محاورة مع كتاب.. (اتجاه الدين في مناحي الحياة) لسماحة السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه) ج12
09-05-2019
علي الخباز
محاورة مع كتاب..
(اتجاه الدين في مناحي الحياة)
لسماحة السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه)
- هل للإنسان بُعد روحي؟
الكتاب:ـ هناك طرح في العلوم الطبيعية يذهب الى أن الانسان كائن مادي محض، فكل الظواهر التي نشهدها لدى الانسان، والنشاطات التي يقوم بها تنظمها قوانين فيزيائية وكيمائية، وليس هناك أي أمر خارج عن نطاق هذه القوانين، وقدرتها التفسيرية لشؤون الانسان، وفي مقابل ذلك اتجاه آخر يرى أن للإنسان فضلاً عن بُعده المادي بعداً روحياً متداخلاً مع البعد المادي، ومن خلال هذا البعد يكون الانسان صالحاً للبقاء بعد الممات، وعلى هذا الاتجاه يرتكز الدين.
ولأن الروح الإنسانية مقرونة ومتداخلة مع البدن على وجه يكون كل نشاط روحي متمثلاً في نشاط مدني، كما أن النشاط البدني مقرون بالنشاط الروحي، ومن ثم نجد أن النشاطات المزدوجة قد تبدأ بالجانب الجسدي، فينتهي الى الجانب الروحي.
- هل البعد الروحي للإنسان مقصور على الغرائز والتفكير والأخلاق أم ان هناك أبعاداً روحية؟
الكتاب:ـ هناك اتجاه آخر يرى أن الجانب الروحي للإنسان ينطوي على ابعاد إضافية لا يخلو بعضها عن الغموض، ولا يصح قسر ابعادها عن الأمور الثلاثة، وعلى هذا الاتجاه يرتكز المنظور الديني، ومن شواهد هذا الاتجاه:
أولاً- الشعور بالخالق، يقرب هذا الشعور الى الذهن، وهو شعور فطري عميق مغروس في لاوعي الانسان وعقله الباطن.
ثانياً- المنامات الصادقة، وهي منامات تخبر عن حوادث مستقبلية بخصوصيات دقيقة موافقة لها، وهناك نماذج معاصرة من هذه المنامات، وقد لا يفقد عامة الناس أمثلة شخصية لها مما اتفق لهم، او سمعوها من غيرهم قبل وقوع تأويلها، من جملتها أن يكثر التفكير والتأمل في سنن الوجود وأبعاده وآفاقه، ويتحلى بالحكمة والبصيرة وعمق النظر وسعة الأفق، وهذه النشاطات عموماً سائغة ولازمة وضرورية للإنسان، وهي وفق المنظورين العقلاني والديني، جزء من السلوك الطبيعي والسليم والراشد، ولكي ينظم الانسان عمله مع جهتها، فمن المهم جداً اتساع مدارك الانسان في هذه الجهة بما يجعله قادراً على استيعاب الواقع.
النشاطات الروحية الأخلاقية هي مشاعر نفسية تنبعث من الضمير الإنساني اتجاه نفسه والآخرين، وهي أيضاً وفق المنظورين العقلاني والديني نشاطات محمودة وضرورية للإنسان في التعامل مع الآخرين، فإنها مصدر للآداب وكيفية التواصل، ويشتمل النشاط الأخلاقي على تهذيب الانسان لنفسه بسعيه الى الاتصاف بكل خصلة فاضلة من الصدق والصفاء والعفاف والوفاء والعدالة والإحسان، وتجنب كل خصلة ذميمة او وضيعة: كالكذب والنفاق والرياء والظلم والخيانة والإساءة والاعتداء والقول بغير علم.
ومن تهذيب النفس أن يقتنع من شؤون الدنيا لنفسه، ويحب الاقتصاد، ويكره الترف، ويتصف اتجاههم بالتواضع، ويكره الجاه والتميز والترفع والكبرياء والشهرة، وأما الترغيب الديني عن النشاطات الغريبة وهذا القسم بجميع انواعه نشاطات روحية مرضية أو ذميمة او لاغية لا جدوى منها وفق المنظورين العقلاني والديني، ولايتصل بالدين والتعاليم الدينية بصلة ولا دلالة فيها على حقانية او كرامة او صلاح وفق المنظور الفطري والديني، ويوجب بروز ممارسات شاذة وغريبة منه.
وكثيرا ما يكون الداعي اليها طلب التميز بين الناس، وكسبهم وإخضاع الآخرين وإلهامهم الاتصال بالله سبحانه والعوالم الروحية والتحكم فيها، ومن ثم خلق جماعة جديدة او دين جديد يكون هذا الانسان رأسا له.
كما أن المجتمع يتضرر من هذه الفئة ومن جهات عديدة، أبرزها تشرع فريق من الناس بالتصديق بأهمية هذا الانسان وصواب منحاه، واتصاله بالعوالم الروحية وقدرته على حل مشاكلهم بما يوجب إضراراً كبيراً لسعادة الناس وسلامة تفكيرهم وعقائدهم، ومن هذا المنطلق لا يرغب الدين بأي ممارسات من هذا القبيل، فالدخول في مثل هذه المداخل، وعليه فإن الدين لا يشجع الانسان على الاهتمام بأن يتصف بقوى ذاتية خارقة يتمكن من خلالها من ممارسة أمور غير اعتيادية، والإطلاع على بعض المغيبات، وأما الكائنات غير المادية تنقسم الى قسمين: القسم الأول- الخالق سبحانه وتعالى موجود متميز في سنخ وجوده عن سائر الكائنات كلها، ليس له محدوديات زمانية ولا مكانية ولا جسمانية، القسم الثاني- سائر الكائنات غير المادية: كالملائكة والجن وأرواح الموتى، وهذه الكائنات وان لم تكن لها مادة بالمعنى الذي نفهمه من المادة.
الانسان إضافة الى بعده المادي لديه بعد روحي تنتمي اليه النشاطات الفكرية والنفسية والأخلاقية، وهذا البعد الروحي في الانسان يجعله قادراً على اكتشاف وجود كائن غير مادي من خلال اداتين يتطابق بشأنهما المنظران العقلاني والديني: أولاً- الفطرة الإنسانية الصافية، وهي أن الانسان يشعر بالتأمل في ذات نفسه فراغات لا تملأ إلا من خلال الشعور بكائنات أخرى، وهو يجد في شأنه حاجة نفسية الى الابوين، والى مجتمع يتواصل معه ووجوه مختلفة، اللقاء والصداقة والجوار وغيرها والى علاقة وثيقة وشخصية من خلال الزواج، ومن جملة ما يشعر به بفطرته هو الحاجة الى كائن قدير ومهيمن على المادة يرجوه ويبث اليه همومه، ويلتجئ اليه حيث لا ملجأ سواه، وأشعر ان تقلص الايمان وضعفه في العالم المعاصر يمكن ان يؤدي تدريجياً الى آثار سلبية متفاقمة، بما يؤثر على الشعور بالسكينة والطمأنينة، ويوجب تقلص الاستقامة والسلامة النفسية.
- ما مدى ضرورة الارتباط بالله سبحانه تعالى؟
الكتاب:ـ إن الانسان ليس كائناً مادياً محضاً، ويمتاز بين الكائنات المادية بميزتين: الأولى- انه مجهز بالشعور الذي يشده الى ما وراء المادة. الثاني- انه مجهز بالعقل والتفكير والقدرة على التعلم والاستكشاف، يبقى الانسان محتاجاً حتى يزداد لديه الوعي ويتعلم بالتعليم والتفكير وليس بحض الغريزة.
وعليه، فإن هناك رهاناً في اكتمال الانسان على قوة التفكير والتفهم والاستكشاف والاستطلاع، وهذه نافذة عقلية للإنسان على ما وراء المادة، يستطيع من خلالها اكتشاف وجود كائن خالق للكون المادي، متصف بمواصفات مختلفة عن المادة ومؤهلاتها العظيمة.
إن الانسان بفطرته يتوقع قدرته على حل مشاكله وقضاء حوائجه من حيث يسيطر على مفاتيح الكون وكوامن الأشياء؛ كونه متصفاً بالعقل والعلم، وأما نظام الضمير الإنساني، فإن الله سبحانه وتعالى اودع في الانسان منظومة القيم الفاضلة وحرية الاختيار، فإنه وفق النصوص الدينية يحمي هذه القيم، ويهتم بمراعاة الانسان لها.
إن المبرر الأخلاقي يكفي بما يلزم الانسان مراعاته في شؤونه كلها، وهذا المبرر وفق المنظر الديني والعقلاني قائم في شأن الله سبحانه من جهة انعامه على الانسان بالخلق والنعم كلها. إن أعمال الانسان كلها وفق المنظور الديني آثار خالدة بعد هذه الحياة، يلقى الانسان بالعمل الحسن حسنة، وبالعمل السيء سيئة.