من اروقة الحياة

10-04-2019
هاشم الصفار
الحوار الأسري:
علاقة راقية تلك التي تنشأ بين الأب وابنه، والأم وابنتها، حين يتفهم كلاهما مطالب ابنائهم، ويتحاورون معهم، ويتبادلون أطراف الحديث بمنتهى الألفة والتسامح، وليس بغض النظر، وعدم الاهتمام، وتعنيفهم لأدنى طلب أو سؤال منهم..!
إن الأولاد بطبيعتهم كثيرو التساؤلات، فما يصادفونه في حياتهم من أمور وحوادث هي جديدة عليهم، وبإصغائنا لهم، نكون قد فتحنا أبواب مداركهم على الفهم الصحيح لما يدور حولهم، فغالبية الآباء والأمهات مشغولون بأنفسهم ومتعلقاتهم، الى درجة أنهم يعتبرون مهمتهم مع أبنائهم تقتصر على الملبس والمأكل فقط..! وحين تسأل أحدهم: هل تجلس مع ابنك؟ هل تحاوره؟ هل تعتبر نفسك صديقاً له؟ هل بينكما مشتركات معينة: كممارسة رياضة، والسفر، وأداء الزيارات معاً، وأي عمل آخر داخل أو خارج البيت؟ هل تشركه معك دائماً لينضج ويكبر بوعي واتزان؟
سيخبرك بأن عمله وارتباطاته أهم بكثير من مسألة الجلوس مع ومحاورته، وأنه لا يمتلك الوقت اللازم لذلك، فهو يريد أن يرتاح بعد عناء يوم شاق، أو أنه مرتبط بتأدية متعلقات اجتماعية مهمة خارج البيت..! وهذا ينطبق على الأم كذلك.. فمتى إذن يجد الأبناء الأذن الصاغية التي تمثل لهم المدرسة الكبرى في حياتهم المستقبلية..؟
لماذا ندعهم تحت رحمة الأصدقاء والمجتمع بغثه وسمينه، تتقاذفهم الأفكار والتيارات هنا وهناك؟ لماذا لا نكون نحن من يأخذ بأيديهم الى بر الأمان، بجلسات حوارية يومية، بمشتركات تهدف الى تقوية أواصر العلاقة معهم..؟
إن نشوء هذه العلاقة المتينة الرصينة بين الوالدين وأبنائهم، من شأنه أن يحفظهم من الضياع، ويعمل على اتزانهم فكرياً وثقافياً ودينياً بحيث يعيشون بكامل الثقة بالنفس، يمتلكون الشخصية القوية، والإرادة الصلبة التي تمكنهم من خوض غمار الحياة بنضج، ووعي، وتفكير سليم، وأهداف وتطلعات طيبة.

بطاقة عمل:
العمل مهما كان نوعه وتحصيله، يعد ضرورياً بحد ذاته في تجدد حيوية الانسان، والقضاء على حالة الملل التي تصيبه من جراء البطالة أو التكاسل، أو بسبب كثرة النوم أو الاستلقاء، وسائر الروتين اليومي.
والعمل كذلك يساهم في تنمية الأهداف الحقيقية في الحياة، وتقوية الجوانب الروحية والثقافية للفرد، وعلاقته الإيمانية اليقينية بعطايا السماء.
فالحراك اليومي الدؤوب هو البوابة التي شرعها الله سبحانه لتحقيق ما نصبو اليه، سواء على مستوى الصحة والنشاط.. أو على مستوى الحصول على علاقات اجتماعية طيبة جراء الاختلاط والتواشج مع العاملين في حقل العمل الواحد، وما فيه من تبادل المعلومات والخبرات، وكذلك على مستوى الشعور بالأهمية والاهتمام من الآخرين، حين يكون عملك متألقاً متميزاً، فضلاً عما للعمل من دور رئيسي في تعزيز الثقة بالنفس، وبوابة لضمان تحقيق الأمنيات المشروعة، وتجسيدها عملياً في الواقع المَعِيش.

الشعور بالظلم:
من الأمور المحزنة للفرد في هذه الحياة، أن يرى نفسه مظلوماً لم ينصفه المجتمع، ولم تسعفه شهادته، أو ابداعه، ولا حتى أخلاقه الطيبة، أو علاقاته الاجتماعية الواسعة في أن يحصل على عمل، أو وظيفة جيدة، أو منصب مهم، أو مكانة مرموقة..!
وهكذا يندب حظه، ويبقى يتلاوم ويلوم نفسه ومجتمعه كثيراً، ويجعل النقد والاتهامات شعاره، بحيث تشعر وأنت تجالسه بأن يوم القيامة سيحين الساعة لا محالة، وأن الوضع كله ميؤوس منه، وستحصل كارثة عما قريب..!
إن الحياة لا تعطيك دائماً وفق معادلة الأفضلية، أو المعادلة القيمية، إنها دنيا لا تخضع لمعايير أخلاقية، أو مبدأ العدالة والمساواة، وتقديم الفاضل على المفضول، وفق مقاييس صائبة محددة على طول الخط، فالإنسان الواعي المؤمن بعطايا الرب (جل في علاه) عليه يقدم في حياته ما يستطيع فعلاً تقديمه والقيام به، وتبقى النتائج والتوفيقات والبركات منه سبحانه، إن تحققت فيوضاته فبها، وإلا فهي دار امتحان وابتلاء ومحن، لا يصفو حالها دائماً، وهي لم تصفُ لمن هم أزكى وأطهر وأجل منا على مر التاريخ، فالصبر أحجى وأجمل، وثماره طيبة عاجلاً أم آجلاً.