وقالت كربلاء..ج13

28-03-2019
اللجنة التاريخية
وقالت كربلاء..ج13
تقسيم التركيبة الاجتماعية في عموم كربلاء الى ثلاث فئات اجتماعية، وفقا لطريقة معيشة السكان فيها، وهي أولاً- فئة سكان المدن، ثانياً- فئة سكان القرى، ثالثاً- فئة سكان الصحراء.
أما مركز مدينة كربلاء يمكن تقسيم التركيبة فيها الى اطراف او محلات يترأس كل طرف منها شيخ او اكثر، فهو يمثل الواجهة الاجتماعية لذلك الطرف وفي بعض الأحيان يضم الطرف الواحد بين صفوفه مجموعة من الافراد قد ينتمون الى عشيرة واحدة إلا انهم جميعا يخضعون ويتبعون شيخ ذلك الطرف، الذين يعيشون معه على نفس المساحة من الأرض، وينعتون بأبناء المحلة او الطرف الواحد، وخلال العهد العثماني المتأخر كانت مدينة كربلاء تضم المحلات او الأطراف التالية:
اولاً- محلة طرف المخيم: تقع في الجنوب الغربي من المدينة وتخضع جميعها لرئاسة ابن محسن كمونة، واشهرهم محمد علي، وفخري، وسمي بهذا الاسم لقربه من مخيم الامام الحسين A.
ثانياً- محلة او طرف باب بغداد: وتقع في شمال المدينة وهذه المحلة تخضع لرئاسة أبناء عبد الرزاق، وهم: عبد الكريم وعبد الرحمن وعبد الجليل.. وسميت بذلك الاسم؛ لأنها تطل على شارع بغداد.
ثالثاً- محلة او طرف باب الخان: تشكل هذه المحلة الجزء الشرقي من المدينة وتخضع لرئاسة أبناء الحميري وهما: عبد علي ومجيد ويقاسم أبناء الحميري في مشيخة باب الخان إبراهيم ابو والدة، ويسمى بهذا الاسم؛ كونه يحوي ثلاثة خانات كبيرة.
رابعاً- محلة او طرف العباسية: وتسمى اليوم العباسية الشرقية والغربية وتقع في الجزء الجنوب الغربي من مدينة كربلاء، واسندت رئاسة هذه المحلة الى الشيخ طليفح بن حسون شيخ عشيرة النصاروة.
خامساً- محلة او طرف باب السلامة: وتقع هذه المحلة في الجزء الغربي والشمال الغربي من المدينة ورئاسة المحلة لأبناء الشيخ علوان شيخ الوزون وهما: عثمان وعمر، وسميت بذلك الاسم نسبة الى عشيرة السلالمة.
سادساً- محلة او طرف باب الطاق: ويشكل هذا الطرف او المحلة الجزء للشيخ عمران جار الله شيخ عشيرة بني سعد، وسميت بهذا الاسم لوجود طاق الزعفراني الكبير.
سابعاً- محلة او طرف باب النجف: ان هذه المحلة او الطرف يختلف عن بقية الأطراف الأخرى، ومنها تشكل خليط واسع من أبناء بعض العشائر، لذلك أوكلت رئاستها لرجال الدين من علماء البلدة، وتحتل الأجزاء الجنوبية من المدينة ويطلق عليها أيضا باب طويريج او باب المشهد.
ومن الملاحظ على هذه التقسيمات انها وجدت نتيجة لضعف نشاط الدولة في ممارسة واجباتها للحفاظ على امن المواطنين، وحل مشاكلهم الاجتماعية لاسيما بعد تدهور السيطرة العثمانية وضعفها، ولذلك اصبح لهؤلاء الوجهاء والشيوخ في هذه الأطراف حق التصرف في فض وتسوية المنازعات بين الخصوم والتي كانت تقع بين أبناء الطرف الواحد او بين طرف وطرف آخر.
وانقسم المجتمع الكربلائي الى طبقات او فئات مختلفة بعضها عن بعض وكانوا جميعهم يحبون العلم والادب وحتى الفلاحون الذين كانوا يمثلون النسبة الأكبر من تلك الفئات الأخرى، وكان هناك تآلف بين المجتمع الكربلائي وخاصة بين العلماء وتلاميذهم.
وقد حظيت هذه الفئة في كربلاء التي هي فئة العلماء بمنزلة كبيرة كما في غيرها من المدن الإسلامية وكانت توجيهاتهم وفتواهم ذات اثر كبير في المجتمع الكربلائي سواء داخل المدينة او في القرى والارياف.
وتعد فئة العلماء هي الفئة المختصة لتحصيل العلوم الدينية وصولا الى مرحلة الاجتهاد والفتيا. اكتسب العلماء والوجهاء دورا كبيرا في الحياة السياسية والأدبية في كربلاء لاسيما بعد ان التف حولهم الكثير من الادباء والشعراء، وتوارثت بعض الاسر الزعامات الدينية فأنشأت مدارس ومعاهد للتدريس والتفقه الديني، ومن هذه الاسر على سبيل المثال لا الحصر: (أسرة البهبهاني، اسرة الخطيب، اسرة الشيرازي، اسرة الشاهرودي، اسرة الحائري، واسرة الشهرستاني، واسرة آل القزويني، واسرة آل البحراني، والاسترابادي وغيرها).
وتعتمد هذه الاسر لبناء مدارسها وتمويل نشاطها العلمي والديني على ما تحصل عليه من حقوق دينية وهبات من باقي فئات المجتمع الكربلائي، والمسلمين في العالم.
ووصفت الرحالة (مدام دويلافو) اثناء زيارتها لهذه المدارس في كربلاء (سنة 1881م) قالت:ـ (يعيش هؤلاء الطلاب جميعا على التبرعات التي يتبرع بها الزوار ووجوه المسلمين الذي يعيشون خارج المدينة ويقدم الزوار لهذه الغاية أموالا عن طيب نفس للحصول على الثواب، وبالتالي فتلك الأموال تشكل موردا مهما من موارد الدخل في المدينة والتي أسهمت في بناء المدينة وتوسيع رقعتها العمرانية في المستقبل على الرغم من انفاق اموال قليلة في ذلك المجال من قبل القائمين عليها، وكذلك هناك تجار وحرفيون يتميزون بالنشاط الواضح وتغلب عليهم النزعة الدينية في صناعتهم وتجارتهم؛ وذلك بسبب قدسية المدينة التي تضم مرقدي الامام الحسين واخيه العباس C ويزورها عشرات الالاف من المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، وكان هؤلاء الحرفيون والتجار يؤلفون مع الفلاحين الفئة الأكثر ثباتا في كربلاء).
لم يعرف المجتمع الكربلائي الحياة الوظيفية ولم يخدم الكربلائيون في دوائر الدولة، الا بعد ان تأسست الدولة العراقية الحديثة عام 1921م بحيث تكونت طبقة صغيرة من الموظفين اتسعت فيها شيئا فشيئا والملاحظ على مدينة كربلاء ان اكثر سكانها آنذاك كلهم من العرب مع عدد قليل من الايرانيين والهنود المسلمين وبعض اليهود.
الأطراف والمحلات السبعة لمدينة كربلاء تقوم يوم عاشوراء بتنظيم المواكب الحسينية وتسيير العزاء الحسيني من محلاتهم او اطرافهم الى مرقدي الامام الحسين واخيه العباس C ورؤساء هذه الأطراف يقومون بتشييد التكيات في كل محلة وينصبون (اللالات) والنشرات الضوئية وينشرون السواد على الجدران في كافة جدران المحلة.
وفي كل يوم من أيام عشرة محرم تنطلق المواكب الحسينية يتقدمها شيوخ ووجهاء المحلات، كل امام موكبه لحين وصوله الى مرقد الامام حيث ان كل محلة تقوم بطبخ كميات كبيرة من التمن والقيمة، إضافة الى كل ذلك فان اهل المحلات والباعة المتجولين يقومون بتوزيع ما لديهم من الأطعمة لزوار الامام الحسين A، لتصبح كربلاء مائدة في كافة شوارعها وازقتها لزوار ابي الاحرار الامام الحسين A، وهذه الحالة الفريدة تمثل طيبة وكرم أهالي كربلاء خدمة لزوار ابي عبد الله الحسين A، ولا يبتغون من ذلك سوى إرضاء زوار الحسين A.
وقد انبهرت شعوب العالم العربي والإسلامي من هذا الاستقبال من قبل أهالي كربلاء حين شاهدوه على القنوات الفضائية مما زادهم شوقا لزيارة الحسين A، وأصبحت الوفود تزداد يوما بعد يوم وحتى اصبح عدد الزوار لمدينة كربلاء يوم عشرة محرم الحرام في اربعينية الامام الحسين اكثر من عشرة ملايين زائر، فيقومون باستقبالهم واطعامهم وتهيئة الأماكن لهم ولمواكبهم وتأمين الحسينيات والمساجد لهم، وكذلك تنظيم المواكب وتسلسل نزولها من مكان الموكب الى المرقدين والرجوع الى مقراتها.
وعلى اهالي كربلاء تهيئة المواد الغذائية لهم وكذلك النفط والغاز والحطب، وتقوم هذه المواكب يوم اربعينية الحسين بتهيئة الطعام للزوار والتي يبلغ عددها اكثر من 1500 موكب، وبعد الظهر من يوم العاشر من محرم وتحديدا الساعة الثانية عشرة وربع يتوجه أهالي كربلاء وزوار الامام A نحو باب طويرج وذلك لانطلاق الحشود المليونية صوب الامام الحسين A والتي تسمى بركضة طويريج، وهو تعبير لنصرة الامام الحسين A يوم العاشر من محرم وهم ينادون (لبيك يا حسين).
(من كتاب كربلاء وأهلها في التاريخ: مهدي حسين السندي)