قراءة في مقدمة كتاب.. ثقافة فكر..(33) نهاية حلم/ وهم الإله للأستاذ الدكتور أيمن المصري /القسم الثاني

10-07-2019
علي حسين الخباز ‏
مع كل هذ الآيات البينات، فقد شذت طائفة قليلة من الناس منكرة وجود هذا المبدأ الالهي العظيم، صادمة للبشرية في عقلها ووجدانها، بعد أن اغمضت عيونها وعطلت عقولها متشبثة بشبهات هي اوهن من بيت العنكبوت..!
والاعجب من ذلك كله ان هؤلاء الملحدين مع مخالفتهم الصريحة لضروريات العقل والعلم ولجمهور الفلاسفة والحكماء ولأكثرية كبار العلماء النابغين المعاصرين من الفيزيائيين والاطباء الحاصلين على جوائز نوبل وغيرها، نجدهم يرفعون شعار العقل والعقلانية، ويعدون انفسهم من اتباع المنهج العلمي، ويسعون لأن ينسبوا الالحاد الى كبار الفلاسفة والعلماء، نظرا لضعف مطالبهم، ووهن شبهاتهم وقلة خطرهم على المجتمع البشري، مع وجود الكثير من العلماء والمفكرين الذين ردوا على شبهاتهم، وأبانوا عن مواضع مغالطتهم سواء من المؤمنين أو من كبار الملحدين الذين خرجوا من نفق الالحاد المظلم وعادوا الى نور الايمان من أمثال: سير انتوني فلو، والدكتور مصطفى محمود، والدكتور عبد الوهاب المسيري، وغيرهم من المستبصرين.
لاحظت في السنوات الأخيرة، لاسيما بعد فشل ما يسمى بالإسلام السياسي في العديد من البلدان العربية وظهور الحركات الدينية المتطرفة والسلوك الشائن والانتهازي لبعض العلماء المنتسبين للدين، ان الكثير من الشباب الحائر بدؤوا يخرجون من الدين، ويتجهون الى الالحاد بدوافع نفسانية محضة ولردة فعل على كل ذلك كما هو في الغالب.
ومن هنا بدأت اشعر بالمسؤولية الفكرية والاخلاقية الكبيرة تجاه الانسانية والمجتمع البشري وتجاه الخالق الحكيم، فانبعثت همتي للرد على الالحاد والملحدين، من أجل تنبيههم على تهافت مطالبهم، وضعف مبانيهم ومنطلقاتهم، ولم يكن ذلك مني بدافع الجدل والغلبة والاحتجاج، بل بدافع الشفقة عليهم والارشاد، اذ اعتقد ان الاكثرية الغالبة منهم هم ضحايا المنهج التعليمي العقلاني والثقافة الغربية المادية التي تشعشعت في عقولهم وقلوبهم، وبسبب الكثير من التعصبات المتطرفة والتصرفات السيئة والقبيحة ممن ينسبون انفسهم الى الدين ظلما وزورا أدعياء العلم والفقاهة.
وقد هالني ما سمعته من ان هذا الكتاب قد تم طبع ونشر ملايين النسخ منه بعشرات اللغات المختلفة، وانه قد اصبح بالفعل انجيل الملحدين وفخرهم، حيث زينوا به مواقعهم، واكتظت به مواقع تواصلهم الاجتماعي، واضحى معتمد احتجاجاتهم وملهم افكارهم، الأمر الذي حدا بي الى قراءته، ودفعني الى مطالعته واستقصاء مطالبه بدقه وتأمل، من اجل ان يكون النقد نقدا علميا منطقيا بعيدا عن المهاترات والمجادلات العقيمة.
فقد صدرت كتابي بتقدمة علمية تمهيدية مختصرة عن قواعد التفكير المنطقي الصحيح وفلسفة الوجود وفلسفة العلم بالإضافة الى فلسفة الدين والاخلاق، وكل شيء قد تم اعداده بدقة عالية وعناية فائقة على احسن وجه لاستقبال العالم هنا.
وكان هذا العالم يعلم بقدومنا وينتظر مجيئنا، اثبت علم التشريح وعلم وظائف الاعضاء وعلم الاحياء وغيرها من العلوم الطبية والحيوية، ان جسم الانسان بما يتضمنه من اعضاء خارجية وداخلية وانسجة وخلايا، ووظائف بيولوجية يقوم بها بنحو يحير العقول والألباب، وقد وضع هذا الجسم العجيب والمقتدر وكالة تحت تصرف الانسان وقدراته العقلية الفائقة ليحركه كيفما شاء وأنى شاء باختياره وارادته الحرة، ليكتسب من خلاله شتى الوان العلم والمعرفة ويحقق بواسطته كل ما يحتاجه من كمالات مادية ومعنوية في هذه الحياة الدنيا.
كما اثبتت الفيزياء وعلم الفلك ان جميع الاشياء التي تحيط بالإنسان في هذا العالم من أرض وماء وهواء ونبات وحيوان ونجوم وكواكب قد تم تصميمها بدقة عالية وعناية عظيمة يعجز العقل عن ادراكها، فضلاً عن استقصائها لو اختل احد هذه القوانين الطبيعية على ظهر الكوكب، بحيث لو اختل احد هذه القوانين الطبيعية لتعسرت حياة الانسان في هذا العالم بل لتعذرت، وهذه كلها آيات باهرة وأدلة ساطعة على وجود مهندس حكيم عليم قدير مواجهاته مع كل المتغيرات التي تدور من حوله، وابتلائه بالخير والشر لينظر ـ تعالى ـ اليه كيف يعمل في كل احواله تحت الظروف المختلفة، ليحاسبه بعد ذلك في نشأة اخرى على كل ما اكتسبته يداه من الصالحات والسيئات. ومن الواضح ان هذه الدار بما فيها من تقلب الاحوال والخير والشر وانتهائها بالموت ليست دار قرار ونقاء واستقرار ومن العبث الذي يتنزه عنه الحكيم ان تكون لهذه الحياة بلا غاية، او تكون نهاية المسار، وانقطاع الادوار بل هي بلا شك مقدمة لحياة اخرى بعدها يكون الحساب والجزاء.
ادرك معظم الناس المؤمنين والوثنيين والمتدينين واللا دينيين في كل زمان ومكان وعلى مر الدهور والايام، هذه الحقيقة الساطعة المتمثلة في وجود هذا المبدأ الاعلى الحكيم، لقد دفع غلبة وجوده وسلطانه القاهر على العقول والنفوس ولم يكتف هذا المبدأ الالهي الحكيم بظهوره بآياته في عقول الناس وفي قلوبها، بل ارسل اليهم على مر العصور بلطفه وعنايته آلاف الرسل والانبياء الصادقين في صفوة خلقه مبشرين ومنذرين، ليذكروا الناس بنعمه وآلائه، حاملين معهم كتبه وبياناته التي تمثل في الواقع العيش الكريم والحياة السعيدة.