يتجلى.. (21) العلم يدعم إيماني بالله (د.ألبرت ماكومب ونشستر)

21-07-2019
خاص صدى الروضتين
هل من الممكن أن يتساوى اعتقاد المشتغل بالعلوم عن سواه؟ وهل يوجد في دائرة المستكشفات العلمية ما يمكن أن يقلل من تقدير الانسان لقدرة الخالق الأعظم وجلاله؟ تلك أسئلة تطوف أحياناً بعقول بعض من يظنون أن العلماء في ميادين بحوثهم المتسعة يكتشفون من الحقائق ما قد يتعارض مع الدين حسب تفسير بعض المفسرين.
حين قررت أن أدرس العلوم، أخذتني احدى عماتي جانبا ذات يوم وتوسلت أن أعدل عن هذا القرار؛ لأن العلوم، كما كانت تعتقد، سوف تقضي على ايماني بالله. لقد كنت تعتبر، كما يعتبر الكثيرون، ان العلوم والدين قوتان متعارضتان، وأنهما لا يمكن أن يجتمعا في قلب رجل واحد.
وانني لأشعر بالغبطة تملأ قلبي اليوم، بعد ان درست العلوم المختلفة، واشتغلت بها سنوات عديدة، ولم يكن في ذلك ما يزعزع ايماني بالله، بل ان اشتغالي بالعلوم قد دعم ايماني بالله حتى صار أشد قوة وأمتن أساسا مما كان عليه من قبل.
ليس من شك في ان العلوم تزيد الانسان تبصرا بقدرة الله وجلاله، وكلما اكتشف الانسان جديدا في دائرة بحثه ودراسته زاد ايمانه بالله. لقد حلّ العلم اليوم محل كثير من الخرافات القديمة التي غالبا ما طغت على المعتقدات الدينية، واستبدل بها حقائق رصينة تستند إلى المشاهدة والتجربة.
وكما عدلت الكشوف العلمية أساليب الطب القديمة من الكي والحجامة إلى تلك الأساليب الحديثة من التشخيص والعلاج، فإن العلوم الحديثة قد غيرت كذلك من بعض المعتقدات حول علاقة الانسان بالله، فلم يعد الناس يعتقدون ان سبب المرض ما هو الا سخط من الله ينزله بعباده عقابا لهم على خطاياهم، وانما سببه غزو للجسم تقوم به بعض الكائنات الدقيقة التي تخضع لكل القوانين الطبيعية التي تتحكم في سائر الكائنات الحية الاخرى.
ان الانسان لا يستطيع ان يدرس اعمال اي صانع من الصناع دون ان يحيط بقدر من المعلومات عن الصانع الذي أبدع تلك الاعمال، وكذلك نجد أننا كلما تعمقنا في دراسة أسرار هذا الكون وسكانه، ازددنا معرفة بطبيعة الخالق الأعلى الذي أبدعه. وقد اشتغلت بدراسة علم الأحياء، وهو من ميادين العلمية الفسيحة التي تهتم الحياة، وليس من مخلوقات الله أروع من الأحياء التي تسكن هذا الكون. انظر إلى نبات برسيم ضئيل وقد نما على أحد جوانب الطريق، فهل نستطيع ان تجد له نظيرا في روعته بين جميع ما صنعه الانسان من تلك العدد والآلات الرائعة؟ انه آلة حية تقوم بصورة دائبة لا تنقطع آناء الليل وأطراف النهار بآلاف من التفاعلات الكيماوية والطبيعية، ويتم كل ذلك تحت سيطرة البروتوبلازم وهو المادة التي تدخل في تركيب جميع الكائنات الحية.
فمن اين جاءت هذه الآلة الحية المعقدة؟ ان الله لم يصنعها هكذا وحدها، ولكنه خلق الحياة وجعلها قادرة على صيانة نفسها وعلى الاستمرار من جيل إلى جيل من الاحتفاظ بكل الخواص والمميزات التي تعيننا على التمييز بين نبات وآخر.
ان دراسة التكاثر في الأحياء تعتبر أروع دراسات علم الاحياء واكثرها اظهارا لقدرة الله. ان الخلية التناسلية التي ينتج عنها النبات الجديد تبلغ من الصغر درجة كبرى بحيث تصعب مشاهدتها الا باستخدام المجهر المكبر. ومن العجب ان كل صفة من صفات النبات: كل عرق، وكل شعيرة، وكل فرع على ساق، وكل جذر أو ورقة يتم تكوينها تحت اشراف مهندسين قد بلغوا من دقة الحجم مبلغا كبيرا فاستطاعوا العيش داخل الخلية التي ينشأ منها النبات، تلك الفئة من المهندسين هي فئة الكروموسومات.
ولهؤلاء المهندسين ذوي الاحجام الضئيلة القدرة على تعديل خواص النباتات التي تنتجها هذه الخلايا الدقيقة في فترات نادرة من الزمان، فهي بذلك تنتح كائنات اكثر قدرة على التلاؤم من أسلافها. لقد مرت بالبشر فترة كان أغلب الناس يعتقدون فيها انه من الكفر ان يعتقد المرء ان الكائنات الحية التي تعيش اليوم على سطح الأرض كانت في يوم من الأيام على صورة تخالف الصورة التي خلقها الله عليها بادئ الأمر.
اما في الوقت الحاضر فان معظم المفكرين يرون ان خلق كائنات لها القدرة على التكاثر وعلى تغيير اشكالها وتركيبها، تبعا للظروف التي تحيط بها، يعد أشد دلالة على قدرة الله من خلق كائنات لا تتطور ولا تستطيع الا ان تنتج صورا مكررة من أنفسها طيلة الزمان.
ويقف العلماء اليوم على عتبة كشف جديد بالغ الأهمية، الا وهو خلق الحياة داخل المعمل وفي أنابيب الاختبار، وقد أمكن فعلا الوصول إلى خلق صورة من صور الحياة داخل المعمل، ولكنها صورة بدائية على درجة كبيرة من البساطة والنقص، وقد تم ذلك بمزج بعض المواد الكيماوية بنسب معينة لكي تتكون منها مادة تسمى حمض ديسوكسي ريبونيوكليك (D N A)، وهي من المواد التي لم يكن من الممكن انتاجها من قبل الا داخل الخلايا الحية، انها مادة الحياة، مادة الوراثة التي تحمل الصفات الوراثية عبر الاجيال وتضع طابعها على جميع الاحياء التي تدخل في تركيبها.
وقد أمكن اخذ هذه المادة من بروتوبلازم بعض الخلايا الحية وادخالها في بروتوبلازم بعض الأنواع الأخرى، فادى ذلك إلى جانب من التغير في الصفات الوراثية للأنواع المطعمة بهذه المادة.
ونحن لا نعلم ماذا يكون شأن ذلك الحمض الصناعي الذي حضره الإنسان في المعمل وكيف يكون تأثيره عندما يطعم به بروتوبلازم الخلايا الحية، هل تمتصه الخلايا، وهل يتسق مع تركيبها، وهل تحدث فيها نفس التأثيرات التي تحدثها المادة العضوية الطبيعية؟ اننا لا نعر الإجابة حتى اليوم عن هذه الاسئلة، ولا يزال مستقبل الجهود التي تبذل في هذا الميدان في كف القدر، فبعض العلماء يتشككون في إمكان الوصول إلى خلق الحياة، والبعض الآخر يعدونه من الأمور المستحيلة، ولكن حتى اذا نجحت هذه الجهود، فهل يزعزع ذلك من إيماننا بالله؟ انه لا يزعزع الا إلا إيمان أولئك الذين لديهم إيمان سطحي.
اما من يقوم ايمانهم على أساس التفكير العميق، فان ذلك لا يعد أكثر من خطوة جديدة في ادراك ما أبدعه الخالق الأعظم الذي خلق وحده تلك الروائع التي يعمل الناس جاهدين متكاتفين في الكشف عنها، فاذا كانا نريد ان ندعم إيماننا بالله، فعلينا بمزيد من التعمق في كشف الحقيقة.