سيناريو الذاكرة..

03-06-2019
لجنة التدوين القصصي
سيناريو الذاكرة..
القاضي العادل:
كان هناك قاضٍ يقول: انا ضميري اكبر من قوانينكم، فكان يحكم احكاما في غاية من الحكمة، ويعمل بأسلوب الجزاء من جنس العمل، قدموا له سبعة شباب كانوا يقطعون الشجر ويبيعونه حطبا، اصدر حكما عليهم بزرع 70 شجرة، وقدموا له شابا تجاوز على رجل كبير السن، فأصدر حكماً بأن يخدم في دار العجزة لمدة سنة، وحكم على لص سرق قميصا من محل فحكم عليه ان يحمل لوحة كتب عليها (السرقة حرام) ولمدة اسبوعين، حكم على طبيب مخمور بأن يلقي في المدارس محاضرات عن اضرار الكحول وأخيرا اشتكى عليه القضاة بتهمة عدم الالتزام بالقوانين..!

الوصية:
جلس في زوايا المجلس يستمع لمحاورتي مع من يدعون الالحاد، وجدته غير مرتاح اطلاقا، انظر اليه وكأنه غير راض عن مستوى محاورتي او مداليل المناقشة، لكن الذي عرفته انه مريض وحضر المجلس محمولا من قبل أولاده.
وعند الصباح سمعت نبأ رحيله، في مراسيم جنازته، شاورني احد أولاده بأن ابني ترك لك وصية بالاسم، وبقيت متحمسا لقراءة تلك الوصية لكن الأولاد منشغلون بمراسيم المأتم ومجلس الفاتحة، اريد ان اطلبهم بالوصية التي تركها لي، والناس مستغربة فعلاً أن يترك الجميع ويحرر وصيته لي، المهم وصلتني الرسالة وكتب عليها وصية: يا سبحان الله، وكأنه يعلم آخر ما سيكتبه هذه الرسالة، قرأت الرسالة (الوصية):
(بني علي.. انتبه لي كي تستوعب المطلوب منك، لقد ادهشتني لقابليتك في المحاورة لكن عليك ان تدرك مسألة واحدة هي ان الماديين ينسبون الاحاسيس بما فيها الاخلاق الى المادة بطريقة غير علمية ابدا، اي يعتمدون على الظن، وهذا نوع من الميتافيزيقا الالحادية.. تقطع بمادية الافكار والمشاعر دون ان تقدم دليلاً..! بينما تطالب الآخرين بالدليل على كل شيء..! وبما أن المشاعر والافكار غير مادية، اذن هناك عالم ووجود معنوي في داخلنا.. وهناك عالم روحي هو الذي يحركنا ..
وعليه يكون نفيهم للروح نفيا غير علمي؛ لأنهم لم يثبتوا مادية ما ينسب إلى الروح من صفات.. ونحن في عصر العلم، وهم لا علم لهم بهذا المجال، يريدوننا ان نصدق بموجب الثقة، بالجلابيب العلمية التي يلبسونها وصور واشكال القناني والانابيب التي امامهم، اي بالاستوديو ..
كانوا قديما هناك يتحكمون بالناس باسم الدين، والآن حلت كنيسة العلم محل كنيسة الدين، وهذه اللعبة ايضا لا تنطلي على من يعتمد على تفكيره، ولا يعطي الثقة لأحد سوى عقله.. مثلما لم تنطلِ عليه اللعبة السابقة.. فإياك ان تحاورهم لأنك ستصنع لهم قيمة غير موجودة، وتعطيهم حجما لا يستحقونه).

السقّاء:
كان السيد حسين في بداية شبابه يعمل سقاء وقد ورث السقاية عن البيت حيث كان الاب من اقدم السقائين المعروفين في كربلاء، وله اخ كبير أيضا كان يعمل سقاء وبقي على مهنته الى السبعينيات من القرن المنصرم.
الان هو رجل كبير لكن له هوس عال في الماء، اليوم اذا رأى علبة ماء لم يشرب الا نصفها يتكدر حاله فيصيح تضيعون الماء في قنانيكم وترمونها الى القمامة، بدل ان ترميها اسقي بها شجرة، وهذه هي معنى المحافظة على النعمة، علينا ان نعرف قيمة الماء، لنبطل الاسراف.
الانسان يعرف قيمة الماء ساعة العطش، لقد كان همه قبل ان يخصص من داره سقاية تروي المارة والزوار، قلت للأولاد: لماذا لا تسعون الى تحديثها؟ قالوا: الوالد لم يقبل وقال: ان ماء (حبوب) الفخار ماء مبرد طبيعي، ولا يقبل لأحد ان يسقي تلك الحبوب سواه، واما في عاشوراء فكان يرتدي ملابس السقاية ويوزع الماء كأيام زمان بالشرابي، وينادي: (اشرب الماء واذكر عطش الحسين)، وانا كنت كلما أرى هذا الرجل ألعن يزيد واتذكر عطش الحسين، أخيراً مات الرجل قبل أيام لكن لم تمت سقايته.

العيدية:
الموقف الإنساني لا يحتاج الى مصدر، هذه القصة طالما سمعتها من أهلنا، وهي من القصص الشائعة والمعروفة، ووجدتها على صفحات المنتديات بلهجات مختلفة، المهم أن الطفلة دخلت فرحانة إلى البيت، والى غرفة استقبال الرجال، حيث كان والدها المقعد يستقبل المعايدين، وهي تحمل كيساً به صندوق كرتوني وضعته في حجره.
وقالت له: «هذا من فلوس عيديتي يا بابا»، وفتح الأب الصندوق، ليجد حذاءً لا يمكن أن ينتعله؛ بسبب إعاقته، احتضن طفلته، دفع موقفها الحاضرين إلى تعويضها عن العيدية ما جعلها تطير فرحاً، آثرت حرمان نفسها من (العيدية)، من أجل زرع البسمة على شفتي والدها.