المَرجَعيَّةُ الدِّينيَّةُ العُليَا الشَريفَةُ ::- توجّه بضرورة تحويل خُلُقِ الرحمة والتراحم إلى نظامٍ للحياةِ وحالةٍ مُجتمعيَّةٍ وليست فرديّة – وعلى رأس ذلك النظام السياسي فيجب أن يكون قوامُه الرحمةَ والتراحمَ – والحاكم الذي بيده السلطة مَعنيٌّ بذلك ، وعليه أن يُفكّرَ ويعملَ لمصالح الشعب وخدمته وقضاء حوائجه .

07-06-2019
خاص صدى الروضتين
مِن مقوّماتِ الحاكمِ الناجح الرحمةُ وخِدمَةُ الشعبِ والطبقاتِ المُستَضعَفَةِ وبسط عدله على الملايين " وأخطر جريمة بحقّ الإنسان أن يَحرمَ نفسَه مِن حقّ الحياة بالانتحار ، و ظاهرة الانتحار هي خللٌ مُجتمعي وخللٌ في مؤسسّات الدولة والمطلوب منّا أن نرحمَ أنفسنا بوقايتها مِن المَهالك ونوازع الشرّ في دواخلنا.
أهمُّ مَا جَاءَ في خِطَابِ المَرجَعيَّةِ الدِّينيّةِ العُليَا الشَريفَةِ , اليَوم, الجُمْعَة ، الثالث من شوال 1440 هجري، السابع من حزيران ، 2019م ، وعَلَى لِسَانِ وَكيلِهَا الشَرعي، سماحة الشيخ عبد المَهدي الكربلائي ، دامَ عِزّه ، خَطيب وإمَام الجُمعَةِ فِي الحَرَمِ الحُسَيني المُقَدّسِ ومما جاء فيها:
1:- إنَّ مِن أهمِّ المبادئ الأخلاقيَّةِ الضروريّة للفرد والمُجتمع هي الرحمة الإنسانيّة والتراحم ودورها في بناء حياة الأسرة والمُجتمع معاً ، وتجنّب القسوة والعنف والغلظة في التعامل والسلوك.
2:- إذا تأمّلنا في القرآن الكريم فسنجده أنَّه قد ذكرَ أسماء اللهِ تعالى وصفاته والتي أساسها الرحمة ب ( ثلاث مئة ) مرّة ، وذلك لأهميّتها ، ومنها اللطف والحنّان والمنّان والعفو وغير ها.
3:- إنَّ أحدَ أهمّ صفات الأنبياء والأوصياء هي الرحمةُ ، وقد وصف اللهُ تعالى نبينا مُحَمّد ’ ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107))) الأنبياء ،، وقد كانت صفة الرحمة عند النبي الأكرم أساساً في جميع مناهج حياته إلّا في موارد تخضع للحكمة .
4:- وكذلك كانت الرحمة من أهمّ صفات المؤمنين الصادقين في ولائهم ، وأساس التعامل الاجتماعي في ما بينهم ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (29) )) الفتح
5:- ينبغي أن تكون الرحمة الأساس في نظام الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والمَعيشيّة وحتى السياسيّة .
6:- ولأهميّة الرحمة فقد أودعها اللهُ سبحانه في فطرة الإنسان مؤمناً أو غير مؤمن ، فهي مودعةٌ في أصل خلقته وتكوينه الإنساني الأصيل ، ومن دونها لا يكون الإنسانُ إنساناً .
7:- ومن الضروري أن نتّصفَ بالرحمة حتى يرحمنا اللهُ ونرحم بعضنا بعضا ،وقد أكّدت الأحاديث الشريفة على ذلك ( لا يرحم اللهُ مَن لا يرحم الناسَ )
(الراحمون يرحمهم اللهُ )( ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء )
8:- وعلى الإنسانِ أن يرحمَ نفسه بوقايتها من نوازع الشرور في دواخله ،
ولا يجوز له حرمانها من حقّ الحياة بالانتحار لأسباب نفسيّة أو معيشيّة أو فشل في الامتحان – وظاهرة الانتحار هي ظاهرة خطيرة وجريمة بحقّ النفس المُحترَمة ، وهي خللٌ مُجتمعي وخللٌ في مؤسسّات الدولة .
9:- إنَّ سببَ ظاهرة الانتحار هو عدم اهتمام المُجتمع والدّولة بالبناء المعنوي والنفسي والقيمي للفرد والأسرة والانشغال بالبناء المادّي ، وقد قال اللهُ تعالى :
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6))) التحريم .
10: - ولقد أوّل ما أوصى به الإمامُ عليٌّ أمير المؤمنين ، عليه السلام ، في عهده لمالك الأشتر هو الرحمة بالرعيّة والشعب والاهتمام بهم (وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ - والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ - ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ - فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ - وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ)
نهج البلاغة ، ت ، د ، صبحي الصالح ، ص 427 :
11: يجب أن تكون الرحمةُ ظاهرةً مُجتمعيّةً بدلاً مِن العنف والقسوة ، وبدءاً من رحمة الآباء بالأبناء والأزواج بأزواجهم والإخوة والأخوات بعضهم ببعض – ورحمة أفراد المجتمع في ما بينهم ،( ومثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائره بالحمّى والسهر ).