاسراف والتبذير:
من المهم التعرف على حكم الاسراف في الحكم التكليفي (الشرعي).
وهناك الحكم الوضعي المترتب عليه من جراء الاسراف.
الحكم التكليفي الشرعي للإسراف:
جميع ما قيل حول حكم الاسراف هو حرمة الاسراف، وهو أمر مُسلَّم به، استنادا الى ما يلي:
1- القرآن الكريم:
وردت في القرآن الكريم ثلاث وعشرون آية في بيان حكم الاسراف وهو التحريم، وهذا من أهم الأدلة على التحريم، في سبع آيات ورد النهي عن الاسراف صريحاً، وفي الآيات الأخرى ظاهر إن لم يكن صريحاً أيضاً، والقرآن الكريم أهم مصدر نأخذ منه حكم الاسراف.
"لكن ورد بعضها في الاسراف بمعنى التجاوز عن حدود الله، وهو القسم الأول.
القسم الثاني: وبعضها بمعنى التجاوز عن حد الاعتدال في الانفاق والأكل والشرب ونحوها.
القسم الثالث: وبعضها مطلق يشمل بظاهره جميع أنواع الاسراف"(11).
فمن القسم الأول: قوله تعالى: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِم لَا تَقْنَطُوا مِن رحْمَةِ اللَّهِ.." (الزمر:53). أي الذين لم يؤدوا الواجبات والتكليف الشرعي، فلا ييأسوا من رحمة الله وغفرانه.
وقال تعالى: "بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ" (يس:19). قوم عادتكم الاسراف في العصيان.
وقوله تعالى: "ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا"( آل عمران:147). وهذه الآية اقترن بها الاسراف بطلب المغفرة دليل على حرمة الاسراف.
وقوله تعالى: "فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا" (الإسراء:33). نهى الله سبحانه أن يُقتل غير قاتله، أو يُمثّل بالقاتل.
ومن القسم الثاني: قوله تعالى: "وَالذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا" (الفرقان:67). وفي هذه نهى الله سبحانه عن الاسراف والتقتير بقوله: "لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا" والنهي عن الشيء هو محرم.
وقوله تعالى: "وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (الأنعام:141). وفي هذه الآية نهى الله تعالى عن الاسراف في الصدقات.
وقوله تعالى: "وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (الأعراف:31). هذه الآية نهت عن الاسراف، وإن النهي يدل على الحرمة، وقوله تعالى: "إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" أي يبغضهم، وإنها لدلالة صريحة في عدم حبه سبحانه للإسراف والمسرفين.
وفي القسم الثالث: قوله تعالى: "فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاء وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ" (الأنبياء:9).
"وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ" على أنفسهم؛ بسبب الاسراف في تكذيب الأنبياءD.
وقوله تعالى: "كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" (يونس:12). "أي كما زين لهم الشيطان وأقرانهم الغواة ترك الدعاء عند الرخاء، زينوا للمسرفين عملهم"(12).
وقوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ" (غافر:28). "أي لا يهدي الى جنته وثوابه من هو مسرف على نفسه متجاوز عن الحد في المعصية، كذّاب على ربه"(13).
وقوله تعالى: "كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ" (غافر:34). أي مسرف على نفسه كافر، والاسراف مجاوزة الحد، (مرتاب): أي شاك في التوحيد ونبوة الأنبياء"(14).
وقوله تعالى: "وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النارِ" (غافر:43). "وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ" أي وجب أن المسرفين الذين أسرفوا على أنفسهم بالشرك وسفك الدماء بغير حقها. "هُمْ أَصْحَابُ النارِ" الملازمون لها – أي النار –"(15).
وقوله تعالى: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا" (الإسراء:26). ومعنى "وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا" قيل إن المبذر الذي ينفق المال في غير حقه.
وقوله تعالى: "إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخوَانَ الشيَاطِينِ وَكَانَ الشيطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا" (الإسراء:27). معنى الآية: إن المسرفين والمبذرين هم أتباع الشياطين وسالكو طريقهم، وإنهم قرناء الشيطان في النار، وهذا هو أشد وأقسى الذم للمسرفين والمبذرين.
وقوله تعالى: "وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ" (الشعراء:152). بمعنى أن لا تطيعوا أمر الرؤساء منهم، وهم تسعةَ عشرَ من ثمود الذين عقروا الناقة، ولم يطيعوا أمر الله سبحانه وتعالى، وقد شبّه المسرفين بالفاسدين في الأرض ولا يصلحون فيها(16).
وقوله تعالى: "وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ" (يونس:83). بمعنى أن فرعون مستكبر باغ طاغ في أرض مصر ونواحيها، "وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ" أي من المجاوزين الحد من العصيان؛ لأنه ادعى الربوبية، وأسرف في القتل والظلم(17).
وقوله تعالى: "مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ" (الدخان:31). أي نجّى الله بني اسرائيل من فرعون الذي كان متجبرا متكبرا متغلبا، "مِّنَ الْمُسْرِفِينَ" أي من المجاوزين الحد في الطغيان بإسراف عالٍ(18).
وواضح من معاني الآيات الكريمة السابقة الذكر أن الاسراف والتبذير حرام يعاقب فاعله في الدنيا والآخرة.
اللهم نسألك الهدى والتقى وحسن التدبير.. إنك سميع مجيب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
(1) الشيخ محمد علي الأنصاري: دراسة حول الاسراف في الكتاب والسنة، ص15.
(2) زياد الصباح: الدرة السنية، موسوعة الأخلاق، ص7.
(3) تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم: مركز الأبحاث الاسلامية، قم، ص359.
(4) بحار الأنوار: ج66/ ص221.
(5) الشيخ محمد علي الأنصاري – دراسة حول الاسراف، ص17.
(6) تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص359.
(7) الشيخ محمد علي الأنصاري: دراسة حول الاسراف، ص19.
(8) بحار الأنوار.
(9) الطبرسي: تفسير البيان، ج3/ ص10.
(10) كما جاء في خطبة الجمعة للشيخ الكربلائي – ممثل المرجعية.
(11) الشيخ محمد علي الأنصاري: الاسراف، ص50.
(12) الطبرسي: تفسير مجمع البيان: ج5/ ص143.
(13) الطبرسي: تفسير مجمع البيان: ج8/ ص388.
(14) الطبرسي: تفسير مجمع البيان: ج8/ ص391.
(15) الطبرسي: تفسير مجمع البيان: ج8/ ص394.
(16) الطبرسي: تفسير مجمع البيان: ج7/ ص312.
(17) الطبرسي: تفسير مجمع البيان: ج5/ ص192.
(18) الطبرسي: تفسير مجمع البيان: ج9/ ص98.