محاورة مع كتاب.. (اتجاه الدين في مناحي الحياة) لسماحة السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه) ج16
02-08-2019
علي حسين الخباز
- ما هي العلاقة بين الانسان وبين الله سبحانه تعالى؟
الكتاب:ـ هذه العلاقة رغم أن لها أصلاً في فطرة الانسان قد تبدو علاقة غامضة؛ لأن الانسان كائن لا يشهد بطبيعة وجوده العالم غير مادي، إن أمكن أن يستشف أموراً ما حولها بالعقل والتفكير، كما أن الله سبحانه تعالى كائن غير مادي وفق المكان والمحدوديات كلها، فكيف تكون هذه العلاقة وطبيعتها ونظامها واسسها تنتظم وفق نظامين ينظمان سائر علائق الانسان وارتباطاته، وهما نظام الحاجة الى الله سبحانه تعالى والاستجابة لها من قبله ونظام القيم الأخلاقية.
وأما من جانب الله سبحانه تعالى، فانه تبارك وتعالى وإن لم يكن محتاجاً الى خلقه كما هو واضح؛ كونهم مخلوقين له، عناية بهم وودا، نظير ما نجده في حب الوالدين للأولاد حتى وان لم يكن لهما أية حاجة اليهما.
كما أنه سبحانه أيضاً متصف بالقيم الأخلاقية، متصف بالعدل والصدق والاحسان والشكر، وسائر الخصائل الحسنة بحكم هيمنته على الأشياء كلها يملك الاستجابة للإنسان ورعايته بحاجاته كلها، هذه العلاقة مؤهلات، وأهم خصائصها وفق رواية الدين، هو انه باستطاعته من خلال ما فطر عليه وجهز به من امكانات ومن خلال اهتمام الخالق به من جهة اخرى.
الارتباط الروحاني خالق والشعور به والتواصل معه والاستمداد منه، ويرتقي في اثر ذلك الى درجة من التعقل والاشراف على الحياة، وان موقع الله سبحانه تعالى من الوجود والكون موقع القيم، ومن الممكن تقريبه للذهن بموقع رب الأسرة القيّم عليها الموفي بحوائجها المراعي لتربية أفرادها واستحضاره من قبلهم يعطي للأسرة نظامها ورعايتها وان غيابه عنها بافتقاد الابوين او احدهما، يجعل الأسرة معرضة للعوارض السلبية العديدة، فكذلك استحضار الانسان لوجود الله سبحانه بقدرته وعظمته وحكمته وعدالته استكمال لصورة الوجود، وإن حياة الانسان تكسب معناه متفاوتاً باستحضار الله سبحانه وما يستتبعه من المشاعر فيه من محبة وشكر وأدب وحذر ورجاء.
وكيفية تعامل الانسان مع الله سبحانه تعالى، وانه لاشك فإن الانسان رغم امكان ارتقائه الى وجود كائن اعلى بفطرته وعقله يحتاج الى اسعاف من قبل الخالق نفسه في أن يكون على بصيرة ووضوح، تجاه هذا الأمر وهذا ما قام به سبحانه من خلال بعثة الانبياء، وان للإنسان مضافا الى قوة الاختيار وحرية الارادة قوى متعددة وهي قوة التعقل والتفكير والتعلم والتي تساعده على استكشاف الاشياء، والحكمة وهي موازنة النفع والضر للأشياء واختيار القرار المناسب، والضمير يعني مجموعة القيم الاخلاقية المغروسة في داخل الانسان، والمشاعر هي حالات داخلية للإنسان لها وظائف مختلفة، واذا تأملت نظام العلاقة مع الخالق وفق المنظور الديني حسبما جاء في القرآن الكريم فانك تجد انه يعتمد على نفس هذه القوى وتطبيق مقتضاياتها في شأن الخالق سبحانه لكنه تعالى حيث اعطى للإنسان حرية الاختيار.
خلق هذا الانسان وفق نظام ذي مرحلتين، وهي المرحلة الاختبارية يكون نظم حياته وفق قواعد الاختيار وسنن الامتحان، واختبار سلوكي في عمله بالقيم الفاضلة تجاهه سبحانه، فالإنسان في هذه المرحلة يمارس حريته واختياره ويتحمل مسؤولية تصرفاته وأعماله ومرحلة نهائية فيها نتائج هذا الاختبار فيلقى كل امرئ ما لقيه.
- كيف تتحقق معرفة وجود الله؟
الكتاب: إن البعد الروحي في الانسان يجعله من المنظور الديني قادر على اكتشاف وجود كائن هو الله سبحانه من خلال الفطرة الصافية والعقل الراشد، فالإنسان يستطيع من خلال عقله الاطلاع على وجود الله سبحانه تعالى، بالنظر الى كل جانب من الجوانب هذا المشهد الكوني.
إن الايمان بالله سبحانه حقا له بمقتضى الرؤية الراشدة في الحياة، فالكون كله أشبه بكتاب مفتوح، لله سبحانه امام ناظر الانسان ومحاولات الانسان في فهم الكون وقواعده ليست إلا مساع في قراءة هذا الكتاب الالهي وفك شفراته ولغته وفهم قوانينه ومبانيه ومعلوماته، فإن خلق الكائنات كلها يمثل ابداعاً بالغاً لا حد له ولا توصيف يحيط بكنهه وفق المنظور الديني العقلاني بأن يعمق هذا الإدراك في داخله بحيث يشهد الله سبحانه في كل ما يراه فيكون حاله، فهذا الاستحضار وعي دائم ومستمر بحقيقة تمثل قدرات الصانع وفاعليته في آثاره، وعليه فإن عقلانية الانسان ورقي مستواه العقلي يمد الانسان بهذا الشعور بشكل دائم لا سيما ان الانسان بحسب الدين مقصود بالتفهيم.
إن من شأن الانسان وفق المنظور الديني العقلاني في حال وعيه ان يصل باعتقاده بالله سبحانه الى درجة استحضاره واليقين به وكأنه يراه، فالإيمان بشيء غير مشهود حسا، كالعوامل والموجودات غير المحسوسة من الأمراض والكائنات الصغيرة من الجراثيم والفايروسات والجاذبية والطاقات الفاعلة في الكون، وان لم يدرك الله سبحانه ادراكاً حسياً، إلا انه بعلمه وقدرته سبحانه تعالى متمثل في جميع اجزاء هذا المشهد.
ان هذا الاستحضار يمكن أن يبلغ في الحيوية والتوقد الى درجة يلحق الشعور بالشيء بالشعور الحسي، فيجد الانسان الله سبحانه في ذات نفسه، وقد قال الامام علي A لرجل سأله:ـ هل رأيت ربك يا امير المؤمنين؟ فقال A: (أ فأعبد ما لا ارى)، فقال: وكيف تراه؟ فقال A: (لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الايمان، من الاشياء غير ملابس بعيد منها غير مباين). لا يمكن للإنسان ان يدرك الله ويعرف كيفيته، لقد بيّن الدين أنه سبحانه لا يشبه المخلوقين في طبيعة وجوده: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الشورى/11) وهذا أمر يشهد به العقل.
- هل نبّه الدين على تخطئة دعاوي الحلول والبنوة لله من المنظور الديني؟
الكتاب: بكل تأكيد نبه على هذه الأخطاء، الغلو في المخلوقات الالهية بدعوى حلول الله سبحانه فيهم أو اتحاده معهم او بنوتهم له، ينفيها العقل لوضوح عدم تناسخ وجود الخالق بطبيعته مع وجود الناس، ولا معنى للاتحاد معه، ومن ثم لم يزل خطاب الانبياء والاوصياء الصالحين وفق الآداب الدينية ابداء التصاغر امام الله سبحانه والافتقار اليه وتنزيهه عن صفات المخلوقين قاطبة، ولكن كلما اغلقت الأديان بابا من الغلو فتح الغلاة مخرجا آخر، يؤلون النصوص الدينية، واستحضار كونه تعالى قيما على الكون والانسان.
ان من شأن الانسان ان يلتفت الى ان الله سبحانه تعالى هو القيّم على الانسان والكون والكائنات كلها، لم يخلق هذا الكون ليتركه سائبا موكلا اياه الى سنن فاعلة ينتهي الى ما ينتهي اليه، ومبقيها بإرادته واختياره فهو مدبر لها مخطط لها الى غاية منظورة بها، وعنايته تعالى بالإنسان يشتمل على جانبين: الجانب الاول انه اوجد سبحانه في هذه الحياة اختبارين: اولهما اختبار معرفي بمدى تفطنه لله سبحانه تعالى الى اثار، واختبار اخلاقي في مدى عمله بمقتضيات الفضيلة، فالله سبحانه منح الانسان العقل والادراك وزوده بالضمير واتاح له حرية الاختيار حتى يحل المحل اللائق.
فالإنسان لم يُخلق عبثاً، ولم يترك سدى بل هو خليفة الله في هذا الكون على جدارة أن ادرك محله وموقعه ووظيفته في هذه الحياة، وهذه الحياة مضمار للسباق في المعرفة والسلوك ورقابة الله سبحانه على الانسان في هذه المسيرة يؤدي بطبيعة الحال الى محاسبة الانسان المتبصر لنفسه وافكاره وسعيه الدائم الى الاستزادة من البر والخيرات، ان يقين الانسان بهذا الأمر يوجب ان يستحضر الانسان في كل خطوة وحركة سلوك وهاجسه في ذلك مفردة من مفردات اختباره في الحياة.