محاورة مع كتاب.. (اتجاه الدين في مناحي الحياة) لسماحة السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه)
09-04-2019
علي الخباز
محاورة مع كتاب..
(اتجاه الدين في مناحي الحياة)
لسماحة السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه)
- كيف تتم اصالة احترام المعاهدة ولو مع غير المسلم؟
الكتاب: أصل في غاية الأهمية في القانون الفطري، وعليه يبتني السلم الداخلي كما يبتني السلم الخارجي في المجتمعات. أساس النظام الحديث هو تكوين الدولة ليمثل القانون ميثاقا اجتماعيا بين المواطنين يجب على جميعهم رعايته وحفظ حرمات بعضهم لبعض على أساسها.
فهذا الأصل ينظم العلاقة بين المسلمين وغيرهم تنظيما متكاملا يضمن حرمات الطرفين سواء كان جاريا بين الناس بصفتهم الدينية كاتفاق المسلمين مع غيرهم او كان بين الناس بصفة أخرى كالمواطنة التي يشترك فيها المسلم وغير المسلم، ويلتزم من خلال الانتماء الى الوطن بميثاق اجتماعي بين اهله. عقد معاهدة لحفظ حرمات الطرفين امر متداول في المجتمع العربي قبل الإسلام وقد كان الوفاء بالعهد أمراً محترماً جداً عندهم، وكان الغدر سبة على صاحبه، وضعة بالغة فيه مستوجباً سقوط حرماته، هذه من قبل الذين غدر بهم كضرب من المقابلة بالمثل لسقوط الثقة به تماما وعدم الامن من جهته في حال من الأحوال.
وعلى هذا الأصل جرى نبي الإسلام عندما وفد على المدينة واذعن له أهلها فكتب وثيقة تضمن حرمات المسلمين فيما بينهم, وضمن على أساسها حفظ حرمات اليهود والنصارى الذين كانوا يعيشون حولهم وهذا الأصل يضمن في العصر الحاضر مراعاة حرمات غير المسلمين سواء في البلاد الإسلامية او غيرها.
المهم ان هذا النظام جهة مسلمة ونافذة وقد اذنت بدخول غير اهل الدين على أساس الأمان فلا يحق لسائر المسلمين التعدي عليها. التأصيل الشرعي العام لا يحق للمسلمين التعدي على البعثات الدبلوماسية للدول غير المسلمة في بلادهم فضلا عن الدول المسلمة, واما حال غير المسلمين في غير بلاد الإسلام فانه وجوب حفظ حرماتهم اجلى وأوضح.
اقبح شيء في الفطرة والدين والإسلام تعدي الضيوف على حرمات المضيف الامن بأي شبهة, والإسلام لاحظ في احكام الحرب آدابا إنسانية عامة لا مخرج عنها. ان الدين لا يستبيح حرمات الاخرين بحال ولا يدعو الى التعصب الظالم ضد غير اهله, لزوم عقد المعاهدة الضامنة للأمن مع الاخر فلا يصح للمسلمين حتى في ظروف قوتهم التعسف من خلال المعاهدة بفرض شروط ظالمة على الاخرين.
- اذا كان التأصيل العام في الإسلام حفظ احترام الانسان فما وجه الحاجة الى المعاهدة مع الاخرين؟
الكتاب: ضمان مراعاتها في حق الجميع بشكل عادل وحقهم في التعامل مع الطرف الاخر في حال نقضه بما يستحقه الغادر بالعرف والقانون فمن إيجابيات أسلوب المعاهدة ان يكون اكثر تطمينا لكل طرف باتجاه هواجس الطرف الاخر دون توثيق المعاهدة تسهل المكيدة بين الطرفين ولذلك لا بد من تنظيم الحق مع الاخرين في الإسلام على سبيل المعاهدة العادلة التي يكون أساسها القيم الإنسانية, فان بناء الإسلام في حفظ الحرمات مع الاخرين على اساس المعاهدة لا يعني عدم وجود حرمات فطرية ينبغي مراعاتها في حد نفسها.
ان المعاهدة آلية لضمان حفظ الحرمات الفطرية من قبل الطرفين, وقد كرر وجوب الوفاء بالعهد وأداء الأمانة بآيات كثيرة من القرآن بل جعل الوفاء بالعهد من جملة الاخلاق الإلهية وقد طبق الدين هذه النظرة في شأن الالتزام مع الاخرين تماماً، فأكد على المسلمين الالتزام بعهودهم مع الاخرين.
ولقد كانت عناية النبي في الوفاء بالعهد وتجنب الغدر امرا عينيا ملحوظا في تعامله مع المشتركين والمنافقين, وكذلك كان الامام A في كلام له في معاوية (مصدره: نهج البلاغة: ص/318): (والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر لكنت من ادهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة, وكل فجرة كفرة, ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة).
وقال A في عهده لمالك الاشتر: (وان عقدت بينك وبين عدوك عقدة أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالامانة). وقال A أيضاً: (أيها الناس، ان الوفاء توأم الصدق). وفي حديث للإمام الصادق A: (لا ينبغي للمسلمين ان يغدروا ولا يأمروا بالغدر ولا يقاتلوا مع الذين غدروا).
فالغدر بالآخرين بعد إعطاء الأمان وامنهم على انفسهم وغدر المسلمين بعضهم ببعض والغدر بمن تحالفوا معهم على ان يحمي بعضهم بعضا والغدر بالمعاهدة مع الجماعات والدول المجاورة المسالمة جميعها يعتبرها الإسلام قبحا وغدرا, وضرورة التمييز بين الشريعة وبين الفقه الاجتهادي والعمل السياسي من قبل الولاة بعد عصر النص او الاجتماعي من قبل عامة الناس فهناك ضرورة التفريق بين الشريعة والفقه الاجتهادي ولابد من التفريق بين الدين ورأي المجتهدين في الدين، فإن الاجتهاد في الدين يعتمد على ما يتيسر للفقيه من أدوات اجتهادية وعليه فلا يمكن ان يحتسب أي موقف اجتهادي يعتقد بمخالفته لمبادئ العدالة على انه يمثل الدين وخطوطه العريضة تمثيلاً تاماً.
وتعتبر بعض الحالات من قبيل التزاحم في الحقوق في مقام مراعاتها بمعنى ان هناك استحقاقات متعددة لا يمكن الإيفاء بجميعها كما لو توقف انقاذ غريق على الدخول في ملك الغير بغير اذنه لأجل انقاذ الغريق حيث لا يمكن الإيفاء بحق الغريق في إنقاذه وحق المالك في عدم التصرف في ملكه بغير اذن، ولا بد حينئذ من تقدير الأهم والمهم ومراعاة الأهم من الحقوق, فلكل من العدل والظلم مساحة مؤكدة واضحة وبينة ولكنهما يخفان تدريجيا ويمتدان في مساحتهما حتى يتجاوران فتكون الحدود المتجاورة منها خفيفة ومتشابهة فيحتاج تمييز الموقف العادل عن الظلم الى مقومات اكبر لا سبيل للحفاظ على الامن الا بالعمل وفق القواعد الحازمة السائدة .
الأعراف الدولية الجارية قد لا تكون المثلى في الموضوعات التي تعالجها، ولكنها هي الأدوات المتيسرة لحفظ الأمن العادل فليس هناك من محيص عن اتباعها في ظروفها رغم كونها مثالية بشكل مطلق.
ومن الأمور التي ينبغي الالتفات اليها هو أهمية الجوانب التاريخية في حال تأمل الانسان في حوادث هي جزء من الماضي أو في نصوص تاريخية مثل معالجة استحضار تلك الحوادث بشكل حي من اجل الإحاطة بجميع جوانب المشهد فان كثيرا من الجوانب ما تخفى بمرور الزمان .
وقد قامت الدولة في المدينة المنورة وفق ضوابط الحكم العادل لقد كانت منبثقة عن جمهورها راعية لمصالحهم غير مهددة لمن حولها ولم يكن انعقادها على أساس الغلبة والقهر والاكراه بل على أساس الاستجابة الطوعية للناس والتعاقد الاجتماعي بين الجمهور, أي تهديد لهذه الدولة لم يكن يستهدف التغلب على الحكم بل كان يستهدف تمام افرادها؛ لأنهم كانوا قد امنوا بعقيدة جديدة مغايرة للبيئة التي كانوا فيها.
إن تحقيق الانسان للأمن الاجتماعي فيما يتوقع على ضرب من العقل الاجتماعي بين الأشخاص المترابطين لحماية بعضهم البعض وفق ما توجبه الظروف الثقافية والاجتماعية والسياسية في المجتمع, فالنظام القبلي السائد في الجزيرة العربية كان مبنيا على نحو من الميثاق الاجتماعي الداخلي بين اهل القرية, اما الامن الداخلي تم توفيره فيما بين المسلمين انفسهم على أساس الاشتراك في الإسلام باعتبار ان الإسلام وثيقة اخوة بين المسلمين مما يقتضي عدم اعتداء بعضهم على بعض بل حمايته في مقابل الاخطار.
ولكن كان الكيان المسلم كيانا مهددا سواء من قبل الفئات غير المسلمة في الداخل او في خارج المدينة حتى الذين تعاقدوا معهم, لقد كان غير المسلمين ينظرون الى الكيان المسلم بنظرة غاضبة تعتبر الإسلام دينا مبتدعا يفترض بذل أي جهد ميسر لتشكيك اهله به من خلال الأساليب الخطابية والاحساسية.
ورغم ان الإسلام اظهر حججا معقولة وعقلانية وافية وفق مدرك عامة الناس في انه ليس دينا مبتدعا لغاية سياسية، وانما هو دين حق وفرصة نادرة اتاحها الله سبحانه وتعالى للإنسانية.