محاورة رمضانية

09-05-2019
سوسن عبد الله
أطلّ علينا شهر رمضان الكريم، شهر البركة والخيرات، شهر القرآن الذي فيه هداية للبشرية من الغواية والضلال، وفيه ليلة تكون العبادة فيها خيراً من عبادة ألف شهر، هو ليس شهر خمول وكسل أو طرافة برامج، تبعدنا عن القداسة والعبادة، بل هو دعوة متوثبة لعمل الخير، ولهذا نلتقي في هذه المحاورة الرمضانية الدكتورة مريم هادي حسن هاشم:
- ما هي الأدلة القرآنية والروائية التي تبيّن أن شهر رمضان هو شهر طاعة وعمل؟
د. مريم هادي حسن: شهر رمضان من الأشهر المباركة ذي الفضل والمكانة المميزة عند الله (عز وجل)، لذلك يكون من العفوية والتلقائية أن يميز بكل شيء، يذكر في القرآن الكريم آية واضحة وصريحة على شهر رمضان: ((شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)) هذه الآية دلالة واضحة وصريحة ليس فقط على شهر موجود كبقية الأشهر السنوية أو موجود كبقية الأشهر، وإنما بيّن فيه الغرض ووجوب الطاعة ووجوب الصيام، كذلك بين المنزلة العظيمة لهذا الشهر الكريم الذي انزل فيه القرآن.
نحن كمسلمين دستور حياتنا هو القرآن الكريم، فهذا الشهر الفضيل إحدى ميزاته العظيمة والمميزة التي اقرها الله سبحانه (عز وجل) ووجب علينا الاقرار بها، هو نزول الذكر الحكيم في آية في ليلة مباركة في ليالي هذا الشهر الفضيل.
إذن، هذا الشهر العظيم المبارك مميز بدقائقه ولحظاته عند الله (عز وجل) بغض النظر عن لياليه وأيامه، شهر رمضان غير سائر الشهور، لياليه مميزة نرى في كل ليلة طعماً مميزاً، نكهة مميزة، طقوساً عبادية تختلف عن الشهور الأخرى.
فيه سلسلة صلوات معينة، وطاعات استحبابية وليست واجبة بقدر وجوب الصيام، الاستغفار والتهليل والتهذيب لها مكانة عظيمة عند الله تعالى، ولها اثر كبير على النفس البشرية، حتى الدراسات العلمية تقول: إن قول لا إله إله الله يسد رمق العطش؛ لأن هناك لعاباً يسيل من لسان الانسان، ويغذي هذه الغريزة، غريزة العطش، كيف يكون الله رحيماً اكثر من ذلك، الله تعالى يعطينا طقوساً معينة، وهي مع حضور القلب تؤدي الأغراض الروحانية والعبادية والرحمانية.

- نود أن نسألك عن رمضان عند أئمة اهل البيت D؟
د. مريم هادي حسن: يقول الامام الصادق A: (فضل شهر رمضان على سائر الشهور كفضل رسول الله J على سائر الرسل)، ويقول أيضاً:ـ (فضل أمير المؤمنين A على سائر الناس كفضل شهر رمضان على بقية الأشهر).
هنا يتبين فضل الجزأين، فضل أمير المؤمنين A وفضل شهر رمضان كما في الحديث الاسبق هو يبين فضل شهر رمضان وفضل رسول الله J، ومن فضل هذا الشهر وما يحتويه من مودة ورحمة ومغفرة وتواضع وعطاء أنه لا تفوت دقيقة من دقائقه إلا بذكر الله، ومن كثر فيه الصلاة على النبي J نال من منزلته ما نال، ومن يمر عليه ذكر النبي J في هذا الشهر ولم يذكره فلا ينال رحمته او شفاعته، والكثير من الأحاديث التي تدل على فضل شهر رمضان الكريم، وحتى في قضية الذكر والتسبيح والاستغفار: هل كان رسول الله J يجلس في شهر رمضان في البيت، وينام النهار ويقوم الليل مثلاً، ونحن نعلم ان رسول الله J كان يدير مؤسسة دولة اسلامية، وكان مكانه المسجد النبوي، يجلس ويرعى امور الناس جميعاً، يسيرها من هذا المكان المقدس، لا يوجد لديه مكتب مخصص يجلس فيه او دائرة معينة، كان في المسجد مباح وقته للجميع، فلم يكن يجلس في بيته لكونه صائماً في النهار، ويبادر الى قضاء حوائج الناس بالليل، لم يحصل ذلك..!
- لماذا اصبح اليوم لدينا مفهوم ان شهر رمضان الكريم هو شهر استرخاء وتسلية وليس للعمل، نود ان نعرف من اين اتى هذا المفهوم؟
د.مريم هادي حسن: موروث اجتماعي تنامى خطأ، لدينا الكثير من المفاهيم غير الصحيحة، مع العلم ان شهر رمضان هو شهر العطاء وشهر نشاط وشهر عبادة، نحن لا نفهم مصطلح العبادة إلا بالصلاة والصيام، وفي الحقيقة ان العمل الصالح هو عبادة، التفكر بذات الله عبادة، انجاز بحث علمي عبادة، انقاذ انسان عبادة، جلسات الذكر عبادة.
- كيف نعكس هذه الرؤية القرآنية النبوية على واقعنا؟
د.مريم هادي حسن: يحثنا الإمام زين العابدين A على ان نستقبل شهر رمضان، وقلبنا كله لهفة لهذا الشهر الكريم، اللهفة وهذا الترقب لوصول هذا الضيف المبارك، ونشعر بالسعادة الحقيقية عندما نحمل فكر اهل البيت D منهاجاً لحياتنا، وسلوكياتهم اليومية منهجاً نتدرع به في حياتنا اليومية لشعورنا بالرضا الذي يمنحنا الاستقرار النفسي في البيت او في العمل، ويجعلني أعمل بهدوء، والرضا قادر على امتصاص الغضب والتوتر وعصبية الامزجة.
الصيام هدوء بال، فلنجعل من شهر رمضان لقاء القلوب والعودة الى الذات الانسانية التي يريدها الله سبحانه وتعالى، وهي الذات السعيدة، الذات المستقرة المستقيمة.