رحلة وفد العتبة العباسية المقدسة التواصلية إلى جمهورية باكستان الإسلامية
25-05-2019
طارق الغانمي
حرصت الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة أن يكون التواصل ضمن أولويات أجندتها وعملها على ترسيخ مبادئ التآلف واحترام الآخرين بين الأديان والأعراق والثقافات نهجاً ثابتاً، لا يقتصر على داخل المجتمع العراقي فحسب، بل يحكم علاقات العتبة المقدسة بالخارج، وكان التواصل ولا يزال أحد المبادئ الإنسانية والأخلاقية لرسالتها التي خطتها لها المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف.
استقبال فخم بالورود والبهجة لوفد العتبة العباسية المقدسة لحظة دخوله مطار مدينة لاهور الباكستانية
بالرغم من وصوله في ساعات متأخرة من فجر يوم الاثنين 29 نيسان 2019م إلى مطار محمد إقبال الدولي في باكستان، إلا أنه حظيَ وفد العتبة العباسية المقدسة باستقبال مثالي وحفاوة كبيرة مكللة بنثر الورود فوق رؤوسهم وتتويجهم بقلائد الزهور الطبيعية من أتباع ومحبيّ أهل البيت (عليهم السلام) في مدينة لاهور التي كانت تنتظر الوفد منذ أكثر من ثلاث ساعات تقريباً.
الوفد ضمّ كلاً من: السيد عدنان الموسوي مدير مكتب المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة وعضو مجلس إدارتها السابق، وفضيلة الشيخ محمد جواد السلامي مدير مركز العلاقات الدولية وممثل العتبة المقدسة في القارتين أمريكا الشمالية والجنوبية، والحاج رياض نعمة سلمان رئيس قسم المواكب والشعائر الحسينية في العالم الإسلامي والاعلامي طارق الغانمي والمصور الفوتوغرافي سامر الحسيني.
وقد كان في استقبالهم عدد من مسؤولي المطار والحكومة المحلية والشخصيات المعروفة، فضلاً عن جمعٍ غفيرٍ من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) في إقليم البنجاب المتعطشة قلوبهم على رؤية خدام المراقد المقدسة وهم يطؤون أرضهم بسلام، لعله يبرد جزءاً يسيراً من ذلك العطش والشوق المكنون في دواخلهم اتجاه حبهم لسيد الشهداء واخيه قمر العشيرة (عليهما السلام).
وقال عضو الوفد فضيلة الشيخ السلامي لصدى الروضتين: إن زيارة وفد العتبة المقدسة إلى جمهورية باكستان الإسلامية جاءت بدعوة رسمية من زعيم القضاة في المحكمة العليا الباكستانية القاضي الدكتور السيد مظاهر علي أكبر نقوي لغرض التواصل مع المحبين والموالين، ونحن سعداء جداً بهذا الاستقبال البهيج والذي يحمل في طياته عبق الإمام ابي عبد الله الحسين وأخيه ابي الفضل العباس (عليهما السلام)، كما نفتخر كخدام لأهل البيت (عليهم السلام) بقدومنا إلى باكستان لمشاركة أهلها بعدة نشاطات وفعاليات دعوية وايمانية وتبركية بآثار أئمة الهدى والهداية (صلوات ربي عليهم أجمعين)، وتوضح إليهم مفاهيم الدين الإسلامي الحنيف.
مضيفاً: نأمل من خلال هذه الزيارة مد جسور التواصل وأواصر المحبة مع هذا البلد العزيز على قلوبنا، وهي خطوة ستكون لها آثار مستقبلية ايجابية بإذن الله تعالى ونستطيع أن نسميها بداية الغيث المنهمر بفتح قنوات العمل المشترك، وقد كنا ننتظرها منذ طيلة الأشهر الماضية.
مشيراً الشيخ السلامي: إن الزيارة ستساهم في دعم العوائل الفقيرة في هذه المناطق والتي لا تستطيع أن تتبرك بزيارة مراقد أهل البيت (عليهم السلام) في العراق وذلك من خلال توزيع عليهم بركات ذات أثر معنوي ودلالي كبير خارجة من مرقد وصحن أبي الفضل العباس (عليه السلام).
ومن جدير بالذكر: قد تناولت عدة قنوات تلفزيونية واذاعية وصحف محلية باكستانية خبر زيارة وفد العتبة العباسية المقدسة، على أن تشمل الزيارة في اليومين القادمين وضمن برنامج تم وضعه بالتنسيق مع بعض الشخصيات والمسؤولين المحليين.
ضمن جولته التواصلية
وفد العتبة المقدسة يزور المواقع الأثرية والعلمية والمتاحف التاريخية
تلبية لدعوة نظمتها الحكومة المحلية في أقليم البنجاب قام وفد العتبة العباسية المقدسة حال وصوله إلى مدينة لاهور الباكستانية بجولة ترفيهية إلى مواقع أثرية وعلمية ومتاحف وأبنية تاريخية لتعريف الوفد بحضارة وتاريخ باكستان القديم وثقافاته المتنوعة ودياناته المختلفة.
الوجهة الأولى للوفد كانت إلى متحف لاهور الوطني المسمى عند الباكستانيين بـ(منزل لاهور العجيب)، وكان عند الاستقبال مدير المتحف الأستاذ عاصم رضوان الذي بدوره رحب بهذه الزيارة وسط حفاوة كبيرة الذي اعتبرها يوماً تاريخياً للمتحف، مبيناً لهم نبذة عن تاريخ إنشاء المتحف الذي أُسس في عام 1865م خلال الفترة الاستعمارية البريطانية، وهو الآن أحد المتاحف الأكثر زيارة وذات مكانة عالية في باكستان، مشيراً إلى أن المتحف يشتهر بوجود مدفع زمزمة التي تقع مباشرة أمام المبنى، التي وضحتها الرواية البريطانية الشهيرة (كيم) لكاتبها (روديارد كبلينغ) الذي كان والده واحداً من أوائل المشرفين على المتحف.
كما يشتهر المتحف بمجموعة واسعة من مقتنيات ومعروضات الفن البوذي من المملكة الهندية الإغريقية ومملكة غاندارا القديمتين، وتشمل المعروضات العمارة الإسلامية والمجوهرات والأثاث والزي والأدوات الباكستانية.
ومن جانبه، وجه وفد العتبة المقدسة دعوة لمدير متحف لاهور الوطني لزيارة كربلاء المقدسة والاطلاع على متحف الكفيل للنفائس والمخطوطات والمواقع الأثرية فيها.
الوجهة الثانية للوفد، زيارة أكبر مسجد للصوفية (مسجد بادشاهي) إلى جانب قلعة لاهور التاريخية، وبني في عام 1673م، ويتمتع بالهندسة المعمارية المغولية الجميلة، والخط الإسلامي نابض بالحياة، كما صُنعت جدرانه وسقوفه وأرضيته من الرخام القديم الذي يعود إلى قرون القديمة، كما يمتاز المكان بأنه قطعة فنية رائعة ويمنحك نظرة ثاقبة في التاريخ والهندسة المعمارية، ويمكنك رؤية علم كامل وراء بنائه، وعلى وجه الخصوص يمكنك أن تشاهد فيه منظومة الصدى ونظام ممر الهواء بتقنيات المهندسين في ذلك الوقت.
كما تحتوي الصالة المؤدية إلى الجناح الغربي للمسجد على بضع نقاط مجهزة بتجربة صوتية فريدة من نوعها، تأخذ المرء بعض الوقت لاستيعاب كيف يتم ذلك.
وفي أحد الممرات، يمكن للزائر أن يهمس والشخص الآخر على الجانب الآخر من الممر سوف يسمعه بصوت عالٍ، ولكن يجب أن يكون كلاهما قريبًا جدًا من زوايا الممرات حتى ينجح.
أعقبها زيارة قبر الفيلسوف والشاعر الصوفي الكبير الدكتور محمد إقبال المتوفي عام 1938م، والذي لديه قصيدة شهيرة في مدح سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام)، والتي يقول في مطلعها:
والمجـد يشــرق من ثــلاث مطالــع .. فــــي مهــد فاطمـة فمــــا أعلاهــــــا
هي بنت من هي زوج من هي أم من .. من ذا يدانــــي فـــي الفخــار أباهــــــا
هي ومضة مـن نور عين المصطفى .. هــادي الشــعوب إذا تـروم هداهــــا
لتختتم جولة الوفد بزيارة القصر الزجاجي العجيب ويعرف هذا القصر باسم (شيش محل) ويقع في إحدى الضواحي التاريخية في مدينة لاهور الاثرية الواقعة بشرق باكستان، وهو ينافس قصر (تاج محل) الواقع في الهند واللذين يمثلان معالم الحاضرة المغولية التي حكمت القارة الهندية عبر القرون الماضية، وقد قام ببنائه الملك الهندي المسلم الشهير شاه جيهان في عهد حكومته وهو نفس الملك الذي بنى (تاج محل) لإحياء ذكرى زوجته والذي يقع حالياً في مدينة (آجرا) في الهند والذي يعتبر إحدى عجائب العالم السبعة.
فضلاء طلبة العلوم الدينية في إقليم البنجاب يقدمون الشكر والعرفان
إلى وفد العتبة العباسية المقدسة
قدم عدد من فضلاء العلوم الدينية في إقليم البنجاب كل الشكر والتقدير والعرفان للعتبة العباسية المقدسة والقائمين عليها، وعلى رأسهم سماحة المتولي الشرعي السيد أحمد الصافي (دام عزه)، وذلك لابتعاثه وفداً ممثلاً عنه لزيارة عدد من المدارس الإسلامية في مناطق مختلفة من إقليم البنجاب ذات الأغلبية المسلمة؛ بغية الاطلاع على دورهم في نشر فكر وعلوم أهل البيت (عليهم السلام)، إضافة إلى توزيع الهدايا التبركية ذات الأثر المعنوي والدلالي الكبير الممزوجة بفيوضات وبركات مرقد قمر العشيرة أبي الفضل العباس (عليه السلام).
المحطة الأولى للوفد كانت إلى أقدم حوزة علمية في لاهور حوزة (جامعة المنتظر (عج)) التي تضم أكثر من (300) طالب علم دين بمختلف الديباجات والعناوين، واستقبل الوفد بحفاوة كبيرة من رئيس الجامعة سماحة السيد نياز حسين نقوي، مرحباً بهم أشد الترحيب والتقدير، مثمناً الزيارة المباركة لخدام المولى العباس (عليه السلام)، متحدثاً لهم بنبذة عن تاريخ تأسيس الجامعة الذي يعود إلى منتصف القرن الماضي، وإنها تتألف من عدة اقسام وشعب، فضلاً عن مكتبة كبيرة تضم آلاف الكتب باللغات العربية والانكليزية والفارسية والأوردية.
وأثناء تجوال الوفد في أروقة الجامعة كانت هناك كلمة توجيهية وترحيبية لجناب السيد عدنان الموسوي رئيس وفد العتبة المقدسة إلى الطلبة، مبيناً لهم دور العلم لبلوغ درجات الكمال والرضا عند الله (عز وجل) ورسوله الأكرم محمد (ص) وأهل بيته (عليهم السلام).
كما حثهم الموسوي على الاستمرارية للوصول إلى الأهداف المنشودة، مستشهداً لهم بآيات وأحاديث وروايات مباركة، بعدها انتقل الجميع إلى أداء صلاة الظهرين جماعةً بإمامة فضيلة الشيخ محمد جواد السلامي (دام توفيقه)، ليلقي ما بين الفريضتين المباركتين كلمة إرشادية وتعريفية بمشاريع العتبة المقدسة بمختلف الجوانب والميادين، ناقلاً سلام وتحيات سماحة العلامة السيد أحمد الصافي (دام عزه) إليهم، كما تمنى لهم النجاح والتوفيق أكثر لخدمة مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
أما المحطة الأخرى كانت عند جامعة باقر العلوم الدينية التي تضم مئات الطلبة الذين استقبلوا الوفد استقبالاً مثالياً يليق بخدام المراقد المقدسة، ليلقي بعدها رئيس الجامعة فضيلة الشيخ رضا مظفر علي كلمة واصفاً فيها هذه الزيارة بالتاريخية والعظيمة لحوزتهم المباركة، مؤكداً أنهم اليوم يتشرفون ببركات خدام المولى أبي الفضل العباس (عليه السلام) وبركات وفد ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزه)، ناقلين له كل التحايا والتبريكات والعرفان الجميل.
وكعادته قام الشيخ محمد جواد السلامي بإلقاء كلمة تعريفية بالوفد وبمشاريع العتبة المقدسة الدينية والفكرية والثقافية والصحية والعمرانية والتعليمية والتربوية والخدمية وغيرها على كافة الأصعدة والمجالات، مبيناً دور المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف في الحفاظ على الوحدة الإسلامية وحفاظها على مكونات الشعب العراقي من هجمات الأعداء، مختتماً بالدعاء والثناء والتضرع إلى الله تعالى بتعجيل فرج قائم آل محمد (عج).
ومن محاسن الصدف وجد الوفد عددا من طلبة العلوم الدينية ممن نال شرف التعلم في حلقات دراسية مختصة بالعلوم الدينية في النجف الأشرف تحت إشراف الأستاذ الفاضل المربي العلامة سماحة السيد أحمد الصافي (أعزه الله)، داعين المولى تبارك تعالى أن يسدد خطاه ويوفقه أكثر لخدمة الدين الإسلامي ومذهب الحق لأهل البيت (عليهم السلام).
ومن جدير بالذكر، ففي كل محطة وزيارة كانت هناك كلمة لرئيس قسم المواكب والشعائر الحسينية في العراق والعالم الإسلامي الحاج رياض نعمة سلمان يبين فيها دور قسمه المبارك في تنظيم وترتيب زيارات الأربعين والزيارات المليونية الكبرى الأخرى، موضحاً لهم العدد الكلي لمواكب الخدمة والمواكب العزائية، وغير ذلك سائلاً الله سبحانه وتعالى القبول والرضوان.
وفد العتبة العباسية المقدسة
يطلع على بعض المواكب والهيئات الحسينية في اقليم البنجاب
لإنشاء روابط تواصلية مع أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) أينما كانوا؛ لمواجهة التحديات المعاصرة وما تقتضيه القضية الحسينية قام وفد العتبة العباسية المقدسة بزيارة مجموعة كبيرة من الهيئات والمواكب الحسينية خلال جولته التواصلية في باكستان.
الوفد قام بزيارة مقر أكثر من (72) هيأة وحسينية في وسط المدينة القديمة لمحافظة سايلكوت يقدمن الخدمات والطعام المجاني وإقامة الشعائر الحسينية ومجالس العزاء في مناسبات أئمة الهدى (عليهم السلام) في اقليم البنجاب.
كما قام الوفد بزيارة أكبر وأقدم حسينية في لاهور تحمل اسم (إمام بركة شاهي مردان) تأسست قبل (80) سنة من قبل المرحوم السيد علي رضا جلالي قلندري والتي تبلغ مساحتها (15) ألف متر مربع، ويقصدها الباكستانيون من داخل اقليم البنجاب وخارجه على طوال أيام السنة لغرض إحياء الشعائر الدينية العزيزة على قلوب محبي أهل البيت (عليهم السلام).
من جانبه، قام الوفد بجولة استطلاعية على هذه الهيئات والحسينيات والتي أغلبها تضم أضرحة ومقامات رمزية شبيهة بمقامات ائمة أهل البيت (عليهم السلام) في العراق.
وعلى صعيد آخر، فقد تحدث الحاج رياض نعمة سلمان رئيس قسم المواكب والشعائر الحسينية في العراق والعالم الإسلامي عن هذه الزيارة، قائلاً:
من جملة زيارتنا إلى باكستان تفقدنا المواكب الحسينية في لاهور، ولقينا احتفاء وتقديرا رائعا من خلال تجمع كل خدام المواكب والهيئات الحسينية، ومثلما سمعنا منهم أن كل الموالين في باكستان يجتمعون فيها لإحياء الشعائر الحسينية وكذلك موجود كل شيء يحتاجه الزائر.
كما وجدنا مجموعة أضرحة من حلب والشام تم التبرع بها إلى الحسينية للتبرك بها، ونأمل أن تتوسع علاقتنا مع كل الهيئات والمواكب الحسينية في باكستان حتى نستطيع أداء رسالة الحسين (عليه السلام) على أتم وجه.
مشيراً إلى: أن وفد العتبة العباسية المقدسة وخلال زيارته وضع بين عينيه توجيهات سماحة المتولي الشرعي السيد أحمد الصافي (أعزه الله) حول الاهتمام بالقضية الحسينية وأهدافها المنشودة، وتأتي هذه الزيارة لكي تتحقق بها قوة ترابط جأش أبناء الخط الحسيني والحفاظ على الشعائر الحسينية بين مكونات المذهب الواحد.
وفي ختام الجولة تم تكريم وفد العتبة العباسية المقدسة بمجموعة من الهدايا التذكارية، فضلاً عن تكريم اصحاب المواكب والهيئات الحسينية بدرع تذكاري وهدايا تبركية من صحن المولى أبي الفضل العباس (عليه السلام).
رفع راية المولى أبي الفضل العباس (عليه السلام)
في سماء مدينة (جهنكي شاه) النائية شرق مقاطعة ساليكوت الباكستانية
بالرغم من وعورة الطريق وغزارة الأمطار فقد وصل خدام العتبة العباسية المقدسة بإصرارهم وعزيمتهم المستمدة من سيدهم ابي الفضل العباس (عليه السلام) إلى ترعة من ترع الحب والولاء الحسيني في أقصى البقاع، ليدخلوا الفرح والسرور على اهلها الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) في مدينة (جهنكي شاه) النائية والفقيرة التابعة إلى مقاطعة ساليكوت التي تبعد أكثر من (500) كم عن العاصمة الباكستانية إسلام آباد.
الاستقبال كان بمراسيم عفوية، إذ احتشدت الجموع وانفجرت الدموع متشظّية حارقة شغف الانتظار، تتلاطم الأكفُّ الحارة يمنة ويسرة للتبرك ولو بلمسة، ناثرين زهورهم على جادة الطريق، حتى قطرات الغيث القت برذاذها تحيات المساء، وتعانقت مع الأجساد صادحة بأفواه تخنقها العبرات، ورأينا على امتداد الطريق خفوقات القلب تبكي الكبير والصغير، الرجل والمرأة ويكتب الشوق آهاتِ اللقاء، ويصرخ بأعلى صوته: بـ(لبيك يا حسين لبيك يا عباس).
نعم، بهذه الحفاوة والترحيب استقبل وفد خدام العباس (عليه السلام)، لينتقل الجميع إلى المسجد القريب لأداء صلاة العشاءين جماعة بإمامة فضيلة الشيخ محمد جواد السلامي (دام توفيقه)، وتبدأ مراسيم رفع راية حرم المولى أبي الفضل العباس (عليه السلام) في سماء هذه المدينة التي يعد جميع سكانها من نسل الإمام الحسين (عليهم السلام)، وسبقها الشيخ السلامي بكلمة: شاكراً لهم حفاوة الاستقبال الرائع، كما عرف بالوفد وعن سبب الزيارة، موضحاً فضائل التمسك بولاية أهل البيت (عليهم السلام) والتمسك بنهج الحسين (عليه السلام) الذي يعد سفينة النجاة لهذه الأمة، ناقلاً تحيات وسلام ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة السيد أحمد الصافي (أعزه الله)، معاهداً لهم في حال عودته بأداء مراسيم زيارة مرقد الإمام الحسين وأخيه المولى العباس (عليهما السلام) بالنيابة عنهم.
أيضاً تحدث الحاج رياض نعمة سلمان رئيس قسم المواكب والشعائر الحسينية في العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية باستعراض موجز عن دور العتبات المقدسة في إرساء رسالتها الإنسانية والتواصلية مع اتباع أهل البيت (عليهم السلام) في كل بقاع العالم.
ثم توجه الجميع إلى حسينية (قصر أبي طالب (رض)) لرفع راية حرم المولى أبي الفضل العباس (عليه السلام)، وسط تجمع كبير من أهالي المدينة حولها للتبرك بها، ثم توزيع عدد كبير من الهدايا التبركية من صحن الكفيل (عليه السلام)، أعقبه وداع الوفد بالدموع والحزن متأملين أن لا تكون هذه الزيارة هي الأولى والأخيرة.
من جانبه، قام مالك الحسينية والجامع ودار الضيافة في القرية السيد نجم الحسن نقوي بتبرع هذه البنايات الثلاثة والأرض إلى العتبة العباسية المقدسة.
ومن جدير بالإشارة أن الهدف من تواجد وفد العتبة العباسية المقدسة في باكستان هو لغرض التواصل مع أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، ممن يصعب وصولهم إلى العراق وزيارة العتبات المقدسة.
وفد العتبة العباسية المقدسة
يلتقي بشخصيات رفيعة المستوى من علماء مدينة لاهور الباكستانية
ويوضح لهم دور العتبات المقدسة في العراق
ضمن جولته التواصلية مع محبي وأتباع أهل البيت (عليهم السلام) في جمهورية باكستان الإسلامية التقى وفد العتبة العباسية المقدسة بشخصيات ذات قيمة اجتماعية ودينية وثقافية متنوعة في مدينة لاهور التابعة إلى اقليم البنجاب بهدف التعارف والتواصل وتعريفهم بدور المرجعية الدينية العليا في العراق، ودور العتبات المقدسة عموماً والعتبة العباسية المقدسة خصوصاً، وما تقوم به من نهضة مشاريع تنموية عملاقة في داخل العراق وخارجه سواء كانت الهندسية والعمرانية والاستثمارية والصحية والثقافية والمعرفية والتربوية والتواصلية وبإشراف عام من لدن الأمانة العامة للعتبة المقدسة المتمثلة بسماحة المتولي الشرعي السيد أحمد الصافي (أعزه الله) وأمينها العام المهندس محمد الأشيقر (دام توفيقه)، فضلاً عن أعضاء مجلس إدارتها المؤقر، ورؤساء أقسامها وكافة خدامها ومنتسبيها.
وقد تناوب كل من السيد عدنان الموسوي مدير مكتب المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة وعضو مجلس إدارتها السابق، وفضيلة الشيخ محمد جواد السلامي ممثل العتبة العباسية المقدسة في القارتين الأميركتين الشمالية والجنوبية ومدير مركز العلاقات الدولية، والحاج رياض نعمة سلمان رئيس قسم المواكب والشعائر الحسينية في العالم الإسلامي بتوضيح واستعراض أهم النقاط التي تقوم بها العتبات المقدسة، مؤكدين أن هذه اللقاءات ستكون مثمرة جداً في تقوية الروابط والأواصر بين خدام العتبات المقدسة وبين أنصار مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في كافة بلدان الإسلامية.
وقد تجاوزت العتبات المقدسة هذه الخطوة منتقلة بمد جسور التعاون مع مختلف الأديان والجنسيات والألوان والأعراق، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على ملازمة توصيات المرجع الديني الأعلى سماحة السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) المشرف العام على إدارة العتبات المقدسة في العراق التي يؤكد فيها على مبدأ التعايش الإنساني والسلمي والتسامح ما بين البشرية كافة، وهو أسلوب حياة وثقافة دين وانفتاح حضاري ورسالة تعاطف.
من جهته، بينت هذه الشخصيات المتنوعة في مهامها أن العتبات المقدسة أحدثت تغييراً جذرياً في خارطة المجتمع الإسلامي، وهذا محط فخر واعتزاز لكل الأمة، مؤكدين أن التواصل معهم رسالة واضحة لكل المحبين والموالين، شاكرين كل من ساهم بنيل هذا الشرف واختيارهم لتكون إحدى محطات منهاجهم التواصلي، متمنين أن لا تكون هذه اللقاءات هي الأخيرة من نوعها.
ممثل المرجعية الدينية العليا في اقليم البنجاب
يثني على دور العتبة العباسية المقدسة
في نشر مفاهيم الدين الإسلامي
خلال جولته التواصلية، زار وفد العتبة العباسية المقدسة العلامة السيد الحافظ رياض حسين النجفي النقوي ممثل المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) وزعيم جامعة المنتظر (عج) الدينية، وهي واحدة من أكبر وأقدم الحوزات العلمية في مدينة لاهور الباكستانية التي تضم مئات من طلبة العلوم الدينية وأكثر من خمسة فروع على مستوى العالم في باكستان وايران والعراق والدانمارك والسويد وأمريكا.
وقد أكد نقوي أن ما تقوم به العتبة العباسية المقدسة من رسالة إنسانية مهمة استطيع أن أصفها بالمصداقية والموضوعية في رفع الأفكار والالتزام برسالة ونهج آل البيت (عليهم السلام)، ومؤثرة ومتفاعلة مع تطلعات وهموم الأمة الإسلامية.
مبيناً: لقد استطاعت أن تنشر مفاهيم الدين الإسلامي بشكل مفرح لنا ولكل المنصفين، ونسمع كثيراً عنها وعن الدور الذي تقوم به بفضل قيادتها الحكيمة المتمثلة بسماحة العلامة السيد أحمد الصافي (أعلى الله مقامه). كاشفاً عن سر سعادته بهذه الزيارة المباركة واصفاً إياها بأنها عطاء رباني وكشف روحاني نلته من بركات خدام المولى أبي الفضل العباس (عليه السلام)، متمنياً أن تتبعها زيارات أخرى، مختتماً بالدعاء لكل خدام الدين الإسلامي عموماً وخدام العتبات المقدسة خصوصاً.
وفد العتبة العباسية المقدسة
يختتم جولته التواصلية في باكستان بزيارة جامعة منهاج الحسين (عليه السلام) الدينية
تلبية لدعوة مؤسسها، زار وفد الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة في باكستان جامعة منهاج الحسين (عليه السلام) الدينية، وقد كان في استقبالهم سماحة العلامة المفكر الدكتور محمد حسين أكبر مؤسس الجامعة في عام 1990م.
وقد أدى الوفد مراسيم زيارة أبي عبد الله الحسين وأخيه ابي الفضل العباس (عليهما السلام) عند دخول الجامعة، وقام بجولة ميدانية على كل مفاصل الجامعة المباركة من أقسام وشعب ووحدات ومراكز.
وفد العتبة المقدسة حمل عبق وبركات صحن المولى أبي الفضل العباس عليه السلام لينثرها على أكثر من (200) طالب وطالبة واستاذ، وسط فرحة عارمة حلت في نفوسهم وأرواحهم وستبقى ذكراها عشرات السنين.
من جانبه، قام الدكتور محمد حسين أكبر بإلقاء كلمة ترحيبية وتعريفية بالوفد وسط حضور مجموعة من طلبتها واساتذتها، موضحاً تاريخ تأسيس الجامعة التي بدأت مسيرتها العلمية في عام 1990م بشقيها الرجالي والنسائي، ذاكراً مجموعة من الأهداف والأغراض المنشودة التي أنشأت لأجلها.
اعقبتها كلمة لفضيلة الشيخ محمد جواد السلامي تكلم فيها عن العلم ومراتبه العالية ومقامه لا يساويه شيء في العالم، ففيه تنهض الأمم وترتقي بمستوياتها نحو الأفضل، مشيراً إلى أن طريق العلم يسمى بذات الشوكة وهو ليس بالطريق السهل بل هو صعب جداً؛ لما تتعرض له من اختبارات وبلاءات.
مؤكداً لهم: أن تحصيل العلم لا يمكن تطوره وتوسعه إلا إذا كان في رضا الله (عز وجل) ونبيه الأكرم (ص) وأهل بيت الرسالة المحمدية (عليهم السلام)، مختتماً كلمته بالتهنئة والتوفيق والسداد باختيارهم طريق محمد وآله الطيبين الطاهرين.
لتختتم الزيارة بتكريم رئيس الجامعة بدرع الابداع والتألق، ومن ثم توزيع هدايا تبركية على أساتذة وطلبة الجامعة، ليودع الوفد بحفاوة كبيرة على أمل التجدد والعودة في زيارات أخرى.
لتختتم جولة وفد العتبة العباسية المقدسة في جمهورية باكستان الإسلامية التي عبر عنها أعضاء الوفد بأنها أكثر من ناجحة، وأن الاتصالات المباشرة التي قاموا بها مع المدارس الدينية والشخصيات الثقافية والاجتماعية أعطت ايجابيات كثيرة لتعزيز مفاهيم الدين الإسلامي، وإنشاء روابط وأواصر قوية بين المذاهب والأديان الأخرى، وتعزيز مبدأ التعايش الإنساني بين البشرية.
وأخيراً، ودع الوفد العتبة المقدسة إلى مطار لاهور بالورود والمحبة محملين اياهم التحية والسلام إلى سيد الشهداء وأخيه قمر العشيرة (عليهم السلام) وإلى سماحة المتولي الشرعي السيد أحمد الصافي (دام عزه) وإلى جميع خدمة العتبات المقدسة متأملين بأن لا تكون هذه الزيارة الأخيرة إليهم.