المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا: نحتاجُ أن نُراجعَ ذاتَنا في هذا الشهرِ المباركِ ونُقيّمَ مسيرة حياتِنا ونصلِحَها...

11-06-2019
شبكة الكفيل العالمية
المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا: نحتاجُ أن نُراجعَ ذاتَنا
في هذا الشهرِ المباركِ ونُقيّمَ مسيرة حياتِنا ونصلِحَها...
أشارت المرجعية الدينية العليا الى مسألة التقاطع والهجران والتباعد، والشقاق بين المؤمنين، بسبب أنّ هذه الحياة فيها تنافس وصراع ومشاكل والكثير من الأزمات والاختلاف في الأفكار والآراء والمعتقدات، هذا الاحتكاك بين الناس يولّد الكثير من الأحقاد والكثير من الحسد والكثير من المشاكل والأزمات، فيؤدّي الى التقاطع في العلاقات والتدابر والهجران.جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة في (19 رمضان المكرّم 1440هـ) الموافق لـ(24 آيار 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الطاهر، وكانت بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزّه)، وهذا نصّها: أيّها الإخوة والأخوات، كيف نوظّف معطيات وبركات شهر رمضان المبارك لنُصلح منظومة العلاقات الاجتماعيّة؟ الإنسان في حياته الدنيويّة بحاجةٍ الى إصلاح منظومة العلاقات مع أرحامه ومع أصدقائه ومع إخوانه ومع بقيّة أفراد المجتمع، ونلاحظ في كثيرٍ من الأحيان أنّ الأئمّة المعصومين D في أحاديثهم عن شهر رمضان يذكرون العبارة التالية: (لا تجعلْ يومَ صومِك كيومِ فطرِك)، لماذا يكرّر الأئمّة D هذه العبارة؟ وما هو مقصودهم؟ كأنّه هنا شهر رمضان فيه خصوصيّة، هذه الأجواء الإيمانيّة والبركات والفضل الإلهي يجعل القلوب رقيقة، والنفوس لديها سرعة التأثّر والاستجابة للمواعظ والنصائح، وقابلة للتأثّر أكثر من بقيّة الأشهر، ونحن في حياتنا نتعرّض الى الأخطاء والزلّات والعثرات، ونتخلّف عن جادّة الإصلاح والاستقامة في حياتنا، فنحتاج أن نراجع ذاتنا فرداً ومجتمعاً بصورةٍ دائميّة وننظر في أخطائنا وزلّاتنا وعثراتنا وذنوبنا وآثامنا وما يعتري هذه المسيرة من إخفاقاتٍ وفشل، نراجع الذات لنقوّم مسيرة حياتنا ونصلحها فشهر رمضان فيه فرصة أفضل من بقيّة الشهور كما نلاحظ ذلك.
من جملة الأمور التي تهدّدنا هي مسألة التقاطع والهجران والتباعد، بتعبير آخر (الزعل) والشقاق بين المؤمنين؛ بسبب أنّ هذه الحياة فيها تنافس وصراع ومشاكل والكثير من الأزمات والاختلاف في الأفكار والآراء والمعتقدات، هذا الاحتكاك بين الناس يولّد الكثير من الأحقاد والكثير من الحسد والكثير من المشاكل والأزمات، فيؤدّي الى التقاطع في العلاقات والتدابر والهجران، ما هي المشكلة في ذلك؟ نلتفت الى هذه القضيّة وهي أنّ الإسلام والأئمّة المعصومين D أرادوا من المجتمع الإسلاميّ أن يكون قويّاً متماسكاً في علاقاته الاجتماعيّة، حتّى تكون له القدرة على تجاوز المشاكل والأزمات والمحن بنجاحٍ وأن يواجه الأعداء بقوّة، الأعداء إذا وجودوا مجتمعاً ضعيفاً غير متماسك استطاعوا اختراقه والتأثير فيه هذا واحد، الشيء الثاني أنّ المعصومين D أرادوا أن نُظهر للآخرين مبادئنا وقيمنا في التراحم والتكاتف والتعاون والتآزر، ولم يريدوا منّا أن يَظهر للآخرين أنّنا متقاطعون متدابرون متهاجرون ضعفاء.
علاقاتنا الاجتماعيّة يشوبها التقاطع والعداء والحقد والحسد، بل أرادوا أن نُظهر للآخرين صفة التراحم بيننا، وهذا التكاتف والصفح والعفو والأخلاق السامية ونُظهر حقيقة الإسلام للآخرين، لذلك حثّوا في كثيرٍ من الأحاديث على أن نتجنّب في علاقاتنا حالات التقاطع والهجران، طبيعة الحياة هكذا فيها الكثير من المشاكل والاختلافات والتناحر والصراع الذي يؤدّي الى القطيعة في العلاقات بين أفراد المجتمع.
في شهر رمضان وفي أحاديث المعصومين D يقولون ما معناه: (أنتم ترقّ قلوبكم)، الله تعالى يجعل الأجواء الإيمانيّة تؤدّي الى هذا التأثير، النفوس تستجيب أسرع، لذلك اغتنموا هذه الفرصة فإذا كان في علاقاتكم مع أرحامكم مع جيرانكم وإخوانكم المؤمنين تقاطعٌ وهجران وتباعد أصلحوا هذه العلاقة واغتنموا فرصة شهر رمضان المبارك، وراجعوا علاقاتكم مع الآخرين وأصلحوا هذه العلاقة، لذلك في دعاء الإمام السجّاد A إذا دخل شهر رمضان، هي ألفاظ بصيغة الدعاء، ولكنّها تمثّل منهلاً معرفيّاً وأخلاقيّاً واجتماعيّاً كما بيّنّا في خطبةٍ سابقة: (ووفّقنا فيه بكفّ الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك)، أن نوفّق في شهر رمضان للصيام وأيضاً البصر والأذن واليد والرجل الجوارح كلّها الآن نكفّها ونمنعها عن المعاصي ونستعملها في طاعة الله تعالى.
الآن لدينا مقاطع أخرى في هذا الدعاء والتفتوا اليه، يصبّ في كيفيّة إصلاح منظومة العلاقات الاجتماعيّة بيننا، التي يشوبها خلال أيّام السنة من التقاطع والحسد والعداوة والأحقاد، فيقول A في الدعاء: (ووفّقنا فيه لأنْ نصل أرحامنا بالبِرّ والصلة، وأن نتعاهد جيراننا بالإفضال والعطيّة، وأن نخلّص أموالنا من التبعات ونطهّرها بإخراج الزكوات، وأن نراجع من هاجرنا وننصف من ظلمنا ونسالم من عادانا). نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لأن نلتزم بهذه المبادئ التي توصلنا الى التقوى، وترويض النفس وتحسين الأخلاق وتهذيب النفوس، وأن نبني منظومة علاقاتٍ اجتماعيّة صالحة وناجحة.