محاورة مع كتاب.. (اتجاه الدين في مناحي الحياة) لسماحة السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه)القسم 13

03-06-2019
علي حسين الخباز ‏
محاورة مع كتاب..
(اتجاه الدين في مناحي الحياة)
لسماحة السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه)
- قد يسعى بعض الناس للارتباط ببعض الكائنات، لا سيما الجن، ويمارس رياضات مضنية للوصول الى ذلك رغبة في قدراتهم المتميزة فيحاولون تسخير الجن والانتفاع بقدراته الخارقة؟
الكتاب: إن النشاطات المعنوية في الخطاب والدعاء والاستعانة تنحصر وفق المنظور الديني بالله سبحانه وتعالى حصراً؛ لكون الانسان قد فطر على التوجه اليه والاستمداد منه، ولا ينصح ممارسة لك اتجاه أي كائن روحاني كالملائكة والجن، بل لا جدوى في ذلك.
يرى علم النفس ان كل ما يعد من قبيل ارتباط الانسان بها ورؤيته لها ضربا من الهلوسات البصرية والسمعية والتخيلات المحضة هي نشاطات غريبة في العقل الباطن كالتي تحدث للإنسان في المنام فهي تحدث في اليقظة من جهة اختلال في الوعي عندها من جهة خلل عضوي او عقلي او نفسي.
أما الملائكة فهم كائنات خيرة روحانية تعبد الله سبحانه بعضها تتفرغ لعبادته وبعضها الاخر تقوم بأدوار وظفت لها وهي او بعضها ناظرة الى أحوال الانسان بحسب طبيعة وجودهم بالقياس الى وجود الانسان تستأنس بالعمل الفاضل والخير وقد تدعو وتستغفر للإنسان كما جاء في القرآن الكريم.
وقد تقوم الملائكة بأدوار في شأن الانسان: كالإيحاءات الإيجابية الداعية الى الخير والمثوبة على الفضيلة الا انه في كل ذلك أدوات محضة للإرادة الإلهية كما هو الحال في السنة الطبيعية للحياة والتي كلها جنود لله سبحانه وتعالى، أليس من شأن ذلك ان يوجب سعي الانسان الى الارتباط بهم والالتجاء اليهم وانما الصحيح ان يتوجه الانسان الى الله تعالى فيسخر منهم له ما شاء.
الملائكة أدوات مسخرة لله سبحانه لوظائف من جملتها الإيحاء الإيجابي والعون للإنسان في الحالات التي يأذن الله سبحانه بذلك ولكن على الانسان ان يتوجه الى الله سبحانه ويسأله ويناجيه، وطبيعة الجن كائنات روحانية يعتريهم الخير والشر: كالإنسان، وقد يتميزون على الانسان ببعض القدرات مثل الاطلاع على أمور بعيدة او مستقبلية او التمكن من انجاز اعمال يعجز عنها الانسان من جهة لطافة وجودهم يشهدون كالملائكة وجود الانسان بحكم كون طبيعة وجودهم الطف من وجود الانسان نفسه، الا ان الانسان عموما معزول عن عالمهم وهو ما يؤدي الى عدم كون الارتباط بهم عمليا ونافعا للإنسان.
الالتجاء اليهم لا يزيد الانسان خيرا ولا سعادة بل يوجب له زيادة في العناء والشقاء كما يظهر بملاحظة أحوال المعنيين الارتباط بهم في المجتمعات المختلفة فلن تجد ان احدهم اثرى او سعد او اكتسب شيئا ذا بال في هذا المسعى وجاء في القران الكريم: (وَأَنهُ كانَ رجَالٌ منَ الإِنسِ يَعُوذُونَ برجَالٍ مّنَ الجِنِّ فَزَادُوهُم رَهَقًا) (سورة الجن: 6).
الجن بحكم كونه صنو الانس فان فيهم من يشعر حسب ما يظهر من النصوص الدينية بالغيرة تجاه الانس، ويسعى للتأثير السلبي عليهم من خلال الإيحاء النفسي السيء المثبط عن الاعتدال العقلي والنفسي والمعرفي والأخلاقي.
اما قصة الله سبحانه وتعالى من حديث سليمان النبي A مع الجن فإنما كان بتسخير الله سبحانه الجن له. وقد يحتمل ان الحكمة فيها انطباع ذلك المجتمع عن عظمة الجن وجبروته وهيمنته على الانس فأراد الله تعالى استجابة لطلب سليمان ان يشعرهم بتسخير بعض الجن لخدمة الإنس حتى يقلع الناس عن هذا الوهم.
امر الله سبحانه وتعالى الانسان بالتعوذ من اشرارهم والتعليم العام في الدين انه لا يلتفت الانسان أصلا الى عامة الجن ولا يعتني بهم واذا التفت اليهم يتعوذ من شرور اشرارهم، فان الله سبحانه كفيل بدفع شرهم لمن وثق به واطمئن الى نصيحته ومن اعتنى بهم فقد فتح لهم مسارب في نفسه فخلق أرضية لنشاطهم حوله بالإيحاء السيء اليه وليس من شأن المؤمن بالله سبحانه ان يدخل هذه المداخل والمزالق.
لقد كان الناس في الجاهلية ولا يزالون يحوكون أمورا كثيرة حول الجن وقدراتهم وتدخلهم في شؤون الانسان وينسبون جملة من الامراض العقلية والنفسية والجسدية الى الجن فيعتقدون انه قد يتراءى لبعض اهل الرياضة هذا ولم ينف الدين وجود قدرات ايحائية سلبية لهم في داخل الانسان بما يؤدي الى شيء من الاضطراب، لكنه يحتاج الى أرضية في داخل الشخص ورد الناس عن التفكير في هذا الامر وامرهم بالاقتصار على التعوذ منهم عند وجود هواجس منهم والثقة بالله سبحانه في دفع شرورهم لتخليص الناس عن أرضية التأثر بهم والاوهام العالقة في اذهانهم بشأن تدخل الاجنة في حياتهم. وارشاد الدين يقتصر على ذكر الله سبحانه والتعوذ به عند وجود هذه الخواطر والثقة به.
- والشيطان ما هو تأثيره السلبي على الانسان؟
الكتاب: هو كائن سيء معني بالإيحاء السلبي الى الانسان وسوقه الى الوهم المعرفي والأخلاقي؛ لكونه بحكم لطافته وطبيعة وجوده واقفا على أحوال الانسان وذهنياته ونفسياته وقادر على ضرب من التأثير عليها وليس للإنسان على العموم سبيل واضح لإدراك وجود الملائكة تجعل من المحتمل انبثاق عموم الايحاءات الإيجابية والسلبية منها هي وليس من كائن خارجي. كان أهل العلم او بعض أهل العلم يرى في بعض حالات الانسان دليلاً على تأثير الجن كما نجده في بعض الناس من وجود حالة غريبة عنه فجأة بعدة دقائق يصدر منهم أصوات وانفعالات مخيفة وغير مألوفة وغير مناسبة لما يعلم من شخصيتهم واحوالهم على العموم قبل طرو تلك الحالة وبعدها ويذكرون انهم شاهدوا فجأة كائنات غريبة ومخيفة أدى بهم الى ذلك يدعى ان هذه الحالة لا سبب لطروها فهي قد تكون بحدوثها تحتل النشاطات الذهنية الاعتيادية الا ان هذه الاختلال المفاجئ ليس سببا فمن الناس من يستبعد وجود الملائكة والجن أصلاً كأنه يدعي ورود الدين به انما هو مسايرة له هذا امر خاطئ فانه لا استبعاد في اصل وجود الجن تبين ان الانسان يجهل كثيرا من شؤون المادة التي تسمى بالمادة المظلمة يحتاج ان تكون هي الجزء الغالب من مكونات الكون بل احتمل بعض علماء الطبيعة وجود اكوان كثيرة متداخلة مع هذا الكون المادي بشكل تلقائي إصرار الانسان على نفسي ما لا حجة عليه مخالفة للسنن العلمية ليس غرابة شيء في ذهن الانسان مبدأ علمي كاف لنفيه، فلو كان باطلا من اصله لم يرد الإذعان في النصوص المقدسة كالقرآن الكريم، فان من غير المعقول ان يرد الدين بشيء لمجرد المسايرة، فان الدين انما جاء لترشيد الادراكات ولاسيما في الأمور الروحانية التي يتوسع الانسان فيها بالتخييل والوهم، ولكن الدين وجه الانسان الى الله تعالى كما اوصى بالابتعاد عن الجن وابان عن عدم نفع له على العموم للإنسان وعلم اهله الاقتصار على التعوذ من شروره وايحاءاته.
- هل التعامل مع أرواح الموتى معترف به من قبل الدين؟
الكتاب: يعتقد ان هذه الأرواح من جهة تحررها عن الجسم اكتسبت نشاطا مضاعفا عن الجسم وتتصف بقابليات مميزه عنها في حال الحياة، وتستطيع لإعانة الانسان في الاطلاع على المغيبات وفعل الخوارق.
ويرى بعض من يسعى الى الصلاح انه يستطيع تحقيق ذلك من خلال رؤية أرواح الأنبياء والاوصياء والصالحين وسؤالهم عن بعض الأمور العقيدية والغائبة.
هناك اعتقادات عديدة من الملل والنحل في شأن أرواح الموتى ومن جملتها انتقال هذه الأرواح الى اجسام المواليد الجدد لتعيش هذه الحياة مرة أخرى او الى اجسام حيوانات: كالأنعام والفئران عن بث الحياة فيها.
ان الدين يذعن لوجود أرواح الموتى، وهو امر طبيعي بعد الإذعان بالبعد الروحي للإنسان وبقاء الانسان بعد الممات وتكون محفوظة في نشأة عن هذه النشأة المادية وجل هذه الاعتقادات ونظائرها خاطئة فلا انتقال للأرواح بالأجساد في هذه الحياة ولا فعالية لعامتها في هذه النشأة المادية لفعل خارق، هذه الأرواح مختلفة من حيث شعورها وادراكها وتفاعلها مع عالم الانسان، فبعض هذه الأرواح يكون في سبات تام حتى يوم القيامة كما جاء في قوله تعالى: (قَالَ كَم لَبِثتُم فِي الأَرضِ عَدَدَ سِنِينَ {112} قَالُوا لَبِثنَا يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ فَاسأَل العَادِّينَ) {المؤمنون/113} والبعض الآخر يبقى ذا حيوية ونشاط، ويكون مطلعاً على عالم الانسان، وقد يسمع بعضها مما يخاطب به من قبل الاحياء يقول الامام علي A: خذوها عن خاتم النبيين.. انه يموت من مات منا وليس بميت).
ولنصل الى اخر الكلام عن الله تعالى: (والبستكم العافية من عدلي) والنشاطات الروحية تتحقق من خلال اعمال وسلوكيات يؤديها الانسان: كالتفكير والتأمل او عملية مثل: الأقوال والأفعال والتروك الخاصة.
لقد شاع في النشاطات الروحية الجارية:
أولاً- كبت الرغبات الفطرية مثل: أكل، شرب، والزواج، والأمومة، والاطلاع، والراحة.
ثانياً- ايراد الأذى على النفس بتعذيبها من خلال قطع بعض الأعضاء وتعريض الجسم لظروف قاسية وشديدة.
وهناك مواصفات لممارسات مشروعة في الدين كأن تكون آليات النشاط الروحي آليات نظيفة غير مجافية لفطرة الانسان ان تكون هذه الاليات حكيمة ومضاعفات مضرة وموجبة لانحراف المسيرة فلا تشرع مثل هذه الاليات وان تكون الاليات موافقة للتوجيهات الشرعية حذرة من استحداث كل شخص او فريق أدوات يختصون بها فيوجب تسرب الانانيات لكل شخصية للدين.
حظر اية ممارسات تنتهك الاخلاق الإنسانية والحرمات الفطرية مثل صفة العفاف والحياء والظلم والكذب والتمويه والتدليس فلا يصح ممارسة النشاطات المبتنية على الكذب والتدليس والمخادعة.
عن ذلك الغاء ظاهرة القرابين البشرية المنتشرة في المجتمعات الوثنية ومن الطف ما جاء في ذلك في الدين ان الله سبحانه أرى إبراهيم انه يجعل من إسماعيل قربانا لله سبحانه فصار بصدد تنفيذ ذلك فأعاقه الله سبحانه ولم يعمل آلة الذبح، وفدى إسماعيل بحيوان ضحى به.
وبذلك افهم المجتمع الديني بمقدار ما يتعقل انه لا ينبغي ان يكون القربان انساناً، بل ينبغي ان يكون حيواناً، وذلك للردع عن تلك العادة الذميمة.
حظر اية ممارسة تعني بكبت الرغبات الفطرية من قبيل تناول الطعام والزواج والأمومة والراحة والاطلاع وغيرها.. والتربية وانما هي متجذرة في ذات الانسان.