نزهة ثقافية
11-05-2019
اللجنة الثقافية
(قَصَمنَا):
قال تعالى: (وَكَم قَصَمنَا مِن قَريَةٍ كَانَت ظَالِمَةً وَأَنشَأنَا بَعدَهَا قَومًا آخَرِينَ) (الأنبياء/11) يخبرنا الله تعالى بأنه قصم قرى كثيرة، وأبيد أهلها، وقوله: كانت ظالمة، وهذا يعني انه أضاف الهلاك الى القرية، أضاف لها الظلم، والقصم: يعني كسر الصلب قهراً، ويخبرنا بأنه أوجد بعد هلاك أولئك قوماً آخرين، (وكم قصمنا...) يعني: كم أهلكنا قرى كانت ظالمة بالكفر والعصيان. ويرى بعض المفسرين: إن القصم يعني الكسر المقترن بالشدة، بل ورد أحياناً بمعنى التفتيت والتقطيع، ومع ملاحظة التأكيد على ظلم هذه الأقوام وجورها.
(فَتَبهَتُهُم):
قال تعالى : (بَل تَأتِيهِم بَغتَةً فَتَبهَتُهُم فَلَا يَستَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُم يُنظَرُونَ) (الأنبياء/40) قال سبحانه تعالى: تأتيهم، يعني الساعة والقيامة بغتة (فتبهتهم) أي تحيّرهم، والمبهوت المتحير، فلا يستطيعون ردها. وفي كتاب (التفسير الاصفى): تغلبهم وتبهتهم: تشير الى أن عذاب القيامة وعقوباتها تختلف جميعاً عن عذاب الدنيا، مثل هذه التغيرات، توحي بأن نار جهنم، تأتي على حين غفلة، فتبهت الناس، وبهته: يعني أدهشه، بل فاجأه.
وجاء في كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي (قدس سره): تبهتهم أي تحيّرهم، فلا يقدرون على دفعها، ولا يُؤخرون الى وقت آخر، ولا يُمهلون لتوبة او لمعذرة.
(يَدمَغُ):
قال تعالى: (بَل نَقذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيلُ مِمَّا تَصِفُونَ) (الأنبياء/18) عندما سأل السحرة موسى A: هل تلقي أنت أولاً أم نلقي نحن أولاً؟ قال لهم موسى: (أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ)، وهذا الاقتراح من قبل موسى A، يدل على انه كان مطمئناً لانتصاره، ودليلاً على هدوئه وسكينته امام ذلك الحشد الهائل من الأعداء واتباع فرعون، يعد اول ضربة يدمغ بها السحرة، وتبين منها انه يتمتع بالهدوء النفسي.
(تَمِيدَ):
قال تعالى: (وَأَلقَى فِي الأَرضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُم وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ) (لقمان/10) ألقى في الأرض رواسي، وراسية: وهي الجبل العالي الثابت، أن تميد بكم، أي لئلا تميد بكم الأرض، معناه: كراهة أن تميد، والميد يميناً وشمالاً، وهو الاضطراب معنى أن تميد أي منع الأرض أن تميد، أي لهذا خلقت الجبال.
وقال بعض المفسرين: الميد الاضطراب، بالذهاب في الجهات، وقيل: إن الأرض كانت تميد وترجف رجوف السفينة بالوطء، فثقّلها الله تعالى بالجبال الرواسي، لتمتنع من رجوفها، تميد بهم، معناه تمور ولا تستقر بهم.
(يَكْلَؤُكُم):
قال تعالى: (قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِالليلِ وَالنهَارِ مِنَ الرحمَنِ بَل هُم عَن ذِكرِ رَبِّهِم مُّعرِضُونَ) (الأنبياء/42) ومعنى يكلؤكم من الرحمن، أي يحفظكم من أجل أن يحلّ عذابه، وقيل: من يحفظكم مما يريد الله إحلاله بكم من عقوبات الدنيا والآخرة، من يحفظكم من عذابه، فلو أن الله سبحانه لم يجعل السماء الجو المحيط بالأرض محفوظاً - كما مر في الآيات السابقة - لكان هذا وحده كافياً أن تتهاوى النيازك، وتمطر الأجرام السماوية بأحجامها ليلاً ونهاراً.
إنّ الله الرحمن قد أولاكم من محبته، أن جعل جنودا متعددين لحفظكم وحراستكم، بحيث لو غفلوا عليكم لحظة، لصبّ عليكم سيل البلاء، استعملت كلمة (الرحمن) بدل لفظ الجلالة (الله)، أي انظروا كم اقترفتم من الذنوب حتى أغضبتم الله الذي هو مصدر الرحمة العامة.
(خَردَلٍ):
قال تعالى: (وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسطَ لِيَومِ القِيَامَةِ فَلَا تُظلَمُ نَفسٌ شَيئًا وَإِن كَانَ مِثقَالَ حَبَّةٍ مِّن خَردَلٍ أَتَينَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الأنبياء/47) معناه أنه لا يضيع لديه قليل من الأعمال والمجازاة عليه طاعة كانت أم معصية، و(كفى بنا حاسبين)، أي وكفى المطيع او العاصي بمجازاة الله وحسبه ذلك، وهذا غاية التهديد؛ لأنه إذا كان الذي يتولى الحساب لا يخفى عليه قليل ولا كثير كان أعظم.
والباء في قوله تقديره: أن تلك الحبة لو كانت في جوف صخرة وهي الحجر العظيم أو تكون في المساوات والأرض يأتي الله بها ويحاسب عليها ويجازي؛ لأنه لا يخفى عليه شيء منها ولا يعتبر عليه الاتيان بها أي موضع كانت؛ لأنه قادر لنفسه، لا يعجزه شيء، عالم بنفسه لا تخفى عليه خافية، ومثقال حبة من خردل أي أن الخصلة من الإساءة او الاحسان أن تكون مثلاً في الصخر كحبة خردل.