اللقاء بملعون ...
10-07-2019
لجنة المناسبات
لماذا قتلته..؟
ربما كان يتوقع أن أقدم له فروض الطاعة، واذا بي أفاجئه بسؤال لا يتوقعه اطلاقاً، تردد برهة ثم رأى الاجوبة موجودة في قلب السؤال..
المأمون:ـ من الأسباب التي دعت إلى هذه النهاية المفجعة؛ كوني لم أحصل على ما أريد من توليته للعهد، فقد حدثت لنا فتنة جديدة وهي تمرّد العباسيين على حكومتي، ومحاولتهم القضاء عليّ.
ومن الأسباب التي جعلتني اولا ان أعطي ولاية العهد من بعدي؛ ليرى الناس أنه راغب في الدنيا، فيسقط محلّه من نفوسهم، فلمّا لم يظهر منه في ذلك للناس إلا ما ازداد به فضلاً عندهم، ومحلاً في نفوسهم، وجلبت عليه المتكلمين من البلدان طمعاً من أن يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء، وبسببهم يشتهر نقصه عند العامة، فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئية والبراهمة والملحدين والدهرية، ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين إلا قطعه وألزمه الحجة.
وكان الناس يقولون: والله إنّه أولى بالخلافة من المأمون، فكان أصحاب الأخبار يرفعون ذلك إلي، فاحزن من ذلك ويشتد حسدي.
وكان الرضا لا يُحابيني في حق، وكان يجيبني بما أكره في أكثر الأحوال، فيغيظني ذلك، وأحقد عليه، ولا أظهره له، فلمّا أعيتني الحيلة في أمري فكرت بالتخلص منه نهائيا فقتلته بالسم.
وقد نصحني الإمام عليه السلام بأن أبعده عن ولاية العهد لبغضه لذلك، كان هذا والله السبب فيما آل الأمر إليه.
إضافة إلى ذلك أن بعض وزرائي وقوّادي كانوا يبغضون الإمام عليه السلام ويحسدونه، فكثرت وشاياتهم على الإمام عليه السلام ، فأقدمت على سمّه.
وبدأت علامات الموت تظهر على الإمام عليه السلام بعد أن أكل الرمان أو العنب الذي أطعمته، وبعد خروجي ازدادت حالته الصحية تدهوراً، وكان آخر ما تكلم به: (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ)، (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً).
ودخلت عليه باكياً، ثم مشيت خلف جنازته حافياً حاسراً أقول: (يا أخي لقد ثلم الإسلام بموتك وغلب القدر تقديري فيك) وشققت لحد هارون ودفنته بجنبه.
بعد برهة صمت اطرق رأسه الى الأرض ثم قال لي: أ تدري أن الإمام الرضا عليه السلام كان يعلم بأنه سوف يُقتل، وذلك لروايات وردت عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، إضافة إلى الإلهام الإلهي له، لوصوله إلى قمة السموّ والارتقاء الروحي. ولا غرابة في ذلك فما المانع أن يعلم الإمام الرضا عليه السلام بمقتله وهو الشخصية العظيمة التي ارتبطت بالله تعالى ارتباطاً حقيقياً في سكناتها وحركاتها، وأخلصت له إخلاصاً تاماً.
وقد أخبر الإمام عليه السلام جماعة من الناس بأنّه سيدفن قرب هارون، بقوله عليه السلام : (أنا وهارون كهاتين)، وضم إصبعيه السبابة والوسطى.
وكان هارون أبي يخطب في مسجد المدينة والإمام حاضر، فقال عليه السلام : تروني وإياه ندفن في بيت واحد).
وفي ذات مرّة، خرج هارون من المسجد الحرام من باب، وخرج الإمام من باب آخر فقال عليه السلام : (يا بعد الدار وقرب الملتقى إن طوس ستجمعني وإياه).
أخبر بأنه يموت من قبلي، وأنّه يدفن قرب الرشيد فكان كما أخبر.
وحينما أردت إشخاصه إلى خراسان، جمع عياله وكان عليه السلام يقول: (إني حيث أرادوا الخروج بي من المدينة جمعت عيالي، فأمرتهم أن يبكوا عليّ حتى اسمع، ثم فرقت فيهم اثنى عشر إلف دينار، ثم قلت: أما أني لا أرجع إلى عيالي أبداً).
وقد تقدم أنه أخبر عن عدم إتمام ولاية العهد.
وقال القلقشندي: يقال إنه سمّ في رمّان أكله.
اعدت عليه السؤال ثانية:ـ لماذا قتلته؟ يبدو ان اعادة السؤال اغضبته..! فقال: كنت افكر في التخلص منه.
:... لا يجوز التهاون في أمره، ولكنّا نحتاج أن نضع منه قليلاً قليلاً، حتى نصوّره عند الرعايا بصورة من لا يستحق هذا الأمر، ثم ندبّر فيه بما يحسم عنّا مواد بلائه.
ويأتي موت الإمام عليه السلام بعد قراري بالتوجه إلى العراق ونقل عاصمة حكمي إليه، فقد وجدت أنّ العباسيين في العراق سيبقون معارضين لي ما دام الإمام عليه السلام ولياً لعهده، لذا كتبت لهم لأستميلهم: إنكم نقمتم عليّ بسبب توليتي العهد من بعدي لعلي بن موسى الرضا، وها هو قد مات، فارجعوا إلى السمع والطاعة.