الإمام علي ع في فكر علماء الاجتماع (المفكر علي الوردي أنموذجاً)

21-06-2019
نرجس هاشم الرميثي
علي الوردي من الكتّاب الذين امتازوا ببعض الواقعية في كلماته ومؤلفاته التي لامست جوهر الحقيقة، مع اختلاف الكثير من المؤلفين مع بعض آرائه الخاصة به والتي تمثل رأيه الخاص وليس حديثنا عنها الان, بل حديثنا حول عنوان يجذب كل من يقرأ له وهو عن شخصية الإمام علي بن أبي طالب ع، فهناك ضخ كبير للمعلومات التي أعاد فيها المصداقية لما تناولته كتب التاريخ.
بيّن الكاتب في أشهر كتابين له: "وعاظ السلاطين ومهزلة العقل البشري" محورية الدور القيادي للإمام علي ع ليس بمستواه كخليفة فقط بل كمربٍ ومفكر، لذا حاول الكاتب كسر فكرة تحديد الإمام علي A كخليفة فقط، محاولاً تبيان دوره في ترجمة الدين لمبادئه الإنسانية.
ولكن الكاتب غفل أو تغافل عن بعض النقاط وعلى ما اعتقده أنه تعمد مواراة بعض الحقائق حتى لا يجابه بالعنف، ففي كل سطر وحرف كتبه حول الإمام علي ع تراه يبين الكارثة التي جنتها الأمة من عدم تولي الإمام علي ع الخلافة، ولكنه يُرجِع بأن الخلفاء أحسنوا صنعاً في مدة خلافتهم لذلك سكت الإمام علي ع عن حقه: "وسكت علي عن حقه الشخصي بالخلافة من أجل الصالح العام" (وعاظ السلاطين – مبحث علي بن أبي طالب).
"وعقيدتي في علي بن أبي طالب أنه لا يريد الخلافة من اجل مصلحته الخاصة إنما كان يريدها لكي يحقق بها مبادئ الثائر الأعظم محمد بن عبد الله" (مهزلة العقل البشري).
إذ كان الكاتب يرمي إلى أنهما كانا جيدين في خلافتهما كمستوى حكام فهم أفضل من خلفاء بني أمية والعباس في إتباعهم سنة النبي محمد J، ولكن الكاتب غفل بأن الأمة بعد رسول الله J كانت في طور بناء والحاكم بالنسبة لهم خليفة الرسول J بكل شيء أفعاله وأقواله، فهم يصلون خلفه جماعة ويتحاكمون عنده وقوله حجة لديهم.
من هنا كان لابد من تقديم العالم الذي يستطيع نيابة الرسول J، هنا وجد الكاتب مطبا آخر وهو كمية الأحاديث الهائلة التي بثها الرسول J في نشأة الجسد الإسلامي حول شخصية الإمام علي A التي تؤهله بشكل كبير لقيادة الأمة، ولكنه لم يجد تفسيرا يفسر به تنحية الإمام A فقال: "ولأن النبي بلا ذرية أحب عليا وقربه العامل النفسي والشخصي مؤثر".
ثم بين الكاتب أن سبب حب النبي للإمام علي كون النبي عليه الصلاة والسلام بلا ذرية لذلك عد الإمام عليا A ابنه وأبناء علي أحفاد الرسول J.
هذا الاستنتاج لا يليق بالمنهج الذي ادعى الوردي اتباعه، وإن ما نراه في هذا الرأي هو عدم الواقعية؛ لأن النبي محمدا J ليس شيخ عشيرة يقودهم بالأمور الدنيوية ويحل أمورهم العالقة ، فالنبي متبع للوحي أي تصرفه منه هو انعكاس لأمر السماء، فإذن قوله حجة وأمره مطاع على من يعتقد بالإسلام دينا له والا فإنه خارج عن ملة الإسلام وليس منها مهما حدث، ما قاله الرسول الأكرم J حول الإمام علي A هو تحديد مسار الطريق لتسير عليه الأمة بعد ذلك.
لكن الكاتب حاول تقوية فكرته فأردف يقول بأن النبي أراد تهيئة الأمة من اجل ان يتقبلوا الإمام عليا A طوعاً وكان مصيباً مبدئياً لابد ان تنقاد الأمة لأمر نبيها فهو أمر الله تعالى؛ لأن النبي لم يكن يود للأمة فقط قائدا عسكريا يفتح لهم بلاد الكفر، ولم يرد قاضيا يقضي بينهم في ما تنزعوا في أمر دنياهم، بل بالأساس أراد إماما يفسر القرآن حتى لا يأتي من يفسره فيردي القرآن سلاحا فتاكا يقتل بسببه آلاف من البشر.
علي الوردي مدرك لهذه الحقيقة وستراها بين سطوره: "فلولا علي بن أبي طالب لكان الإسلام من طراز الأديان التي تدعو الى الفتح والسيطرة والاستعمار وانتفت عنه الرحمة التي بعث من اجلها محمد بن عبد الله".
الاستراتيجية التي اتبعها الإمام علي في نظره "كانت بناء للأمة على المدى البعيد حيث انه حاول بناء الداخل ونقل التفسير الصحيح للأمة" (مهزلة العقل البشري).
وقد كانت رؤية الكاتب تصب في فهم الإمام علي A للنص الديني أو فهم روح الإسلام، لذلك رأى الوردي بأن "دين محمد بن عبد الله دفن مع علي بن أبي طالب في قبره" نقلاً منه للمأساة التي جنتها الأمة من خلال التفريط بمنهج الإمام علي A، والذهاب خلف عقلية بني أمية والعباس.
فهو لم يشر لفشل الأطراف، وحين أحس القارئ منه في كتاب وعاظ السلاطين تبينه وتشديده على مكانة الإمام علي A ودوره في كتابه وعاظ السلاطين تدارك الموقف بأن رفد البحث ببحث آخر في مهزلة العقل البشري ليبين بأن الجميع كانوا جيدين في حكمهم وخطواتهم المتبعة في تنحية الإمام علي A مشفوعة بسيرتهم الحسنة، وأن انثيالهم على السلطة شيء مشروع "لأنه يحق لمن يجد في نفسه الكفاءة بالتقدم للحكم" (مهزلة العقل البشري – بحث علي وعمر)، وكأنه نسي بأنهم صحابته الأقربون ولابد أنهم أطوع الناس لحديثه.
"فعمر يرى أبا بكر الأحق بالخلافة؛ لأنه أراد الخلافة بعده" إذن ليس من باب الأفضلية، نعم الركض خلف الخلافة شيء مشروع بنظر الوردي..!
أردف تعقيبا عن خلافة عمر "وكثيرا ما كان يخالف أمرا صريحا جاء به القرآن أو قال به النبي اجتهاداً منه في سبيل الصالح العام" (وعاظ السلاطين)..! وعلى ما أظنه كان يقصد عدم تسليم الخلافة للإمام علي A؛ لأنه أردف في كتابه مهزلة العقل البشري بأن عمر أدرك عمق حقد قريش للإمام علي A لذلك لم يقبل تسلم الإمام علي A الخلافة للصالح العام..!
يعقب الوردي ايضاً حول حادثة مصيبة يوم الخميس حين التحق النبي الأكرم J للرفيق الأعلى وضح أن امتناع الصحابة عن السماع للرسول في آخر وصاياه لعلمهم بأن الرسول J سوف يشير للإمام علي A بالخلافة، ولأنهم أرادوا حفظ الصالح العام... ولا اعلم ما الصالح العالم من ذلك..؟
وهذا ليس إلا الترقيع التاريخي...
حرب الإمام علي A ضد معاوية كان عنوانا مهما بحث فيه الكاتب في الكثير من بحوثه، لقد حاول نقل القارئ إلى مرسى المبادئ التي عاشها الإمام علي A في كل خطواته في الحرب والسلم، لذلك انتقد الفهم الإسلامي العام لحروب الإمام عليA وردّ على الذين رأوا في حروب A هي قتل للمسلمين وتفتيت لوحدتهم.
"في حرب علي على معاوية كان علي يحمل شعار لقد قاتلتكم قبل على التنزيل والان قاتلكم على التأويل"، ثم أردف الوردي بأن وحدة المسلمين لا معنى لها إذ كان وحدتهم على باطل وخطأ.
"يصف خصوم علي بأنه سفك دم المسلمين وهذا الوصف ذاته هو الذي قال به أعداء حين سموه بنبي الحرب كأنهم يظنون أن مكافحة الظلمة والمترفين أمر هين جداً يستطيع أن يقوم به المصلح عن طريق الخطب والمواعظ الرنانة" (مهزلة العقل البشري).
"فالإمام علي إذن لا يهتم بوحدة الجماعة بقدر اهتمامه باستقامة المبدأ الذي يسعى نحوه" (مهزلة العقل البشري).
تصدى الكاتب للتساؤل الذي طبل به المخالفون للإمام علي A حيث تساءلوا عن سبب تفرق الناس عن أبي الحسن A، فإذا كان عادلا لما تفرق الناس عنه حتى أن أخاه عقيلا تركه؟
فبين الكاتب بأن ذلك الزمن تنعدم فيه وسائل الإعلام والوعي الذي يؤهل الشعوب للاختيار الصحيح من باب، ومن باب آخر بين بأن ابا الحسن هو منارة العدالة وليس الجميع يتحمل عدالته فهو قسّم العطاء بالتساوي مما دفع رؤساء القبائل والأغنياء بالاستياء لمساواتهم بالموالي والعبيد.
لذلك قال الوردي: "يظلم الباحثون على حين يرونه كخليفة هو ثائر وبقي ثائرا ومات وهو ثائر" (مهزلة العقل البشري).
لذلك حاول الوردي أن يخلص هذه الشخصية من النفس الطائفي لذلك حارب نظرية الأفضلية بين الأصحاب وترك الأمر للناس لتتعلم المبادئ من نبعها الصافي الإمام علي بن أبي طالب A، لم يحاول مهاجمة السيدة عائشة في بحوثه، ولكنه وصف ما فعلته بالفضيحة التاريخية والاجتماعية في حرب الجمل في مقابل دور الإمام علي A الذي لم تهزه في نصرة دين الله شبهه أو اسم.
"يبدو أن عليا كان على بصيرة ثابتة في أمره، فهو لا يبالي بأحاديث النبي بقدر ما يبالي بالهدف الاجتماعي الذي سعى نحوه النبي" (مهزلة العقل البشري)، وكان مقصد الوردي في كلمته هذه ردا على من اعترض عليه بالأحاديث التي قالها النبي J في السيدة عائشة حيث اعتبروها تدعم أحقية السيدة عائشة في الحرب ضد الإمام علي A فهنا وضح بأن الحرب حرب مبادئ خاضها الإمام علي بثقة في حين ندم طلحة والزبير وعائشة بحربهم ضده.
لم يترك الإمام علي A ليقود الأمة ويعلمهم ويرسي مبادئ الدين بل بقي الطلقاء والمسلمون بالاسم يحكمون ويفسر علماء القصور الدين بما يليق ساداتهم.
حين يتولى الحكم خالد بن الوليد ومروان بن الحكم، فبالتأكيد سيكون الواقع الإسلامي داعش والقاعدة.