إجرام طيار..!

10-05-2019
صباح مهدي
إجرام طيار..!
عبثاً حاولت مشاهدة تلك الطائرة المروحية (الهليكوبتر) وأنا أدور برأسي يميناً وشمالاً لرؤيتها بعد أن ملأ صوتها البشع أرجاء المكان, لكن بدأت أسمع أصوات الأطفال من مسافة (200) متر تقريبا من داخل ساحة منازلهم الداخلية (الطارمة)، وهم يلوحون لها بأصواتهم البريئة، وواحدٌ ينادي الآخر: (هاي هاي هناك شوفها) وبدأت أصواتهم تعلو لها لا أعرف أمحيّون لها أم لموتهم البريء كطفولتهم..؟
فأخذت أنا أدور برأسي مرجعاً رأسي إلى الخلف علّي أراها ماذا ترمي من منشورات كسابقتها التي رمتها فوق مركز المدينة القديمة في منطقة شارع المحيط القديم في وقتها، المحاذي للمقام (مقام الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف) من قبل يوم أو يومين والتي كان فيها أمر بإخلاء المدينة، ماذا وراءها هذه المرة؟ موت احمر نفذه طيار قد نزعت الرحمة من قلبه, وليخرس من يقول: إنها الأوامر العسكرية إن لم ينفذها يُعدم، بل كانت له الخيارات متاحة أمامه، أهونها بأن يرمي صاروخيه على ممرات الشوارع بين أزقة تلك الأبنية حيث ستكون الإصابات قليلة، وباستطاعته أن يقدم تبريراً عسكرياً لمرؤوسيه في عدم دقة إصابته (جريمته) في كل حال.
ولكنها نفسه الإجرامية ذات الأصابع التي لا يهمها بأن تضغط على الأزرار ليرى النار تحصد ما تحصد حتى وان كانوا أطفالاً يتقافزون فرحين ملوحين ومحيين له بأصواتهم الرخيمة والبريئة والتي لا تعرف ما يجري ويدور من حولها.
وفجأةً وأنا أدور برأسي لرؤيتها مجدداً وبطريقة مسرعة قلقة, فلقد رأيت الموت نزل بشكل صاروخين متتابعين بلونهم الرصاصي المبيض على رؤوس هولاء الأطفال الذي كان أكبرهم (7) أو (8) سنين، وأصغرهم سنتين وربما أقل, أحدث قصف الطائرة الهيروشيمية تلك لبنايتين متصلتين في منطقة الأبنية الجاهزة, ناراً عالية ودخاناً أسود وصوتاً مدوياً هائلاً أسفر عن صيحات أمهاتهم عندما انكشفت ضوء النهار مجدداً بعدما أصبح ليلاً مظلماً على هؤلاء الصبية المساكين..!
كان عددهم (25) طفلاً قتلهم طيار لم يستطع أن يجابه جيوش الأمريكان الذين أصبح أمامهم كزرزورٍ أمام صقور في الحرب التي انهزموا منها قبل أيام وقتئذ, ولم يكن باستطاعتهم حتى الطيران بعدما أصبح الطيران الأمريكي مهيمناً على أجوائهم, ولكنه من جبنه وحقده وجهله الأعمى كان مهيمناً على الضعفاء، فطار واستأسد على أطفال بعمر الورود..!