العتبة العباسية المقدسة تضع حجر الأساس لمجمع الوفاء السكني الأول الخاص بعوائل شهداء فرقة العباس عليه السلام القتالية

10-07-2019
طارق الغانمي ‏
وضع وكيل المرجعية الدينية العليا سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزه) حجر الأساس لمجمع الوفاء الأول الخاص بإسكان عوائل شهداء فرقة العباس عليه السلام القتالية في مدينة كربلاء المقدسة، أثناء حفل أقيم في حي ملحق الفارس بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة لفتوى الدفاع المقدسة. وجاء هذا الحفل وفاءً لتضحيات الشهداء وتكريماً لعوائلهم، إذ ارتقوا دفاعاً عن تراب العراق وكتبوا بدمائهم الطاهرة ملاحم خالدة في البطولة والفداء خلال معاركهم المشرفة ضد التنظيمات الإرهابية على امتداد ساحة الوطن.
الحفل استهل بتلاوة آيات من الذكر الحكيم أعقبتها قراءة سورة الفاتحة ترحماً على أرواح شهداء العراق الأبرار، ثم الاستماع للنشيد الوطني العراقي، ثم كانت كلمة وكيل المرجعية الدينية العليا سماحة العلامة السيد أحمد الصافي (دام عزه) المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة، جاء فيها:
الحديث عن الشهداء الأعزة الذين فقدناهم هو حديث شيق من جهة وحزين من جهة أخرى، لكنه من الأحاديث الشيقة هو أن الأمة التي تبذل زهرة شبابها أمة لا تموت، والحمد لله هذه التجربة التي مضت عليها خمس من السنين تجربة رائدة في تاريخ العراق الحديث، ووقف الأعزة وقفة رجل واحد أمام التحديات التي مرت بالبلد، واندفعت بهذا الاندفاع الشعوري المسؤول من أجل أن تحمي البلاد والعباد وقد فعلوا، والدعاء الذي كانت تدعوه المرجعية الدينية العليا وبقية المراجع وعموم الشعب والناس كانت تدعو بالنصر المؤزر، والله تعالى استجاب الدعاء وتحقق نصر، وهذا تاريخ يضاف الى تاريخ هذا البلد الكريم، وخصوصا التاريخ إذا كتب بالدماء سيكون تاريخا قويا وعزيزا وإن كانت سلسلة تاريخ العراق هي مشهورة بالدماء.
أما الأحاديث الحزينة في هذا الجانب فنحن واقعا فقدنا أعزة علينا، عندما نرى صور بعض الإخوة الذين كانت لدينا علاقة طيبة معهم قطعا الإنسان يحزن لفراقه، إخوان أعزة لم نر منهم إلا الخير، لكن الذي يذلل الخطب أنه مهما نقول في مدحهم والثناء عليهم، فإن الله تعالى قد سبقنا وأثنى عليهم هذا الثناء الكبير، الله يخاطبنا يقول: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) وقطعا هذا الشهيد حينما يحيى حياة طيبة في نعيم الله تبارك وتعالى يخفف عنا فراق الأحبة، وهذه الدنيا مهما تكن نحن ضيوف عليها.
الشيء الذي أحب أن أقوله لعوائل الشهداء أن هؤلاء اختاروا الخيرة الموفقة واختاروا طريقا مباركا وهو طريق الشهادة، وليس كل أمنية يتمناها الإنسان في الدنيا يحصل عليها، كثير منا يقرأ في بعض الأدعية ويطلب من الله تعالى أن يرزقه قتلا في سبيله لكن لا يوفق لذلك لسبب أو لآخر، هؤلاء الفتية الذين سبقونا اختاروا هذا الطريق الخالد المهم ورفضوا - أغلبهم كما ترون في زهرة شبابهم - كل الدنيا وما يمكن أن تجود به عليهم، وباعوا هذه الدنيا بثمن هو عند الله سبحانه وتعالى لا شك يعادل الدنيا وما فيها، فهنيئا لهم ثم هنيئا وهنيئا للعوائل الكريمة التي أنجبت هؤلاء الشباب والفتية.
وإن شاء الله تعالى يكون الوفاء لعوائل هؤلاء الشهداء بمستوى المسؤولية، وهذا المشروع إن شاء الله تعالى يكتب له النجاح، لكن نحب أن ننوه الى أنه لابد لنا كشعب أن نهتم بمصادر القوة التي عندنا، ومصادر القوة التي عندنا هي الطاقات البشرية التي دائما ما تكون مستعدة للدفاع عن البلد.
وطبعا هذه الوقفة الآن فيها إشارة أخرى لأهمية ما نريد أن نبين، وهي أن هؤلاء الأعزة لم يملكوا شيئا في هذا البلد ولم يكونوا من العوائل التي قد أترفت في هذا البلد، وإنما من العوائل التي أحبت هذا البلد، وهناك فرق بين من يترف في بلد ولا يشعر بأهميته وبين من يحب البلد وإن أملق، ولذلك هناك حاجة حقيقية للاهتمام بالشهداء من خلال الاهتمام بعوائلهم، وهذه الأخيرة كلنا نفتخر بها.
الآن شهداء العراق محل افتخار في هذه الفتوى المباركة، حقيقة محل افتخار في كل ما نراه وما نسمع به، لابد أن تقفز صور الشهداء أمامنا ولابد أن نرعى الشهداء بكل ما تعني الكلمة من معنى، ونبادر لا أن ننتظر عوائل الشهداء تطرق الباب، لكن لابد لنا نحن أن نطرق الأبواب ولابد أن نسعى لإشعار هذه العوائل بأهمية ما صنع أبناؤها.
وأنا أعتقد شخصيا أن الإعلام بشكل عام مقصر، أن الاهتمامات العامة فيها تخصيص وهناك جهات أخرى قد نسيت الشهداء، وأيضا عندنا من الشهداء من نعبر عنهم بالشهداء الأحياء وهم الجرحى الأعزة، أيضا الذين لا زالوا هم شهودا على ما صنعت عصابات داعش الإجرامية.
نحن علينا كل من موقعه أن يتذكر هؤلاء الإخوة بكلام طيب وبمعونات، واجب علينا توفير ما يمكن أن يوفر لهم من الجانب التعليمي والصحي والنفسي والاجتماعي، جزء من المسؤولية العامة علينا وهذه لا تختص بجهة، نعم.. بعض الجهات قد تكون المسؤولية عليهم أكثر لكن بقية الجهات لا تعفى من المسؤولية، باعتبار هذه الشهادة كانت شهادة لجميع البلد من أقصاه الى أقصاه، وهذه الدماء دماء فتية ولا زالت هذه الدماء طرية، والأرض إذا سقيت من هذه الدماء قطعا ستثمر طاقات خلاقة من أجل بناء هذا البلد، واقعا نتكلم بشكل واضح لابد من الاهتمام بالشهداء من خلال الاهتمام بعوائلهم، ولابد من الاهتمام بالجرحى وبذل الكثير من الاهتمام بشتى الوسائل، وخصوصا أؤكد على المسائل التعليمية والمسائل الإسكانية، باعتبار هذه الأمور أشبه بالحق الطبيعي، حق التعليم وحق السكن من الأمور المهمة.
نحن نتأذى إذا سمعنا أن هناك عائلة لم تأتها حقوقها أو عائلة الى الآن لم يتوفر لها السكن اللائق، وعندما تبحث تجدها من عوائل الشهداء أو لديها جريح الى الآن لا زالت حقوقه غير مكتملة، مع جراحاته ومع ألمه ومع كل ذلك تأخر تقديم العون لهم، قد يكون التأخير مبررا أو غير مبرر لكن هذه الأشياء واقعا تحز في النفس.
هذا المكان إن شاء الله تعالى باكورة عمل أسأل الله تعالى أن يسدد فيه كل الإخوة الذين بذلوا جهدا في سبيل أن تكون هذه اللحظات هي وضع حجر الأساس، وإن شاء الله تعالى أن المدة المذكورة الإخوة سيحثون الخطى من أجل أن لا تتجاوز هذه المدة حتى تكتمل هذه البيوت.
وإن شاء الله تعالى إن وفقنا الله وإياكم ستكون لنا وقفة بعد ستة أشهر في هذا المكان ونحن نفتتح البيوت هنا، والعوائل الكريمة تسكن في أماكنها وفي بيوتها وهذا حق علينا.
نشكركم كثيرا سائلا الله تبارك وتعالى دوام التوفيق والتسديد، وأن يجعل هذا الشعب منيعا من كل سوء وأن يحفظ البلاد والعباد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
لتأتي بعد ذلك كلمة معاون الأمين العام للعتبة العباسية المقدسة والمشرف على فرقة العباس عليه السلام القتالية الاستاذ ميثم الزيدي، مبيناً فيها:
من دواعي الفخر والسرور والعز بين هذه الثلة المباركة وفي هذا اليوم الكريم الذكرى السنوية الخامسة لفتوى المرجع الديني الأعلى سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله الوارف)، الذي أطلق تلك الفتوى الخالدة فتوى الدفاع عن حياض هذا البلد العزيز، وحفظت البلاد والعباد ليس فقط العراق بل كل المنطقة من هذا العدو الداعشي الذي كان يستهدف الإنسانية.
نحن في خدمتكم ونعمل على توصيات المرجعية المباركة من خلال وكيلها سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزه) التي تؤكد على إيلاء عوائل الشهداء أهمية خاصة، لم نجد شيئا نقدمه هدية الى مرجع الفتوى سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله الوارف) في هذه الذكرى الخامسة سوى أن نقدم هذا المشروع البسيط.
مضيفاً: اليوم كان لدينا احتفال لإزاحة الستار عن منجز عسكري، والآن نضع حجر الأساس لمشروع إنساني يمثل الوفاء لعوائل الشهداء، والوفاء لأبطالنا الذين قدموا الغالي والنفيس (والجود بالنفس أقصى غاية الجود)، في سبيل تلبية فتوى هذا المرجع العظيم للدفاع عن حياض هذا البلد العزيز، ونحن عندما تشرفنا بخدمة السيد المرجع الديني الأعلى(دام ظله الوارف) أوصى بعوائل الشهداء ومتابعة شؤونهم.
مؤكداً: هذا المشروع يعتبر باكورة المشاريع على شكل مجمعات سكنية، وأرض هذا المشروع هي تبرع من إحدى العوائل المحسنة الخيرة من أهالي كربلاء المقدسة، التي لم تقبل أن نذكر اسمها الكريم وهو مسجل إن شاء الله عند الله سبحانه وتعالى.
بناء المشروع سوف يكون من خلال قسم الصيانة الهندسية في العتبة العباسية المقدسة، وسيكون كل هذا المنجز من قبل العتبة العباسية المقدسة وبعض الإخوة المحسنين ميسوري الحال.
واختتم الزيدي: نتوسم خيرا في هذا المشروع وإن شاء الله بعد سبعة أيام سيتم الشروع بالعمل، بعد تثبيت الحدود من قبل قسم الصيانة الهندسية في العتبة العباسية المقدسة، والمدة المحددة لإنجازه (6 أشهر) وإن شاء الله تعالى نأتي بعد هذه المدة ونرى البيوت تسكنها عوائل الشهداء.

تلتها كلمة الأستاذ عباس الموسوي ممثل مؤسسة الزهراء B المظلومة التي وجه من خلالها شكره الجزيل إلى وكيل المرجعية الدينية العليا سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزه) وإلى الأستاذ ميثم الزيدي المشرف على فرقة العباس عليه السلام القتالية، لما أولياه من اهتمام ورعاية بهذا المشروع والدعم اللامحدود في سبيل إنشائه.
وإن هذا المشروع السكني ما هو إلا رد جزء بسيط من التضحيات العظيمة التي قدمها الشهداء الأبطال لهذا البلد الكريم.
وفي ختام الحفل وضع حجر الأساس لمجمع الوفاء الأول (دار أم البنين B) الخاص بإسكان عوائل شهداء فرقة العباس عليه السلام القتالية في مدينة كربلاء المقدسة، على أمل أن يتم إنجازه خلال المدة المحددة والبالغة (180) يوما.
ومن جانبه بيّن ذوي الشهداء إلى أن هذه المكرمة تبعث في نفوسهم العزة والشموخ، مؤكدين أن أبناءهم رسموا بتضحياتهم دروب النصر ليسير بهديها ونهجها أبناء الوطن حتى دحر الإرهاب وإعادة الأمن والأمان والسلام إلى ربوع العراق.
ومن جدير بالإشارة: العتبة العباسية المقدسة لم ولن تنسى أسر وذوي الشهداء ومستمرة بالتواصل معهم وتكريمهم بين الحين والأخر ويأتي بشكل متتال حيث توزع عليهم مبالغ مالية وشهادات تقديرية وهدايا عينية وفاءً تجاه بطولات أبنائهم وذويهم الذين ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل عزة العراق.