قليل من الانصاف بالمعلم
10-04-2019
السيد عبد الملك كمال الدين
بين حين وآخر، تنتشر الأخبار وترفرف رايات البعض من الاعلاميين وحتى بعض القنوات الفضائية، وهي تنشر غسيلها المكتظ بالإشاعات، والأخبار المبالغ فيها وحتى بعضها الضعيف السند، وهي تشهّر بأحد التربويين معلماً أو مدرساً بأنه استعمل العقوبة المفرطة في تأديب أحد تلامذته، فأدى ذلك الى كسر يده أو اصبعه - وهكذا يدّعون - بدون رحمة ولا انصاف، والاطلاع على واقع الحدث وأسبابه، مضخمين الحدث وكأنه عمل ارهابي تكفيري..!
فما هكذا تحل الأمور أيها الاخوة..! فقليل من عناء البحث حول تفاصيل الحدث وتناوله من جميع جهاته، ولا سيما في المدرسة التي حدثت فيها المشكلة، وعقد جلسة يحضرها المعلم صاحب الشأن، ومشرف تربوي ومجلس ادارة ومعلمو المدرسة، ومدير مجلس الآباء والتلميذ ووالده، ويم مناقشة الأمر بشكل تربوي أبوي وجداني، ويحل الأمر بالاعتذار والتراضي دون شكاوى وتشهير، حتى تستمر العملية التربوية بشكلها الصحيح.
أتذكر في ثمانينيات القرن المنصرم، حدث أمر من هذه الأمور خلاصته أن معلماً كبيراً في السن وصاحب تجربة تربوية لثلاثين عاماً، تعرض لحادثين مؤلمين: أحدهما انقطاع أخبار ولده وهو عسكري في الجيش إبان الحرب العبثية على ايران، وكذلك أسر أخيه وهو في الجيش الشعبي الذي كان عاملاً في معامل النسيج، ويعيل عائلة من خمسة أولاد وبنات وزوجة، وكان التحمل صعباً ومجهداً على هذه المعلم، وهو بحالة صحية ونفسية تعبة جداً، ولكنه لم ينقطع عن دوامه بالمدرسة، وهو بذلك الاخلاص والتفاني في خدمة وتربية تلامذته.
أصبح الصمت مع زملائه يسيطر على حالته الظاهرة في حياته اليومية، وفي يوم قام أحد تلامذة الصف وهو معروف بمشاكسته، وعدم انسجامه مع معلمه وتلامذة صفه بنزع السبورة عن مكانها، وضرب البعض من تلامذته الصف دون سبب، فبادر المعلم مسرعا لإمساكه، والتوت يده وهرب من المدرسة..!
علم المدير والهيئة التعليمية بهذه الحادثة، وهم على يقين بأن المعلم لم يكن متعمداً اطلاقاً سوى أنه أراد السيطرة على هذا التلميذ، وإبعاد الآخرين عن شقاوته، كل هذا الحدث، ولم يشتكِ ولي أمره؛ لأنه يعرف شقاوة ولده والذي هو يعاني أيضاً..!
الغريب في الأمر أن أحد الاعلاميين وهو مسؤول كبير في الاعلام والصحافة، كتب عن هذه الحادثة مبالغاً ويهدد بالويل والثبور على المعلمين..! حقيقة قابلته في مقر عمله ببغداد، وشرحت له حقيقة الأمر بتجرد وموضوعية فلم يقتنع، فتكلمت معه وقلت له: قليل من الانصاف بالمعلم، وأنت بهذه المنزلة الاعلامية، المفروض أنت الآن من يساعد في حل هكذا أمور..! لذا ينبغي على الاعلام وقنواته المتنوعة أن يكون صاحب رسالة ومشروع تنموي اعدادي تأهيلي، يقوم بمعالجة الأمور والحوادث التي تحدث هنا وهناك بموضوعية وتفهم ونصح وارشاد.