ثقافة فكر..(32) (مواجهة الالحاد في منطلقاته المعرفية)
23-05-2019
علي الخباز
ثقافة فكر..(32)
(مواجهة الالحاد في منطلقاته المعرفية) القسم الثاني
تأليف الشيخ: حيدر السندي الاحسائي
سيرة الالهيين
المؤمنون الحقيقيون كانوا يضحون بالوضع الاقتصادي من اجل عقيدتهم، ومثل هؤلاء لا يمكن أن يقال: إن عقيدتهم نشأت من أجل الحفاظ على وضعهم الاقتصادي، فرسول الله J عرضت عليه الدنيا من أجل أن يتنازل عن عقيدته في التوحيد ولم يتنازل، فقال رسول الله J لعتبة ابن ابي ربيعة: قل يا أبا الوليد، فقال: ان كنت انما تريد لما جئت من هذا الامر مالاً جمعنا لك من اموالنا حتى تكون اكثرنا مالاً، وان كنت تريد به ملكا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رأي تراه لا تستيطع رده عن نفسك قلبنا لك الطب، وبذلنا فيه اموالنا حتى نبرئك منه.
فقال له رسول الله J: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم. قال: فاسمع مني: (حم {1} تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {2} كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {3} بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ {4} وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ) {فصلت/5}، فلما سمعها عتبة انصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول الله الى السجدة، فسجد، ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك.
وبعد رسول اللهJ كان وصيه وأخوه امير المؤمنين A يعمل في بستان اليهودي في المدينة، ويأخذ الأجرة ثم يتصدق بها، ويشد حجراً على بطنه، ويبيت جائعاً، يقول: يا أمير المؤمنين، أنت ملك المسلمين والحاكم على بيت المال، وتأتيك الوفود والولاة، ألا يوجد في بيتك غير هذه الحصيرة البالية؟
فيلتفت اليه ويقول: يا سويد، ان البيب لا يتأثث في باب النقلة، وامامنا دار المقامة، قد نقلنا اليها متاعنا، ونحت منقلبون اليها عن قريب.
نظرية الفطرة، المعرفة الناشئة من العلم الحضوري، المعرفة الأصولية الحاصلة من العلم الحضوري ثم عن المعرفة الفطرية، العلم تارة حضوري وهو حضور ذات المعلوم عند العالم، وأخرى حصولي وهو حصول صورة الشيء في الذهن والتصور، كما اتضح في المثال السابق، يمكن أن تظفر به النفس من خلال المعلوم بالعلم الحضوري، فكان كل واحد منا اذا أحسّ بالخوف يمكنه ان يتصور شعوره هذا، ويحتفظ بذهنه بصورة عنه، خالق الكون في تصور الهي محيط بالكون وبكل واحد منا هو حاضر بذاته عند كل مخلوق، فإن المخلوق لما كان عدماً، ثم وجد فهو في ذاته لا يملك الوجود، ولا يستطيع ان يديم لها الوجود، وخالقه معه حاضر أينما كان وهذا يعني ان الممكن يمكن أن يرى بقلبه خالقه حاضراً في أعماق حاجته، وهذا هو العلم الحصولي المستفاد من العلم الحضوري للخالق سبحانه وتعالى، قال الامام الباقر A: (كلما ميزتموه بأوهامكم بأدق معانيه، فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم) (كتاب بحار الانوار: 66/ 393).
قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) {الروم/30} إن هذه الآية تدل على ان الدين من الأمور الفطرية، وقال الإمام الصادق A: (فطرهم جميعاً على التوحيد). أي أن الله تعالى فطرهم على الإقرار بربوبيته.
ما رواه الامام الباقر A: (كانت شريعة نوح -عليه السلام- ان يعبد الله بالتوحيد والإخلاص وخلع الانداد وهي الفطرة التي فطر الناس عليها). ان الانسان فطر على معرفة الله تعالى؛ لأن معرفته تعالى من أصول الدين، ولا يمكن ان تتحقق الفطرة على توحيده دون الفطرة على وجوده، والفطرة الابتداء والاختراع، الفطرة هي الخلقة التي خلق المولود عليها ببطن أمه.
إن معرفة الله تعالى عند الأغلب بحاجة الى برهان والبرهان حاضر، فتكون معرفته بديهية واضحة بوضوح برهانها، وقوله بأن معنى فطرية المعرفة وضوحها وبداهتها وعلماء المنطق او الفلسفة اصطلحوا على قسم من اقسام البديهيات اصطلاح الفطريات، لكن هذا لا يعني ان القرآن الكريم والائمة قد جروا في تعبيراتهم على استطلاعات المناطقة.
هناك قضايا بديهية لا تحتاج الى برهان، ويستحيل إقامة البرهان عليها كقاعدة استحالة اجتماع النقيضين والبديهيات غير الأولية، وهي التي لا تحتاج الى إقامة برهان، ولكن يمكن إقامة البرهان عليها.
لقد تقدم معنى ان الله تعالى فطر الخلائق على معرفته فنفس وجودهم هو حضور العلة عندهم وحضورهم عند العلة عند أصحاب هذه النظرية معرفة الله تعالى فطرية عين المعرفة.
اهتموا اهتماما بالمعنى بكلمة الفطرة التي هي بمعنى الخلقة، ان معرفة الله تعالى بمعنى الشعور بوجوده حاصلا لكل انسان في اول نشأته، والسبب في عدم التفاف اغلب الناس الى وجوده هو الغفلة وعوامل خارجية، قال J: (كل مولود يولد على الفطرة) اذن، المعرفة تطلق على ما كان يدركه الانسان ويلتفت اليه وان غفل عنه، فيمكن ان يقال حيئنذ: ان كل انسان فطر على معرفة الله تعالى بهذا المعنى، هو أن الانسان جبل وفطر في غريزة تحركه نحو تحصيل المعرفة، تماماً كما جعل له جهاز ادراكي وهو العقل والحواس سواء كانت ظاهرة او باطنة.
يقول يونغ وهو من اشهر تلامذة فرويد عالم النفس الشهير واستمر اكثر من أربعين سنة في دراسة السلوك الديني للحضارات المختلفة قال: اني مقتنع وبقوة بكون القلب منبع الحياة الدينية ومبعث التوجه الدينية، فيعني ان الدين ليس نتاج الفلسفة وعلم الكلام، بل هو نتاج لحقائق واقعية موجودة في واقع الانسان وفطرته عبرت بلغة الفطرة.
قال انيشتاين: العالم كما اراه انا، وقال فيه الاعتقاد ودي موجود بالجميع بلا استثناء، واعتقد ان هذا إحساس ديني كامل في خلقة الانسان او في وجوده، ان المعتقد لهذا الدين يشعر بتفاهة وصغر طموحات الانسان، ويحس بالمقابل بالعظمة والجلالة فيما وراء الأمور الظاهرة.
ويرى ويل دورانت لم تنشأ العقيدة الدينية عن تلفيقات او ألاعيب كهنوتية انما نشأت عن فطرة الانسان. ويرى المؤرخ الفرنسي (رينان ارنست): يستحيل ان ينمحي التدين او يتلاشى بل سيبقى الى ابد الآباد حجة ناطقة على بطلان المذهب المادي الذي يود ان يحصر الفكر الانساني في المضامين الدنيئة للحياة الطيبة.
(الصورة الإنسانية هي اكبر حجج الله):
اهتم الفلاسفة اهتماما بمعرفة النفس من اول ازدهار المعرفة النفسية، فالنفس عملة ذات وجهين تتصل بعالم الطبيعة، ولها قابلية افادة عالم المجردات لوجود جنبة مجردة الى عالم المجردات من جهة أخرى، ترتبط جملة من الأبحاث فوائد نافعة منها بحث النبوة وجود مجرد ينزل من السماء والنبي وجود مادي.