(دور الأديان في نشر السلام) ورشة علمية في العاصمة الالمانية برلين

10-07-2019
خاص صدى الروضتين
ضمن فعاليات أسبوع أبي الفضل العباس عليه السلام الفكري الثاني أقيمت صباح يوم الأحد الموافق(16/6/2019م)، والمصادف (12 شوال 1440هـ) في العاصمة الألمانية برلين ورشة علمية تحت عنوان (دور الاديان في نشر السلام)، وبحضور ممثلي العتبة الحسينية المقدسة وشخصيات علمية وأكاديمية، فضلاً عن فضلاء الحوزة العلمية.
استهلت الورشة بإلقاء مجموعة من الكلمات ومناقشة مجموعة من الأوراق البحثية للسادة المشاركين، وكان في أولها كلمةُ ممثلِ العتبة العباسيّة المقدّسة في أوروبا السيد أحمد الراضي التي استهلها قائلاً:
ابعث السلام إلى الأحبة والأعزاء الذين اسعدونا بحضورهم قائلاً لهم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... ها نحن اقتطعنا من وقتكم الثمين قطعة زمنية فشكرا لمشاركتكم، جئنا من العراق بلد الشرائع والأديان ومن كربلاء مدينة الإخاء والفداء والآثار حيث المرقد الطاهر لأبي الفضل العباس (صلوات الله عليه) جئنا نحمل سلام الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة ومنتسبيها وفي مقدمتهم المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة آية الله السيد أحمد الصافي (دام عزّه).
أدت الأديان دورًا أساسيًا في تحقيق السلام بين الأديان من جهة وبين الأمم والحضارات من جهة أخرى، فالأديان هي الرافعة الحقيقية لنشر السلام، ولعلنا هنا نتساءل: أين يقع السلام في قلب الأديان؟
أيها الإخوة والأخوات الكرام نحتاج إلى حديث واقعي عن السلام وأثر الأديان في نشر السلام، فالشرائع والأديان وتعليمات الأنبياء D من قبيل المراحل الدراسية المختلفة تشترك جميعها في الأصول والمبادئ والقيم الأساسية إلا أنها تختلف بالعمق والتطبيقات المختلفة، فعندما يرتقي الإنسان إلى مرحلة أسمى يبقى احترامه وتقديسه للمرحلة السابقة، وإن اختلاف المحطات لا يستوجب اختلاف الهدف والغاية بل اختلاف الألوان يعطي جمالا للّوحة.
من هنا أقول: لابد أن نذكر الحقيقة، وهي أن الأديان متهمة بالتشدد والعنف والإرهاب، والواقع الذي نعيشه اليوم يفرض علينا العناية بدراسة الأديان في سياق مكاسب العقل والعلم والمعرفة.
مضيفاً: فالأديان التي قُدّر لها أن تشهد امتدادًا تاريخيًا لم تحقق ذلك بالعنف والقوة والقهر وإنما بالسماحة والمروءة والامانة، من هنا اقول: (معرفة الناس للتعايش معهم لا لتغييرهم).
أيها الإخوة والأخوات، الأديان لديها قوة مؤثرة من أجل السلام، ولا يمكن أن يكون سلام بين الشعوب ما دام لا يكون سلام بين الأديان، ولا يمكن أن يكون سلام بين الأديان مادام لم يكن سلام بين رجال الدين؛ لأن الناس يتبعون علماء دينهم ويسيرون على خطاهم، فلابد أولاً من صنع السلام بين رجال الأديان.
وتابع: من هنا تتطلب دراسة الاديان والمذاهب أن يتعاطى الدارس مع النصوص المقدسة والتراث الديني بمنطق الباحث، ولا أظن أن هناك جدوى من دراسة الأديان إذا كان الباحث مولعا بالتبشير بمعتقده والحرص على إدخال الآخر فيه، لذلك أخطر شيء يهدد السلام هو التبشير بين الأديان والتبشير داخل الدين الواحد والمذهب الواحد: (ابحث عن صوابي فالخطأ مني طبيعي).
موضحاً: من هنا اقول بأن مدرسة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام تدعو إلى التعارف بين الأديان وأرى أن التعارف أشمل وأرقى من الحوار: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُم إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
أيها الإخوة والأخوات الكرام، لا يولد السلام بين الأديان في فضاء الاعتقاد، بل يولد السلام بين الأديان في فضاء الإيمان؛ لأن المؤمنين في كل الأديان يستقون إيمانهم من منبع واحد مشترك هو الله (جل وعلا) وهو الحق؛ لأنه في الايمان تلتقي الأديان وتتعايش وتأتلف؛ لأنها تتكلم لغة روحية واحدة مشتركة التي يتحاورون بها وان كانت في الاعتقاد تتكلم لغات شتى.
أيها الإخوة والأخوات الكرام، الاعتقاد يرسم جغرافيا الأديان ويضع حدودًا صارمة لها، ولا تقبل ما هو خارج فضائها، لذلك نرى ما يسوغ الأفعال المتشددة ضد الآخر المختلف. من هنا تأتي الحاجة لتحديث آليات الفكر الديني، من أجل تحرير فهم الدين من التعصب الأعمى والكراهية وبعث الإيمان وحماية الاعتقاد من الاستغلال فيما يدمر الحياة، الأديان عائلة إيمانية واحدة؛ لأنها تؤمن معا بالله، وتتوحد في رسالة كونية مشتركة، وتقوم على قيم أخلاقية وإنسانية واحدة، وتستقي من منبع إلهي واحد، لذلك علينا الانتقال من (انا) و(انت) إلى (نحن)، وانظر للجانب الإيجابي من شخصيتي: (اقبلني كما أنا حتى أقبلك كما أنت).
لذلك ادعو إلى التفتيش عن محطات للتلاقي والبناء عليها، وترك ما يختبئ من ظلامات وكراهية في متون هذه الاديان وكتبها.
واختتم: الشكر لدعم المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة سماحة العلّامة السيد أحمد الصافي (دام عزّه) والشكر للإخوة في الجمعية الأوروبية لتعارف الأديان والشكر موصول إلى وزارة الخارجية الألمانية والسفارة الألمانية في بغداد لتعاونهم.
وكل الشكر والتقدير للدبلوماسية العراقية، وأخص بالذكر سعادة سفير جمهورية العراق في المانيا الدكتور ضياء الدباس وسفير جمهورية العراق في بلجيكا الأستاذ صادق الركابي وسفير جمهورية العراق في هولندا الدكتور هشام العلوي وللجالية الكريمة العراقية والعربية والإسلامية؛ لما قدموه من دعم في فعاليات الاسبوع الفكري الثاني لأبي الفضل العباس (صلوات الله عليه) في اوروبا بثلاث دول يحمل شعار (الاغتراب ثروة وطن) على أمل ان نستمع إلى نصائحهم وتوجيهاتهم لتطوير العمل لما فيه خير لبلدنا والمغتربين، سائلين المولى (عز وجل) أن يعم الأمن والأمان لبلدنا الحبيب العراق، والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كما ألقى سفير جمهورية العراق الدكتور ضياء الدباس كلمة جاء فيها: نتشرف اليوم في برلين، باستضافة قامات دينية وعلمية عراقية، نفخر بها ونعدها شواهد على ان العراق يأبى إلا ان يكون مركز اشعاع حضاري يشهد له التأريخ في أحنك الظروف التي عاشها ويعيشها وليظل نوره يضيء للإنسانية حاضرها ومستقبلها.
إن هجمة القوى الظلامية الشرسة التي تصدى لها العراق مؤخراً، اريد منها استهداف قلب حضارة العالم ومهد ولادتها، بما لهذه الرمزية من ابعاد إنسانية عظيمة، لذا فإن وقفة شعب العراق كانت ولا زالت تاريخية بكل ما لهذه الكلمة من معنى، ولعل مما سيشهد به التاريخ الإنساني بصورة غير مسبوقة، وقفة المرجعيات الدينية في العراق وقيادتها الحكيمة لدفة المجتمع حتى الوصول الى بر الأمان، فالمرجعية الدينية العليا ممثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني(دام ظله الوارف)، ظلت دوماً أباً لكل العراقيين دون تمييز، ولم تكتفِ فقط بنبذ العنف بكل اشكاله وانما خطت طريق السلام الذي يحفظ أرواح العراقيين ويجنبهم الفتنة التي بذلت قوى الشر من أجل بذرها الأموال وجيشت لها عصابات التطرف والتكفير.
مضيفاً: من المهم ان يعلم العالم اجمع ما أسهمت به المرجعية الدينية الرشيدة، والعتبات المقدسة وفي مقدمتها العتبة العباسية المقدسة، وما بذلته من جهود مخلصة ومباركة، لمدّ يد العون الى العرقيين الذي تضرروا بفعل العمليات العسكرية لتحرير مناطق العراق من سيطرة عصابات التكفير الإرهابية، فكانت وقفتهم طوق نجاة لملايين البشر الذين كانوا بأمس الحاجة الى المأوى والمأكل، فعلاوة على الاحتياجات الإنسانية الأساسية، سعت العتبات المقدسة الى توفير التعليم والرعاية النفسية للأطفال الذين شهدوا وعاشوا في ظل ظلم وظلام دولة داعش الافتراضية.
واختتم: نؤكد من برلين وفي هذه المناسبة، فخرنا واعتزازنا بمرجعيات العراق الدينية الحكيمة كافة، وجهود العتبات المقدسة المخلصة المباركة.. ونسأل الله العلي القدير ان يوفق الجميع لكل خير ويحفظ عراقنا العزيز من كل مكروه.
كما ألقى رئيس كلية الأديان البروفيسور سيباستيان جونتر - جامعة كوتنكن- المانيا كلمة، جاء فيها:
"لا يمكن ان يوجد سلام بين الاديان دون حوار بين الأديان، ولا يمكن ان يوجد حوار بين الاديان دون البحث في اساسيات هذه الاديان" كلام الاستاذ هانس كونغ استاذ علم اللاهوت بسويسرا: لا يوجد دين في هذا العالم لا ينادي بالسلام وهذا يخص الاديان السماوية الثلاث: اليهودية، المسيحية والاسلام؛ لأن هذه الاديان تشتمل على نظم من القيم تحث على الحياة السلمية بين البشر كما تقوم بحمايتها.
مضيفاً: نجد مثلاً في القرآن الكريم: ((وَلَا تَقرَبُوا الزِنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا))، ((وَلَا تَقتُلُوا النفسَ التِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ))، ((وَلَا تَقرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ)) ((وَلَا تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ)).
هذه القواعد لها صلة بقيم كونية مثل: الصواب والخطأ، الخير والشر، لذلك يجب علينا ان ندرس هذه القيم داخل السياق التاريخي، الفلسفي، اللاهوتي والحقوقي التي ظهرت فيه، وهذا هو دور التدريس والبحث التي تقوم به او تؤديه الدراسات الاسلامية في الغرب، إذ نقوم بتدريس علوم القرآن والحديث والتاريخ الاسلامي والفقه وذلك من خلال كتب ومؤلفات علماء مسلمين وعرب كبار مثل: الكندي، الفارابي، ابن سينا، الغزالي، ناصر الدين الطوسي، ابن رشد وابن خلدون، كما نقوم بتدريس النثر والشعر العربي والفارسي والتركي الكلاسيكي.
واختتم: إنّ هناك بين المثقفين العرب - مسلمين ومسيحيين - اصواتاً مهمة لعبت دوراً فعالاً منذ القرن العشرين في نشر تعاليم السماحة والتعايش بين الأديان عِبر الحوار والبحث.
ولتأتي بعدها الأوراق البحثية للسادة المشاركين وكانت أولها ورقة بحثية بعنوان: (دور الاديان بنشر السلام) لفضيلة الشيخ القاضي محمد كنعان، رئيس المحاكم الجعفرية العليا في لبنان.
أمّا الورقة البحثية الثانية والأخيرة فكانت للدكتور صاحب نصار تحت عنوان (السلام في الأديان الثلاثة اليهودية، والمسيحية، والإسلام).
هذا وشهدت الجلسة عددًا من المداخلات والاستفسارات من قبل الحاضرين، وطرح جملةٍ من الأسئلة وقد أجاب الباحثون عنها ووضحوا ما يمكن توضيحه.
وفي الختام، جرى توزيع مجموعة من الدروع والهدايا التكريمية للسادة المشاركين في هذه الورشة.
البيان الختامي
للورشة العلمية:
بحضور شخصيات دينية وثقافية وجمع كبير من الأساتذة والباحثين من مدن أوروبية عديدة، اختتمت ظهر يوم الأحد الموافق(16/6/2019م)، والمصادف (12 شوال 1440هـ) في العاصمة الألمانية برلين اعمال الورشة العلمية التي عقدت تحت عنوان (دور الاديان في نشر السلام).
إذ القى ممثل الجمعية الأوروبية لتعارف الأديان الإعلامي علاء الخطيب كلمة الختام بيّن فيها:
إيمانا منّا في ترسيخ ثقافة السلام ونبذ ثقافة الكراهية والعنف ودعما لجهود المنظمات الراعية لإشاعة ثقافة التعايش السلمي بين البشر، واجلالا لأرواح جميع ضحايا الإرهاب، وبرعاية سماحة اية الله الفقيه السيد حسين اسماعيل الصدر وبتعاون مشترك مع وزارة الخارجية الالمانية والجمعية الاوروبية لتعارف الاديان، عقد في العاصمة الالمانية برلين للفترة ما بين(15 – 16) من حزيران 2019 مؤتمر السلام والذكرى الخامسة لمجزرة سبايكر، شارك فيهما نخبة من علماء الدين والسياسيين والاعلاميين والاكاديميين، من جنسيات مختلفة، وممثلي منظمات المجتمع المدني من مختلف دول العالم.
وأضاف: خرج المشاركون بمجموعة من التوصيات:
أولاً: نطالب الدول والمؤسسات الدولية كالاتحاد الاوروبي والامم المتحدة لتحمل مسؤولياتها الانسانية لمتابعة حالات التطرف وتجفيف منابعها الفكرية والمالية.
ثالثا: المطالبة بتدويل جريمة سبايكر واعتبارها جريمة تطهير عرقي ضد الانسانية وملاحقة مرتكبيها وتقديمهم للعدالة.
رابعا: اشاعة ثقافة السلام من خلال الحوار والتعارف بين الاديان والمعتقدات المختلفة.
خامسا: تعزيز الدور الايجابي للمرجعيات الدينية ذات الخطاب المعتدل.
سادسا: ضرورة العمل الجاد والتعاون بين صناع القرار ومؤسسات المجتمع المدني والمرجعيات الروحية في الشرق والغرب.
سابعا: دعوة الاعلام للتركيز على قيم التسامح والمحبة والسلام والابتعاد عن الاثارة والتحريض.
واختتم: شكر وتقدير للخارجية الالمانية وللمؤسسات البحثية والاكاديمية الالمانية التي ساهمت ووفرت فرص الحوار واللقاء بين مختلف الأطراف.