يتجلى.. (22) (صحة الدين) د. مالكولم دنكان وينسر

02-08-2019
خاص صدى الروضتين
هنالك كثير من المسوغات الفلسفية لوجود إله لهذا الكون، واتصافه بصفات خاصة، فان هنالك طريقتين أساسيتين من الوجهة العلمية لإثبات وجود إله:

الطريقة الأولى:
فان الارض والسماوات بسائر تعقيداتهما، والحياة في شتى صورها، وأخيرا الإنسان بكل قدراته العليا، كل هذا أشد تعقيدا من أن يتصور الإنسان انه حدث هكذا وحده أو بمحض المصادفة..! فلابد اذن من عقل مسيطر، من إله خالق وراء كل ذلك، ولما كان الإنسان أسمى مما يحيط به من الكائنات المختلفة فلابد ان يكون قد حظي باهتمام خالقه، ولابد اذن ان يكون لهذا الخالق وجودا ذاتيا.
اما بالنسبة للطريقة الثانية، فليس أمامنا الا ان نلجأ للكتب المقدسة التي هي في الواقع مجموعات من الكتب والوثائق (المخطوطات) ويبلغ عددها ستا وستين. كتبها عدد كبير من الكتاب في مدى اربعة عشر قرنا، ومع ذلك فهي جميعا تؤلف كتابا واحدا يدور حول محور واحد.
وبالرغم من ان كتابة هذا الكتاب قد استغرقت 1400 سنة، واشترك في انتاجها كتاب عاشوا في بلدان متفرقة، ولم تتح الظروف لأي منهم ان يتعرف بالآخرين، فإننا نجد بينهم تجانسا في التفكير ووحدة واتفاقا في الغاية.
ولقد حقق التاريخ ما جاءت به هذه الكتب إلى درجة عجيبة، مما يدل على صدقها، وها نحن اولاء نراها جميعا تؤكد من أول كلمة فيها إلى آخر سطر من سطورها، أن لخالق هذا الكون وجودا ذاتيا.
فاذا نظرنا إلى العقائد التي يأخذ بها الإنسان، والى الأسباب التي تجعله يعتقد في صحتها، فإننا نجد ان كل ذلك يتحدد إلى درجة كبيرة بعاملين هما: ذكاء الإنسان والبيئة التي تحيط به وتؤثر عليه، ويمكننا ان نقسم هذه المعتقدات إلى قسمين: واقعية ونظرية.
وللتأكد من صحة المعتقدات الواقعية لابد ان يكون الإنسان قد وصل اليها باستخدام الأسلوب العلمي في التفكير. ومن الواضح ان تحقيق هذه الشرط بالنسبة لجميع المعتقدات الواقعية التي يأخذ بها الإنسان في حياته يعد أمرا مستحيلا، ويرجع ذلك إلى كثرة هذه المعتقدات وتعقدها، ومع ذلك فان الانسان يتقبلها ويسلم بصحتها لسببين: أولهما: ان المجتمع الذي يعيش فيه والكتب التي يقرؤها تقر هذه الافكار وتقبلها، وثانيهما: انه يجدها صحيحة عند استخدامها أو تطبيقها في حياته اليومية.
اما عن المعتقدات النظرية، فكثيرا ما تتجلى فائدتها للإنسان وتثبت صحتها وسلامتها عند ممارستها، ومع ذلك فانه لأسباب متعددة لا يمكن ان يسلم جميع الناس بصحتها، كما انه لا يمكن استخدام الطريقة العلمية لإثبات صحتها؛ بسبب عدم القدرة على جمع الحقائق اللازمة لاستخدام هذه الطريقة في حالة هذه المعتقدات.
وميدان الطب من الميادين التي تعني بدراسة الانسان وتحليله ومعرفة الأسباب التي تجعله يسلك سلوكا معينا، وقد يكون في ذكر بعض المبادئ الطبية ما يلقي بعض الضوء على عقيدة الإنسان في الخالق، فمن المعروف مثلا ان جميع الأمراض التي تصيب الانسان اما ان تكون عضوية أو نفسية، ومن المعروف كذلك ان الحالة النفسية للمريض وموقفه العقلي من هذا المرض يحددان إلى درجة كبيرة مدى تأثره بالمرض، ثم ان من المعروف ان تغير الحالة النفسية أو النظرة العقلية يعد من الأمور المتعذرة، فالشخص السليم في عقله ونفسه، يبقى كذلك طيلة حياته، اما الشخص القلق المضطرب فلا يكاد يصلحه العلاج الا اصلاحا سطحيا، ولا يكاد المعالج ينتهي من حل مشكلة من مشكلاته حتى تبرز له اخرى غيرها.
وكثير من الأطفال الذين ينشؤون على الاخذ بمعتقدات معينة يبقون متمسكين بها طيلة حياتهم، فاذا نشؤوا في مجتمع ملحد صاروا ملحدين، واذا نشؤوا في مجتمع ديني بقوا مؤمنين وهكذا..
الواقع اننا نتقبل كثيرا من المعتقدات قبولا يقوم على التسليم، ثم نتحيز لها بطريقة أو بأخرى. وبالرغم من اننا نستطيع ان نتجرد من أهوائنا وعواطفنا عند حل كثير من المشكلات التي تواجهنا في حياتنا، فإننا نعجز عن ان نتجرد من هذه العواطف عندما نحاول الاجابة على من يسألنا بقوله: (هل لهذا الكون إله؟) انا أعتقد شخصياً انه لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال الا بعد ان يخطو الانسان خطوة نحو الإيمان الروحي، وهو لا يمكن ان يقوم بهذه الخطوة الا بعد ان يصل (باستخدام عقله) إلى وجود إله وخالق لهذا الكون.
وما ان يصل الانسان إلى ذلك حتى يثبت الله ايمانه به وينزل على قلبه السكينة. اعتقد ان الإيمان بالله خبرة شخصية قبل كل شيء. ويستطيع الانسان ان يصل إلى فكرة وجود الله باستخدام عقله، وذكائه، ولكنه لا يستطيع ان يقيم البرهان على ذلك الا بالطرق غير المادية، فالإيمان بالله هو أساس الاطمئنان إلى وجوده تعالى. هو القوة التي تعين على استجابة الدعاء، وتجعل الإنسان يطمئن إلى الغيب.
وقد عرف (سير وليام اوزلر)، وهو الطبيب الكندي المشهور، الايمان بأنه القوة الدافعة الكبرى التي لا نستطيع ان نزنها في الميزان أو نختبرها في الجفنة. ولا يمكن ان يتم الاعتقاد في وجود الله بدون هذا الإيمان.
من تعاريف القرآن للمؤمن ما جاء في سورة الحجرات آية 15: (إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَم يَرتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِم وَأَنفُسِهِم فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات/15).