محاورة مع كتاب.. (اتجاه الدين في مناحي الحياة) لسماحة السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه)
30-03-2019
علي الخباز
محاورة مع كتاب..
(اتجاه الدين في مناحي الحياة)
لسماحة السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه)
- هل الدين يعتمد العلم، وهل العلم جزء من رسالة الدين، وهو المعني ببيان الحقائق العلمية للإنسان؟
الكتاب: الدين رسالة الله سبحانه وتعالى الى العباد، تنبههم على الحقائق الكبرى، لا احد يدعي عناية الدين ببيان جميع الحقائق العلمية للإنسان، الله سبحانه وتعالى يعلم بحقائق الوجود، ولا يعني انه معني بتعليم الانسان لتلك الحقائق والرسالة التي يبعثها الى خلقه، والدين زوّد الانسان بما يضمن اندفاعه بتلك الحاجات في مناحي الحياة ومحور الحقائق الكثيرة: (التنبيه، التذكير، الايقاظ) ومحور الفضائل والوصايا (التربوية، النفسية، والاجتماعية).
ويرى البعض من انباء الدين في بعض الحقائق العلمية غير المعروفة كدليل اعجازي فيها دلالة على حقائق علمية لن يكتشفها الانسان الا في الأزمنة الأخيرة؛ لتوفير ما يعزز الايمان في عصر العلم.
- هل ثمة الضوابط يجب رعايتها بالتفسير العلمي لنصوص الدين؟
الكتاب: هذا الطرح غير محذور، وهناك نصوص كثيرة مثلت كشفاً خارقاً ينبغي الالتفات في شأنه، والنظر الى بعض الحقائق التي لم تكن معروفة، وهذا أمر طبيعي بالنظر الى احاطة الله تعالى بتلك الحقائق، فشأن الدين هداية الناس الى ابعاد الحياة وتذكيرهم بالسلوك الصحيح.
علماً أن السياق العام الذي ذكرت فيه الظواهر الكونية والإنسانية هي الفات نظر الانسان اليها للاعتبار بها او لإثارة دلالتها في شأن الحقائق الكبرى، آيات ناطقة على وجود الله سبحانه وتعالى وتدبره وقدرته.
وعلى الباحث ان لا يتكلف تفسير أي وجه يشير به الى حقائق غير معهودة، ولذلك لا تقوم به صحة بحجة وحقانية الدين في غنى عن مثل ذلك، فإن الحجج الضعيفة توهن الدعوة الحق، وتضعف موقفها بدلا من تقويتها واثباتها.
أما نظر الدين الى الاحتجاج بالإعجاز العلمي امر غير مطروح بشكل صريح من قبل الدين لإقناع الانسان غالباً حيث يشتغل على دلالات النص في ضوء الأدوات اللغوية المستخدمة وبأداء فيه الرقي والاسترسال، وهو لا ضر فيه، ولا ننفي ما تضمنت نصوص الدين الانباء ببعض الحقائق العلمية التي سوف تنكشف مستقبلاً بقول مطلق، بل ذلك امر واقع في بعض الموارد، ولكن ينبغي التهيب عن تحميل شيء على النص وعدم ليّه حتى يفيد.
- ما هو الدور الذي يؤديه الدين في الالهام؟ وهل هو حاجة فطرية ام مكتسبة؟ ومدى حقانية الرؤية الدينية؟
الكتاب: للرؤية الدينية دور مهم وكبير او مشهود، فتتأمل في دور الأنباء عن عدم فناء الانسان في الفناء في الالهام ما تضمه الرؤية الدينية لبقاء الانسان بعد الحياة، وهذا يرضي تطلعات الانسان، ويوجب له نشاطا وحيوية بالخلود.
واما البناء على فناء الانسان بالممات، يسبب الشعور بالخواء داخل الانسان، وشعوره بتفاهة وجوده..! تأمل حال العلماء والذين أدوا خدمات جليلة للإنسانية يلاحظ تطلعا له الى بقائهم، ويرجو لهم السعادة والسرور، ولكن سعي بعضهم الى توفير الالهام للإنسان من خلال مقولات أدبية، وبعضهم صوّر روعة الحياة بأنها حياة واحدة وكل لحظة فيها لا تعود، وهذه البدائل الخطابية غير صالحة لأن تكون بديلاً عن التطلع الى إيجاد بعد هذه الحياة والانسان يتطلع الى وجود كائن اعلى منه، قدير يملك ازمة الحياة، ويعيش هو في كنف رعايته.
لكن تمسك الانسان بالمشاعر الحسية أدى به في جملة من الحالات الى الإذعان ببدائل موهومة وخرافية: كالأصنام والكواكب والبشر نتأمل في ان نشأة الدين في حياة الانسان هل هو رسالة من الخالق ام هو صناعة من فئة طموحة في توجيه الناس الى مسار الفضيلة هو النتيجة حتى صارت عقيدة جمعية بالتلقين.
هناك تقبل واسع وعميق من الانسان لهذه الفكرة، وشعور بالتلقي بالإله والطمأنينة في كنفه، ولئن سارت الإمكانات الإنسانية بعض الشيء نحو هذا التطلع، فإنها لم تحل محله في إعطاء السكينة له، وبسبب ضعف الايمان بالخالق الراعي للإنسان، فهناك دوافع الالهام الفطرية، وهناك دوافع الالهام المكتسبة.
الصفات الفطرية دوافع مركوزة في خلقة الإنسان، وصفات منجزة مثل: الأكل والشرب وصفات كامنة تنتظر تحفيزها مثل: النكاح ينتظر الى نمو الجسم الى عمر معين، وقد يتم اشباع الدوافع الفطرية بغير ما هو مرفوع عليه مثل: اشباع حسن الامومة.
دوافع أخرى يكتسبها الانسان، والملاحظ الذي لابد من التركيز عليه ان الصفات المكتسبة ليست صفات مغايرة للصفات الفطرية في أصولها، الجوع يدعو الانسان حسب الفطرة الى الطعام، ولكن الانسان يتوجه برغبته الى طعام مخصوص.
والمسار المكتسب يكون تارة متناسقا مع الدافع الفطري، حيث يتوجه الى ما يساعد عليه التكوين النفسي والبدني للإنسان، وتارة أخرى لا يكون متناسبا معه، النكاح واقع فطري، لكن الانحراف مكتسب.
ويرى البعض ان التطلع الى البقاء بعد الموت تطلع مكتسب عن صفة حب البقاء في الانسان، الواقع ان الدوافع الفطرية تعرف مادة بتجذرها وسعتها وعمومها وصلاحها النوعي لمنفعة الكائن المزود بها، وردود الأفعال المتولدة من عدم الاستجابة، فمن الوارد ان يكون تطلع الانسان للبقاء بعد الموت هو امتداد فطري لصفة حب البقاء وليس مكتسبا، وذلك بقرينة مؤشرات وجدانية وتاريخية واستقرارية على تجذر هذا التطلع في النفس الإنسانية وسعته.
كما ان فيه صلاحاً للنوع الإنساني ان يكون التطلع الإنساني الى البقاء بعد الممات والى كائن اعلى خالق للكون والحياة، يملك مفاتيح التصرف تطلعاً فطرياً منبعثا من عمق الانسان، والبحث عن مدى دلالة هذه التطلعات الإنسانية على حقانية الرؤية الدينية.
ولكن لا يبعد كون هذه التطلعات مؤشرا على حقانية الدين وفق الدراسات النفسية الفطرية وتدل على وجود تأمين نوعي لمقتضاها، وتعلق الطفل الوحيد بالأمل، يدل على أن هناك أماً مقدرة له وفق سني وجود الطفل، وعلى ان نفسية الأم صيغت على نحو تستجيب لعطفها عليه.
متى كان قد تطلع الانسان فطريا الى كائن اعلى يرعاه، كان ذلك بنفسه دليلا على وجود هذا الكائن, وهو الله سبحانه وتعالى، بل ان وجود هذا التطلع الفطري في الانسان قد يؤثر بالإنسان على عنايته أولاً ان الدين ملهم للإنسان موافق لتطلعاته في البقاء بعد الموت، وعناية كائن اعلى له.
ومن الوارد ان يكون هذا التطلع فطريا منها على وفاء الوجود بما تتطلع اليه، علما ان هذا التطلع يدعم التوجهات الجادة والفاعلة للإنسان، حيث يوجب له مخاوف من ترتيب اثر على اعماله، وهو الذي تؤكد عليه الرؤية الدينية.