التنظيم الارهابي (داعش).. وخراب مدينة الموصل..!
30-03-2019
علي العسكري
التنظيم الارهابي (داعش)..
وخراب مدينة الموصل..!
تقع مدينة الموصل في شمال العراق بمسافة (460كم) عن العاصمة العراقية بغداد، وتعد من اقدم المدن الموجودة في التاريخ، وثاني اكبر مدن العراق مساحة ويسكنها حوالي 2 مليون نسمة من مختلف الاديان والطوائف والقوميات حيث يشكل العرب المسلمون النسبة الاكبر منها الى جانب اكبر تجمع مسيحي في العراق واقليات من الإيزيدين والشبك الشيعة موزعين في اطراف المدينة. منذ العاشر من حزيران من العام 2014م تلك اللحظة لا تزال عالقة في اذهان العراقيين عامه والموصلين خاصة بعدما اكتسحت المدينة الرايات السوداء واللحى الطويلة وبدأت (داعش) تحوك خيوط ظلامها ،وخروج الموصل من قبضة الدولة العراقية وبساعات قليلة، ولأسباب ما يزال يسودها الغموض الى الآن..!
حيث فرض التنظيم الارهابي سيطرته على جميع المباني في المدينة شهدت المدينة تغيرات جذرية واحداثا جسيمة ووقائع دموية بدءا من تغيير هيئة المدينة مرورا بإعادة هيكلية الحكومة المحلية وبناء داعش مؤسساته وتشجيع مقاتليه الاجانب على الاستقرار فيها وفرض قوانين تعسفية على المواطنين، وارغام السكان على تطبيقها بقوة السيف والدم وتطرفه ضد اي شكل من اشكال المقاومة او المعارضة التي تسعى إلى ارجاع المدينة إلى سابق عهدها.
هذه الأحداث خلفت اسئلة عديدة مع صعوبة ايجاد اجوبة لها في ظل عدم قدرة الصحافة الوصول إلى مدينة الموصل حينها وفقدانها لوسائل التواصل مع الفضاء الخارجي خصوصا وأن (داعش) فرضت قوانين صارمة لكل من يسرب معلومات إلى الخارج بتهمة (التجسس) وتنفيذ القصاص بحق كل من يفعل ذلك. لكن السؤال الأهم كيف عاش الأهالي تحت وطأة الخوف والظلم طوال هذه الفترة؟
بعد الدخول المفاجئ لـ(داعش) إلى الموصل شوه معالم المدينة حيث فجر الجوامع والكنائس ومراقد الانبياء وعبث في جامعة الموصل العريقة وظهرت ما يسمى (بهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) التي كانت مهمتها تطبيق والعقوبات على كل من لا يلتزم بأحكامهم.
نزحت اكثر من 100 ألف اسرة من مختلف أقضية ونواحي المدينة الى المحافظات الجنوبية والشمالية وحتى خارج العراق وعندما ادرك التنظيم الارهابي انه سيفقد السيطرة على السكان اصدر أوامره بغلق الطرق المؤدية إلى خارج المدينة ومنع الأهالي من مغادرتها إلا للحالات المرضية المستعصية والخطيرة شريطة ان يكون مكفولا من احد سكان الموصل في الداخل ومزكاة من قبل طبيب وأن لا يخرج مع المريض إلا مرافق واحد مع تعهد اهل المريض بالرجوع إلى المدينة في حال اكمال العلاج اللازم، واخذ سند ملكية ومستمسك رسمي اخر يصادر في حال عدم رجوع المريض مرة اخرى.
كل هذه الأوامر المعقدة التي فرضتها تنظيم داعش الارهابي على الموصلين ارغمت الأهالي المتواجدين داخلها بالبقاء فيها وعدم قدرتهم على الخروج منها، والمواطنون الذين اجبروا على البقاء، اصبحوا بمثابة السجناء حيث عزلوا عن العالم الخارجي والجميع يشعر بخيبة امل حتى الذين أيدوا دخول (داعش) وأن الجميع يعاني من نقص في جميع مستلزمات الحياة باستثناء ثله قليلة هم عناصر تنظيم داعش ومؤيديهم حيث استولوا على افخم الفنادق الموجودة في المدينة وتقدم لهم كافة الخدمات وكل وسائل الراحة وان اهالي الموصل يصارعون الموت ببطء؛ بسبب نقص الخدمات وفقدان ضرورات ديمومة الحياة وانقطع الماء من مساحات واسعة من المدينة وشحة الادوية والمستلزمات الطبية في المستشفيات والمراكز الصحية.
أما من الناحية الاقتصادية، فإن هناك ارتفاعا لأسعار المواد الغذائية وصعوبة وصولها الى المدينة؛ بسبب العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش العراقي والحشد الشعبي على الطريق الرابط بين الموصل وسوريا مرورا بالأنبار من اجل تحرير المدينة من براثين العصابات الارهابية، مما ادى الى ارتفاع اسعارها بشكل غير منطقي وأنها تختلف في اسعارها تبعا لدرجة توفرها في الاسواق.
ومن شدة خوف تنظيم (داعش) ابان حكمهم في الموصل، انهم اعدموا المدراء العامين والمسؤولين التابعين للحكومة المحلية المنحلة خشية ان تكون لهم صلة بالحكومة المركزية ويعدمون كل من يشتبهون به وأمام انظار الناس؛ لكي يثيروا الرعب والخوف لدى المواطنين العزل.
أما المرأة فإنها تجبر على الزواج قسرا من مقاتلي عناصر التنظيم، وخصوصا الاجانب منهم وفرض عليها ارتداء النقاب وفي حال مخالفتها توضع تحت طائلة العقوبة هي وافراد عائلتها.
كما تمنع من الخروج بمفردها حيث يلزمها محرم واحد على الاقل حتى تستطيع الخروج وان يكون الخروج فقط لوقت الحاجة. مما اجبر بعض العوائل الموصلية على زواج بناتهم لأي شخص يتقدم اليها حتى يتخلصوا من مسؤوليتها؛ لأنها اصبحت عبئا عليهم ولكي تحمي نفسها من بطش التنظيم الارهابي والزواج القصري لعناصرهم.
وأيضاً الشباب لم يخلُ نصيبهم من استبداد (داعش) فقد اجبروا على ارتداء الزي الأفغاني واللحى الطويلة..! إلا ان هناك عوامل فكرية سعى التنظيم إلى ترسيخها في عقول الناشئة من سكان المدينة، حيث عمل تنظيم داعش على تغيير المناهج الدراسية وفق ما يرونه مناسباً لأفكارهم وتطرفهم وخصوصا مادة التربية الاسلامية وضعوا الافكار الدموية لدى الناشئة واجبروهم على تعلمها، وحرّفوا الاحكام الاسلامية التي لا تمت للإسلام بصلة.
ومنع الشباب من السجائر والشَعر وتنفيذ القصاص لكل من يخالف.. واجبر الأهالي على تطويع الصبية للتدريب بحجة اعدادهم للجهاد، وكثيرا ما ينفذ الصبية حكم الاعدام للمخالفين في الشوارع وامام اعين المواطنين..!
أما الاقليات في المدينة من المسيحين والإيزيديين هم الاكثر ضررا من بطش داعش الارهابي، فقد هُجّروا من بيوتهم قسرا، وقُتلت اعداد كبيرة منهم في اكبر مجزرة شهدها التاريخ الحديث، وتم اغتصاب نسائهم وبيعهن في الاسواق بحجة الجواري..!
باختصار رغم الحياة العصرية التي يعيشها العالم لكن مدينة الموصل عاشت في عصور متأخرة من الزمن وكل ما ذكر سلفا يكفي لتحويل الموصل الى مدينة اشباح.
ان تنظيم (داعش) عاش حالة انذار وتأهب قصوى لا سيما بعد تحرير صلاح الدين والفلوجة والأخيرة الشرقاط حيث شعر ان رياح الخطر بدأت تصل اليه وفقدان جزء كبير من قواعده خارج الموصل.. لذلك اصبحوا يجوبون الشوارع ليلا للحفاظ على ما تبقى من تنظيمهم وخوفا من وجود جيوب مقاومة او بوادر انتفاضة شعبية او ربما خلايا تساند وتمهد دخول الجيش العراقي والحشد الشعبي.