تحت شعار: (أنتم فخرنا ومن نباهي بهم سائر الأمم) انطلاق فعاليّات مهرجان فتوى الدفاع المقدّسة الثقافيّ الرابع
10-07-2019
علي طعمة حمادي
تحت شعار: (أنتم فخرنا ومن نباهي بهم سائر الأمم)، أطلقت العتبة العبّاسية المقدّسة متمثلةً بقسمِ الشؤون الفكريّة والثقافيّة فيها فعاليّات مهرجان فتوى الدفاع المقدّسة الثقافيّ الرابع في قاعة الإمام الحسن عليه السلام للمؤتمرات والندوات، ويأتي هذا المهرجان استذكاراً للفتوى المباركة التي أطلقتها المرجعيّة الدينيّة العُليا والاستجابة الكبيرة التي لاقتها من قبل أبناء الشعب العراقيّ.
استُهِلَّ المهرجانُ الذي شهد حضور المتولّي الشرعيّ للعتبة العباسية المقدّسة وعددٍ من مسؤوليها، بالإضافة إلى جمعٍ واسعٍ من الشخصيّات الدينيّة والثقافيّة والأكاديميّة وجمعٍ من مقاتلي الحشد الشعبيّ، بتلاوة آياتٍ من الذكر الحكيم، تلاها على مسامع الحاضرين المقرئ عمار الحلي، لتُقرأ بعدها سورة الفاتحة ترحّماً على أرواح شهداء العراق والاستماع للنشيد الوطنيّ ونشيدُ العتبة العبّاسية المقدّسة الموسوم بـ(لحن الإباء).
جاءت بعدها كلمةُ المتولّي الشرعيّ للعتبة المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي(دام عزّه) التي بيّن فيها:
قبل أن أبدأ لعلّ من المناسب أن أقول: إنّ حضوركم اليوم هو جزءٌ من التوثيق الذي نسعى لأجله، فجزاكم الله خيراً لإثبات هذا الحقّ وهو حقّ الأجيال القادمة بأن ترى ما فعل آباؤها.
وأضاف: في نظرةٍ سريعة إلى تأريخنا قد نرى أنّ هناك بعض المواطن والمواقع التي تستوجب منّا الوقوف عليها، ولعلّ من تلك المواقع أنّ الحقّ لا يُقبل دائماً من كلّ أحد فتجد له معارضاً قويّاً، وتاريخ الأنبياء(سلام الله عليهم) حافلٌ بتلك المعاناة التي واجهوها من قِبل الأمم، ونحن نعتقد أنّ الأنبياء عادةً لم يطلبوا أيّ موقعٍ مادّي دنيويّ إزاء مشاريعهم، وإنّما كان الهدف الأسمى لهم هو أن يبقى هذا الإنسان يشعر بإنسانيّته وعبادته لله تبارك وتعالى، حتى يُصاغ بصياغةٍ تمنع نفسه من أن يعتدي على الآخرين وأن يحفظ حقوقهم كما يحفظ حقّ نفسه، لكن مع ذلك هذه الدعوات جُوبهت بردّات فعلٍ قويّة جدّاً حتّى قُتل في هذه المسيرة الطويلة كثيرٌ من الأنبياء والمؤمنين من أتباعهم، واستمرّت هذه الحالة -حالة رفض الحقّ- حتّى عصرنا الراهن.
وبيّن: التأريخ أيضاً يُنصفنا بعض الشيء عندما يرى أنّ هناك مشاكل عصفت بالأمّة، لكن وقف في وجهها من وقف، حامل راية الحقّ والقلم بيده عندما كان يخطّ ويكتب كان يُراعي هذه المسألة، أنّ كلّ حرفٍ سيكون مسؤولاً عنه، لكن عندما يتطلّب الموقف أن يكتب كتب، وهذا التاريخ أمامنا ولا أحبّ أن أستعرض الأسماء، لكن مثلاً من قبيل أنّ المحدّث المجلسي(رضوان الله عليه) لديه كتابات عندما واجهت الأمّة بعض الانحرافات فوقف في وجهها، والمجدّد الشيرازي(رضوان الله عليه) قبل أكثر من مائة وخمسين عاماً أيضاً كانت له وقفة عندما تعرّضت الأمّة إلى بعض الفتن الاقتصاديّة، ونحن لا نريد أن نستعرض ذلك، وإنّما فقط إلمامة سريعة إلى ما عندنا.
وتابع: في السنوات الماضية أيضاً تعرّضت البلاد والعباد إلى هجماتٍ شرسة أضرّت بها وأضرّت بالمعتقد وبالمقدّسات، وبدأت على شكل مجاميع صغيرة سرعان ما توسّعت؛ لأنّها رأت من يقبل هذه الأطروحة، لأنّه كان ملبّساً عليه أو كان غافلاً أو لأسباب أخرى، وكان المفترض على الجهات المعنيّة أن تلاحظ هذه المسألة وأن تطوّق الأمور في محلّها قبل أن تستفحل، لكنّها لم تفعل في وقتها إلى أن بدأ الخطر يزداد شيئاً فشيئاً، والى أن عبث في البلاد والعباد وفقدنا جزءاً مهمّاً وعزيزاً علينا وكبيراً من أراضينا وبقي التهديد قائماً، ولم يكتفِ المعتدي المسمّى (داعش) بذلك وإنّما كان يعدّ العدّة ليُنهي البلاد والعباد أصلاً ويحوّلها إلى شيءٍ آخر.
منوّهاً: قبل أن أذكر ما بعد ذلك أحبّ أن أنوّه إلى قضيّةٍ قد لا تكون غائبة، وهي أنّ الأمّة إذا فقدت إرادتها لا تستطيع أن تدافع عن نفسها، والفرد أيضاً إذا فقد هذه الإرادة يشعر دائماً بالهزيمة والانكسار، فهو لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، وفي بعض الحالات هذا الانكسار هو انكسارٌ ليس له واقع، يعني خارجاً هو يمكن أن يكون قويّاً لكنّ الانكسار نفسيّ وما أدراك ما يفعل الانكسار النفسيّ عند الشخص؟ الشخص عندما يراه أحدٌ ويقول له: عندك مصادر القوّة كثيرة لكنّك لم تلتفت، لكن هو يشعر بالهزيمة ويشعر بالانكسار، وحقيقةً مكامنُ الخطر قائمة في هذه الحالة النفسيّة الانهزاميّة -والعياذ بالله.
وأضاف: لا شكّ أنّ البلد مرّ بهذه الحالة، وإنصافاً للتاريخ وممّا يؤسف له أنّنا مررنا بها، حالة أنّ الأمّة شعرت أنّها فقدت إرادتها؛ لأنّ العدوّ قد انتصر بالرعب وإن كان انتصاراً مؤقّتاً، وهذا الرعب جعل الآخرين يوجسون خيفةً ممّا يحدث؛ لأنّ فيها قطع رؤوس وفيها اعتداء على كلّ المحرّمات والمقدّسات، ومن حقّ الإنسان أن يترقّب ويتربّص على أن لا يتحوّل إلى حالة الهزيمة، تعرفون أنّ الخوف شيء والجُبن شيءٌ آخر.
الإنسان يخاف لكن الإنسان الخائف قد يكون شجاعاً، الجُبن من الرذائل أمّا الخوف من الغرائز، الأنبياء كانوا يخافون، الخوف يجب أن لا يتحوّل إلى جبن والى هزيمة، والى أنّ الأمّة تفقد إرادتها ولا تستطيع أن تنهض ولا تستطيع أن تنتصر.
وأضاف: لكن الله تعالى أراد لهذه الأمّة خيراً وأراد لهذا الشعب أن يكون من الشعوب التي تستطيع أن ترسم تأريخها لا بالقلم فقط إنّما بالدم، وهذا الذي كان فقد هيّأ الله تعالى النجف الأشرف التي على كلّ دارسٍ وباحث أن يقرأها قراءة المتأمّل المتعمّق في التاريخ، سيرى أنّ هذه الحاضرة تختلف وهي حاضرةٌ مميّزة بكلّ شيء، حاضرةٌ عندما جاور علماؤها أمير المؤمنين عليه السلام لم تكن هذه المجاورة خالية من النفع، وأمير المؤمنين عليه السلام هو الذي يقول عن نفسه: (ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليّ الطير) وهي كلمةٌ موجزة في قمّة البلاغة والروعة، تكشف عن بعض ممّا عند أمير المؤمنين عليه السلام ، فلا شكّ أنّ مجاورته تؤثّر تأثيراً كبيراً في شخصيّة المجاوِر علماً وشجاعةً وقوّةً ورباطة جأش وتفاؤلاً وأملاً.
وأوضح: شاء الله تعالى أن تتهيّأ لهذا الشعب المبارك مرجعيّةٌ مباركة هي امتدادٌ للمرجعيّات التي ذكرت بعضها ووقفت هذه الوقفة التاريخيّة المهمّة، بل هي الأهمّ في بدايات هذا القرن، وهو أنّ على الأمّة أن تعيد الثقة في نفسها وأن تفهم أنّ داعش ما هي إلّا طحالب سرعان ما تنتهي، تحتاج إلى سطوة وتحتاج إلى قوّة والى سواعد مفتولة، وتحتاج إلى قلوب تُلبس أنفسها على الدروع، وهذا الذي كان فما أن صدرت الفتوى المباركة إلّا وازدحم الشباب على مواقع الذهاب إلى الجبهات، وهذا تاريخٌ يجب أن يُكتب بأحرفٍ من نور، فالحمد لله الذي نصر الشعب العراقيّ ونصر الحقّ ووضعت الحرب أوزارها.
مستدركاً: كنّا نخاف على شيء وهذا هو لعلّه بيت القصيد، كنّا نخاف أنّه ستنسحب علينا بعض الصفات التي كانت عندنا في الماضي، وهي صفات حسنة لكنّها صفات مُمكن أن يستثمرها الآخر، ما هي تلك الصفات؟ الصفات هي أنّنا شعبٌ مضحّي ولعلّ التضحية طُبعت بدمائنا ومُزجت بدمائنا، لكنّ هذه الصفة نحن شعبٌ لا نكترث للتوثيق ولا نهتمّ بأنّنا لابُدّ أن نحفظ هذا التراث لشيئين، لبيان أحقيّتنا في ذلك ولبيان ما ستأتي فيه الأجيال في المستقبل حتّى تقرؤنا بطريقةٍ موضوعيّة.
كنّا نخاف أنّ هذا التاريخ إمّا أن يُحذف وإمّا أن يُكتب بأقلامٍ هي ليست من أقلامنا، وحينئذٍ سيكون التاريخ مشوّشاً ومشوّهاً كما الآن نحن نعاني من تاريخ بعض الحقب الزمنيّة، نعاني من تاريخٍ مشوّه وكم من معلومةٍ كانت خاطئة، لكنّها لُصقت في فتراتٍ زمنيّة وهي ليس لها من الواقع عينٌ ولا أثر، لكنّها عندما سوّدت في التاريخ انتشرت، وأنتم تعلمون أنّ صراع الحقّ مع الباطل هو صراعٌ دائم، وصاحب الحقّ دائماً مكبّل بالحقّ لا يستطيع أن يكذب ولا يستطيع أن يداهن وأن يمرّر أشياء ليست له وهذا على خلاف الباطل، الباطل يزوّر ويكذب ويفتري ويُمكن أن يفعل أيّ شيء فليس له حريجة.
وتابع: ثمّ بعد ذلك قد يتهيّأ باحثٌ دقيق يحاول أن يفرز الغثّ من السمين وقليلاً ما تكون، كتابٌ إذا طُبع وتلقّفته الأيدي تتعامل معه الناس على أنّ هذا هو الواقع، لذلك كنّا نخاف -بصريح العبارة- على هذا التاريخ الحافل وهذه الفتوى الكريمة المهمّة، الأهمّ أخشى أن تكون باقية في صدورنا ما دمنا أحياءً، فإذا متنا وانتهت آجالنا ستُبدّل الحقائق بغير الحقائق، لذلك كنّا حريصين على الالتفات لمسألة التوثيق، وطلبنا من الإخوة في أيّام المعارك أن يكتبوا كلّ شاردةٍ وواردة ويدوّنوها ويحفظوها كيفما اتّفقت، ثمّ بعد ذلك تُجمع هذه الموادّ مع تاريخها ومع شواهدها، الشهود إن كانوا أحياءً فبها وإن كانوا جرحى نسأل الله تعالى أن يمنّ عليهم بالشفاء، وإن كانوا شهداء فهذا جزءٌ من حقّهم، فلابُدّ أن نكتب وطلبنا من جميع الإخوة المعنيّين بالقتال من الجهات الأمنيّة على اختلاف صنوفها ومن الجهات الشرعيّة، وبعض المعتمدين على ما هم عليه من جهدٍ كبير وخلّاق، كثيرٌ منهم مَنْ ترك الدرس التحاقاً بهذه المعركة المقدّسة، والحمد لله ربّ العالمين جاءت النتائج كما هي لكن مع ذلك أقول: إنّنا لم نوثّق كلّ شيء، بعض الإخوة الأعزّاء كان بخيلاً علينا بالمعلومة لسببٍ أو لآخر لكن المسألة مفتوحة.
مبيّناً: هذه الموسوعة التي سيُكشف الستار عنها بُعيد ذلك، المأمول أن تكون مرجعيّةً واقعيّة لها مصداقيّة ولها شواهد لكلّ من يريد أن يكتب، في هذه الفترة هناك معركة مهمّة تسمّى معركة الحقّ ضدّ الباطل ومعركة الفتوى ضدّ داعش، ونحن نحبّ أن نسمّيها معركة المنتصر وليس بمعركة المنهزم، واقعة الطفّ تسمّى واقعة الطفّ والحسين رمزُها لا يزيد، هذه المعركة هي التي تغيّر التاريخ، وأهل الحقّ هم الذين يغيّرون التاريخ، وهذا الذي حدث خلال هذه السنوات، هذه الثلاث سنوات قليلة لكنّها كانت كبيرة بامتداد طريق الحقّ بكلّ شهودها وكل معاناتها وكلّ تفاصيلها.
ولعلّ الإخوة يتذكّرون أنّه كانت هناك أيّام وليالٍ لا نوم فيها أصلاً؛ لأنّ العدوّ متيقّظ ويخشى الإخوة أن يغفلوا عن ذلك وبالنتيجة تذهب دماء وتذهب أراضي، لكن بحمد الله تعالى هذه الهمّة كانت همّةً كبيرة، والنتيجة التي حصلت نهائيّاً أن سُلّمت خارطة العراق نظيفةً وبعيدةً عن كلّ نقطةٍ سوداء ووُضعت أمام سيّد الفتوى، وهذه النتيجة هي نتيجةٌ مباركة بدأت بكلماتٍ وانتهت إلى أن تُسلّم أرض العراق كما كانت خاليةً نظيفةً بجهود وسواعد الأبطال الذين خاضوا هذه المعركة.
وأضاف: قلت في البدء، إنّ حضوركم قطعاً هو جزءٌ من التوثيق، إصراركم على المجيء رغبةً في أن تكتمل المسيرة، هؤلاء الذين أعطوا دماءهم هناك لهم حقٌّ، على الأحياء أن يحفظوا هذه الدماء في الكتب وأن يحفظوا عناوين الشهداء وعناوين الجرحى، وأن يحفظوا حقوقهم وأن يبيّنوا شراسة المعركة وكيف وقف فيها الأبطال، وفي الواقع هناك أبطالٌ على صغر سنّهم قدّموا ما قدّموا، لعلّ الإنسان لا يستعجل أن يبيّن صحائف ما كُتب، يتوقّع أنّ هذه مبالغات لكن في الواقع لم تكن مبالغات، وإنّما كانت حقائق على الأرض سطّرها أبناؤنا جزاهم الله خير الجزاء.
واختتم: ختاماً لا يسعني إلّا أن أترحّم على جميع الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن البلاد والعباد، وأن يمنّ الله تعالى على جميع الجرحى بالشفاء العاجل، وأيضاً أوصي نفسي وأوصيكم برعاية عوائل الشهداء الأعزّاء وخصوصاً الأبناء؛ لأنّ هؤلاء هم ذخيرتُنا وبهم واقعاً نفخر أشدّ الفخر، أمّا الأحياء من الإخوة الأبطال فنسأل الله تعالى أن يديم عليهم النصر المؤزّر دائماً، وأن يكونوا دائماً بمستوى المسؤوليّة في الحفاظ على البلاد والعباد، ولا يفوتني ولا يفوتكم أيضاً الدعاء بالعمر المديد لسماحة سيّدنا ومولانا آية الله العظمى السيّد علي الحسينيّ السيستاني (مدّ الله تعالى في عمره الشريف) وبقيّة المراجع العظام، وأن يحفظ الله حوزاتنا العلميّة أينما تكون ويحفظ طلبتها العاملين وجميع المشتغلين.
بعدها شنّف أسماع الحاضرين الشاعر الحاج علي الصفار بقصيدةٍ شعريّة ترنّمت أبياتها بالفتوى المقدّسة وملبّيها، وأشاد فيها بالتضحية الكبيرة والبطولات العظيمة التي قدّمها أبناءُ الشعب العراقيّ في استجابتهم للفتوى المباركة.
بعد ذلك جاءت كلمة لجنة مؤتمر سبايكر ألقاها الشيخ عبّاس القريشي، وأبرز ما جاء فيها:
في مثل هذه الأيّام نستذكر جريمةً من أبشع الجرائم التي حدثت في تاريخ العراق الحديث، جريمة راح ضحيّتها (1936) شابّاً من أبناء الوسط والجنوب في عراقنا الحبيب، بعد أن غُرّر بهم باسم الأمن والأمان من قبل أشرارٍ متطرّفين، تلك الجريمة التي أثكلت الأمّهات ورمّلت النساء أيتمت الأطفال.
وأضاف: نستذكر جريمةً كانت بدايةً لمنعطفٍ تاريخيّ خطير وُضع العراقُ فيه بل المنطقةُ أجمع لولا لطف الله ورعايته، ولكن ما كان من بركات تلك الدماء الزكيّة خلاف ما خُطّط له، إذ شُحِذت الهمم لدى الإنسان العراقيّ لتلبية نداء المرجعيّة الدينيّة في الدفاع الكفائيّ، التي لولاها لما بقي شيءٌ اسمه العراق، ولما تحرّرت الأراضي من بعد ذلك ولما كنّا مجتمعين هنا الآن.
فتلك الدماء الزكيّة هي بدايةُ النصر العراقيّ على الإرهاب، والعراقيّون بجميع أعراقهم وطوائفهم مدينون لأولئك الشهداء، ولكن يأتي السؤال هنا: هل قدّمنا الشكر والوفاء لدماء شهداء سبايكر ولو بتطبيق القانون بحقّ المجرمين والمتّهمين البالغ عددهم (512) مجرماً؟! إذ تمّ القبض على (148) مجرماً فقط والباقون ينعمون بالأمان، وقد صدر حكمُ الإعدام بحقّ (80) من المقبوض عليهم، وأُعدِم (66) مجرماً فقط!!
هل قدّمنا الشكر لذوي الضحايا من خلال فتح المقابر وتسليم الرفاة وحجّة الوفاة؟ خلال السنوات الخمس؟! الجواب: تمّ فتح (18) مقبرة مجموع رفاتها (1235) شهيداً تمّ تسليم جثمان (1000) مغدورٍ والمتبقّي في الطبّ العدلي بانتظار فحص الـ(DN عليه السلام )، هل تَسَلّم أهلوهم وذووهم حجج وفياتهم؟! الجواب: هناك أكثر من (500) عائلة لم تستلم حجّة الوفاة، وهذا يعني أنّ ثلث ذوي المغدورين لم يستلموا حقوقهم.
ومن هنا توصّلت اللّجنة التحضيريّة إلى مجموعةٍ من التوصيات نجملها بالآتي:
1- نطالب بالقصاص العادل من المجرمين ومحاكمتهم وفق القانون.
2- نطالب البرلمان العراقيّ بتشريع قانون يعتبر جريمة سبايكر جريمةَ إبادةٍ جماعيّة، واعتبار يوم (12حزيران) يوماً وطنيّاً، وفاءً وتخليداً لشهداء سبايكر، وفتح تحقيقٍ جادّ في قضيّتها وبيان ملابساتها للشعب العراقيّ.
3- نطالب بضرورة تشكيل فريق عملٍ متخصّص يتبنّى ملفّ هذه الجريمة النكراء والعمل على إدراجها دوليّاً، ضمن جرائم الإبادة الجماعيّة.
4- حثّ الجهات المعنيّة على إكمال فتح المقابر التي تضمّ رفاة الشهداء المغدورين.
5- نطالب الجهات المعنيّة بتسليم رفاة الشهداء الذين لم تُسلَّمْ جثامينُهم إلى ذويهم ومنح حجّة الوفاة.
6- ضرورة تخصيص قطعة أرض في النجف الأشرف أو كربلاء المقدّسة في موقعٍ يليق بدماء الشهداء، لتكون رمزاً ومقبرةً ومتحفاً يضمّ رفاة وأسماء وصور ومقتنيات شهداء سبايكر وكلّ ما يتعلّق بتلك الجريمة، لتبقى شاهداً حيّاً على تلك المجزرة.
7- نطالب المؤسّسات الرسميّة ومؤسّسات المجتمع المدنيّ بإقامة المؤتمرات والمهرجانات والندوات والمسابقات في الذكرى السنويّة لجريمة سبايكر وفاءً لدمائهم الزكيّة.
كما وكانت هناك كلمة للمهندس الأستاذ أحمد صادق معاون رئيس قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة في العتبة العبّاسية المقدّسة والمدير التنفيذيّ للموسوعة والذي بيّن فيها:
من عبق الكلمات أستلّ المعاني لتكون رسالة وفاءٍ لعهدٍ حمله أبناءُ العتبة العبّاسية المقدّسة في قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة، ممّن آلوا على أنفسهم إلّا أن يشاركوا الدماء التي كحّلت أديم هذه الأرض وهي تخطّ التواريخ، فبين من كان يصنع التاريخ على سواتر الإباء وبين من كان يرسم هذه اللوحات بيراعٍ ملؤه التحدّي ليحفظ للأجيال القادمة قصصاً أعجزت الدنيا بما حكت.
وأضاف: منذ أن أطلق سليلُ النبوّة وأبو العراق مرجعُنا المفدّى سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظلّه الوارف) فتواه المباركة، لحفظ حياض هذه الأمّة من كلّ دنسٍ وهو يؤكّد على النصر في كلّ حين، ويوصي بحفظ وتوثيق كلّ مشهدٍ من مشاهد هذه الملحمة التي سطّرها أبناءُ هذا البلد بكلّ طوائفه، انبثقت فكرةُ كتابة موسوعةٍ ترسم تاريخ العراق المعاصر، وبمباركةٍ منه لهذه الخطوة وبعهدٍ من أبنائه في العتبة العبّاسية المقدّسة، ابتدأت باسم الله سبحانه وتعالى وبركات المولى أبي الفضل العبّاس عليه السلام أعمال إنجاز موسوعة هي الأولى من نوعها، وبتوجيهٍ مباشر ومتابعةٍ مستمرّة من لدن سماحة المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه).
مبيّناً: ضمّت الموسوعة بين دفّتيها أحداثاً هي الأصعب على مدى تاريخ العراق الحديث، لتُشرق هذه الموسوعة في أربعةٍ وخمسين جزءاً رسمت الملامح منذ أن انطلق هدير الفتوى المبارك في الصحن الحسينيّ الشريف، مروراً باستجابة العراقيّين للفتوى المباركة والعمليّات العسكريّة وتحرير الأراضي وتشكيل لجان الدّعم اللوجستي ولجان إغاثة النازحين والجهود التي بُذلت من قبل أبناء هذا البلد، لتنقل كلّ ما يتعلّق بهذه النهضة المباركة.
كما تناولت هذه الموسوعة دور الحوزة العلميّة وأبناء العتبات المقدّسة والمؤسّسات الحكوميّة وغير الحكوميّة في دعم هذه الفتوى، فضلاً عن دور المواكب الحسينيّة في إسناد المقاتلين، كما كان للدور الإعلاميّ في المعركة حيّزٌ فيها لتكون هذه الموسوعة ذاكرة للأجيال القادمة لتقرأ وتطّلع أنّ العراق كان على حافّة الهاوية، وهناك يدٌ رحيمة ومباركة أنقذته بهذه الفتوى.
وأشار: إنّ العمل على إنجاز هذه الموسوعة تطلّب وقتاً وجهداً كبيرين من قِبل العاملين عليها، من أجل أن تخرج بالصورة التي تليق بهذا الحدث التاريخيّ، وتليق باسم المرجعيّة العُليا والعتبة العبّاسية المقدّسة وبحسب توجيه سماحة السيّد المتولّي الشرعي(دام عزّه)، باستمرار كادر الموسوعة على جمع وتوثيق ما لم نستطع جمعه خلال الفترة الماضية لتشعّب الأحداث -كما لا يخفى- وكثرة التفاصيل التي رافقت تلك الفترة، وكذلك لانشغال القادة الأمنيّين ودوائرهم بالمعارك وما تلاها، لتصدر مستدركات ضمن أجزاء هذه الموسوعة أو كأجزاء منفصلة تُضمّ لها، وعليه نناشد عبر هذا المنبر الشريف كلّ الجهات المعنيّة بتقديم الجهد سواءً كان عسكريّاً أم لوجستيّاً وإعلاميّاً، ليسعنا ضمّه لأجزاء هذه الموسوعة المباركة.
واختتم: تحيّة منّا لصانع النصر والمؤسّس له سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظلّه الوارف)، فبفضل فتواه تحرّرت أرضنا وأهلنا ومقدّساتنا من دنس الإرهاب الداعشي المجرم، ونحن اليوم كادر هذه الموسوعة نقف بينكم بفخر لنضع بين أيديكم الكريمة بعض ما جادت به أنامل وعقول أبنائكم من منتسبي قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة، لنقول: لقد وفينا بعهدنا الذي عاهدنا به المرجعيّة الدينيّة الشريفة قبل سنة، وعاهدناكم عليه ونلتمس العذر عن أيّ قصور، والله الموفّق.
ليتم بعدها الإعلان وإزاحة الستار عن أضخم سفرٍ لتوثيق ملحمة العراقيّين الكبرى بتحرير أرضهم من براثن عصابات داعش الإرهابيّة الذي تحقّق بفضل فتوى المرجعيّة واستجابتهم لها، والذي أصدره قسم الشؤون الفكرية و الثقافية في العتبة العباسية المقدسة كأول وأكبر موسوعة توثيقية للفتوى المباركة بأربعة وخمسين جزءاً.
وقد تخلّل حفل الافتتاح عرض فيلمين وثائقيّين جاء الأوّل بعنوان: (الكبير الذي أوقف الطوفان الأسود)، والآخر كان بعنوان: (تاريخ مشرّف لأبطال العراق).
ومن الأنشطة والفقرات التي تضمّنها برنامج مهرجان فتوى الدّفاع المقدّسة بنسخته الحالية فضلاً عن نسخه السابقة، افتتاح معرض الصور والاصدارات المقام في منطقة ما بين الحرمين الشريفين.
جريدة صدى الروضتين التقت بمعاون رئيس قسم الشؤون الفكرية والثقافية السيد عقيل الياسري فأوضح قائلاً:
للسنة الرابعة على التوالي، تقيم الأمانة العالمة للعتبة العباسية المقدسة مهرجان فتوى الدفاع السنوي هذه الفتوى التي أطلقها المرجع الأعلى سماحة السيد علي السيستاني (دام ظله الوارف) عن أرض العراق ووحدته ومقدساته، فهذا المهرجان يأتي تخليداً لهذه الفتوى المباركة وللشهداء الذين ضحوا من اجل وحدة العراق ونصرته ومن دون تمييز سواء من القوات الأمنية أو الحشد الشعبي المقدس.
وأضاف: لا يخفى على الجميع أن المهرجانات تحتوي على فعاليات متنوعة، وهذا ما دأبت عليه العتبة العباسية المقدسة على أن يكون في هذا المهرجان السنوي المهم جلسات بحثية لأساتذة أكاديميين مختصين من داخل وخارج العراق.
كما كان لقاء مع الشيخ ستار جبار رئيس طائفة الصابئة المندائيين فقال:
في مثل هذه الأيام، اجتاحت عناصر داعش الإرهابية بعض مدن العراق وعاثت في الأرض فساداً وقتلاً وتدميراً وروعت العوائل والسكان الآمنين، وبالتالي كان الخطر قائماً على كل العراقيين ومن مختلف طوائفهم الدينية، لذلك كانت الفتوى المباركة من المرجعية العليا في النجف الاشرف والتي انخرط فيها الآلاف من الرجال الغيارى بمثابة الرد الحازم على قوى الظلام التكفيرية، وجنباً إلى جنب مع قواتنا المسلحة والتي انتصرت بفضل المرجعية العليا، وبفضل ولائهم المطلق للعراق؛ لأن العراق هو خيمة للجميع كما المرجعية هي أيضا خيمة لكل العراقيين، فهذا المهرجان ضروري جداً لتخليد الدماء الزكية التي سالت من أجل العراق، ووفاء لهم يجب أن تدوّن كل الأحداث وأسماء الشهداء وتكريم عوائلهم.
من جهته، بيّن الشيخ كامل الفهداوي الناطق باسم هيئة علماء الرباط المحمدي قائلاً:
إذا أردنا أن نعرف اثر هذه الفتوى على ارض الواقع علينا أن نتذكر تلك الأيام المظلمة التي كان الناس يخرجون من بيوتهم ومدنهم جراء الإرهاب المجرم والمتمثل بداعش، فجاءت الفتوى المباركة لتعيد الأمل والبسمة على شفاه العراقيين، وتعيد العوائل المهجرة إلى بيوتها ومدنها، وهذا اثر عظيم؛ لأنه أُريد للعراق أن يتقسم ويتجزأ فهذه الفتوى أعادت وحدة العراق وهيبته.
علي حسين كاظم أحد الناجين من مجزرة سبايكر من مدينة الديوانية:
دُعيت إلى هذا المهرجان الذي تقيمه الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة في ذكرى فتوى الوجوب الكفائي حيث ان فتوى الجهاد المباركة لها الدور الكبير والاثر الواضح في الانتصارات الكبيرة التي تحققت ضد قوى الظلام.
كما اشكر المرجعية العليا في النجف الاشرف والمتمثلة بسماحة السيد علي السيستاني (دام ظله الوارف) الذي لولاه لما تحقق الانتصار.. داعين الله تعالى أن يمد في عمره الشريف لما له خير وصلاح للمجتمع العراقي بشكل عام وبدون تمييز.