نزهة ثقافية..
27-03-2019
اللجنة الثقافية
نزهة ثقافية..
(حَاصِبًا):
قال الله تعالى: (أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا) يعني حجارة تحصبون بها، أو ترمون بها والحصباء الحصى الصغار، ويقال: حصب الحصى اذا رماه رمياً متتابعاً، والذين أرسل عليهم الحاصب هم قوم لوط، والذين أخذتهم الصيحة قوم نوح وفرعون، وقيل الحاصب سحاب رماهم بالحجارة وحصبهم.
ويرى السيد مكارم الشيرازي في تفسيره الأمثل، حيث تغشيكم عاصفة محملة بالحصى والحجارة تدفنكم تحتها، ولا تجدون من ينقذكم منها، ويثير السيد مكارم سؤاله: هل العذاب الذي ينزل بقوم لوط كان على نوعين: الأول- العاصفة التي حملت الحجارة والحصى وحصى الصحراء وقذتهم بها، والثاني- الأحجار السماوية من السجيل المنضود، أو انهما كانا نوعاً واحداً، حيث العواصف العظيمة المحملة بالحصى والحجارة المأخوذة من الصحراء ترفعه العواصف العاتية، نحو السماء ليعود مرة اخرى الى الارض بعد انخفاض العواصف، والله سبحانه وتعالى يقول للظالمين، فلا يلزم حتماً حدوث زلزلة لتدميركم بل يكفي أن تأمر عاصفة رملية؛ لتدفنكم تحت رمالها.
(كَأَيِّن):
قال تعالى: ((وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ))، يرى الشيخ الطوسي في كتابه التبيان في تفسير القرآن، أن أصل كأين (أي) دخلت عليها كاف التشبيه، وإنما غيرت من المعنى؛ لأنها نقلت الى معنى كم في التكثير وتقديره كالعدد، و(كأين من دابة)، يعني كم من دابة لا تحمل رزقها، أي لا تدخره، ويقال: لها لغتان الأول- كأيّن مشددة الياء، وكأيّن، فأهل الحجاز يقولون: بكأين تبيع هذا الثوب؟ أي بكم تبيعه؟
ويرى السيد مكارم الشيرازي أن كأين تعني ما اكثر، اسم مركب اصلا من كاف التشبيه وأي الاستفهامية، فاكتسبت معنى جديد هو ما اكثر، وعلى الرأي المشهور لعلماء الأدب اسم مركب من كاف التشبيه، وعلماء الأدب يقولون: اسم مركب من كاف التشبيه أي مع التنوين الذي أدخل في بناء هذا الاسم، وكتب ايضا في كتابة المصاحف ومعناها معنى كم الخبرية، وعلى الرأي الآخر انها اسم بسيط، وكأنها ونونها جزء من الكلمة.
(تَصْطَلُونَ):
قال تعالى: ((قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)) (النمل/7)، كان موسى A حينذاك يسير بأهله وقد ضل الطريق وأصابه وأهله البرد في ليلة داجية، فأبصر ناراً من بعيد، فأراد أن يذهب إليها، فإن وجد عندها إنساناً استخبره أو يأخذ قبساً يأتي به إلى أهله، فيوقدون ناراً يصطلون بها.
فقال لأهله: امكثوا إني أحسست وأبصرت ناراً، فالزموا مكانكم سآتيكم منها أي من عندها بخبر نهتدي به أو آتيكم بشعلة متناولة من النار لعلكم توقدون بها ناراً تصطلون وتستدفئون بها.
ويظهر من السياق أيضاً أن النار إنما ظهرت له A، ولم يشاهدها غيره، وإلا عبر عنها بالإشارة دون التنكير، والمعنى أن جميعهم يستضيئون بها من الظلمة ويصطلون من البرد، وينتفعون بها في الطبخ والخبز.
قال صاحب الحديث: سار جماعة من قريش إلى بلد الحبش بتجارة فنزلوا في البلد ودخلوا في كنيسة من كنائس النصارى، وأوقدوا فيها نارا يصطلون عليها، ويصلحون لهم طعاما، ثم إنهم خرجوا ولم يطفئوها، فهبت عليها ريح فأحرقت كنيستهم وما فيها، فسأل النصارى عن حرق الكنيسة، فقالوا: حرقها تجار مكة، قال: فلما علم الملك النجاشي أن العرب أحرقوا معبده غضب وأقسم إني لأحرق معبدهم جهارا بما فعلوا بمعبدنا هذا الفعل، فأرسل وزيره إبرهة بن الصباح وأرسل معه أربعمائة فيل، ومائة ألف مقاتل، وقال: امضوا إلى كعبتهم وخربوها وارموا أحجارها في البحر واقتلوا رجالهم وانهبوا أموالهم.
فإن النار متاع للمسافرين يستضيئون بها في مناخهم ويصطلون بها في البرد ويراها السائر ليلا في القفر، فيهتدي إلى مكان النزل فيأوي إليهم، ومتاع للجائعين يطبخون بها طعامهم في الحضر والسفر.
(لَنُبَوِّئَنَّهُم):
قال تعالى: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا...)) (العنكبوت/58) أي لننزلهم غرفا جمع غرفة، وهي العلية المشرفة، وقال علي A: قال رسول الله J: (إن في الجنة لغرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها، فقام إليه أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال: هي لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى لله بالليل والناس نيام).
تصديقاً لإيمانهم (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم) أي: لننزلنهم (من الجنة غرفاً) أي: بيوتاً عالية، قال البقاعي: تحتها قاعات واسعة، تقول العرب: بوأت فلاناً منزلاً أي أنزلته قال تعالى: (وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) وتقول: تبوأ فلان المنزل، وقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ) أي اتخذوها، قال الفراء: بوأته منزلاً وأنويته منزلا سواء ليكفروا بما آتينهم وليتمتعوا فسوف يعلمون.
(الْخَبْء):
قال تعالى: ((أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ)) (النمل/25) جاء في كتاب تفسير الأمثل ان الخبء هو كل شيء خفي مستور، هي إشارة الى احاطة علم الله بغيب السماوات والأرض، أي لم لا يسجدون لله الذي يعلم غيب السماوات والرض وما فيها من اسرار، وما فسره بعضهم بأن الخبء في السماوات هو الغيث، والخبء في الأرض هو النبات، فهو في الحقيقة من قبيل المصداق البارز، والآية تتكلم عما خفي في السماوات والأرض، ثم تتكلم عن اسرار القلوب، وهذا يدل على أن نبي الله سليمان بالرغم من جميع قدرته، كان يجهل خصائص بلد سبأ، الهدهد يقول: ينبغي الاعتماد على الله تعالى الذي لا يخفى عليه شيء في السماوات والأرض وطبقا لما هو معروف، للهدهد حس خاص يدرك به وجود الماء داخل الأرض لذلك يتكلم عن علم الله الذي يعلم بكل خافية في عالم الوجود، وأخيراً يختتم الهدهد: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ).
(لُجَّةً):
قال تعالى: ((قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا)) يعني ان المرأة (بلقيس) لما رأت الصرح ظنته لجة، واللجة معظم الماء، ومنه لجلج البحر خلاف الساحل، ومنه لج في الأمر إذا بالغ بالدخول، وكشفت عن ساقيها ظناً منها أنها تريد أن تخوض بالماء، وقيل: إن سليمان أجرى الماء تحت الصرح الذي هو كهيئة السطح، وقيل: إن الصرح صحن الدار، وقالوا أيضاً: إنه صرح القصر، وقيل: إن كل بناء من زجاج او صخر او غير ذلك، فهو صرح، وقيل: انه أراد ان يختبر عقلها.
ومن كتاب تفسير الأمثل للسيد مكارم الشيرازي: إن نبي الله سليمان أراد ان يختبر عقل ملكة سبأ، ودرايتها ويهيء الجو لإيمانها بالله، امر ان يغيروا عرشها وينكره، ربما كان يريد سليمان A من اختبار ملكة سبأ وذكائها لمعرفة أي منطق يواجهها، وكيف يأتي لها بدليل لاثبات المباني العقائدية، او ربما كان يفكر كي يتزوجها، او كان يريد ان يعرف: هل هي جديرة بأن تكون زوجه له أم لا؟ او اراد ان يعهد مسؤوليته بعد ايمانها، ملكة سبأ اجابت جوابا دقيقا، وقالت: (كَأَنَّهُ هُوَ)، وهذه أدق من قولها يشبه او نفس العرش، فعلا استطاعت ان تعرف عرشها رغم التغييرات، ومعناه انا كنا مؤمنين حتى قبل رؤية الخوارق.
(الْجِبِلَّةَ):
قال تعالى: ((وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ)) (الشعراء/184) مأخوذة من الجبل، وهو معروف ما ارتفع من الأرض كثيرا ويسمى الطود أحيانا، فالجبلة تطلق على الجماعة الكثيرة التي هي كالجبل في العظمة، قال بعضهم: ان الجبلة مقدار عددها عشرة آلاف، وتطلق الجبلة على الطبيعة والفطرة الإنسانية؛ لأنها لا تتغير كما ان الجبل لا يتغير بمعنى: أنا جئتكم لإحياء هذه الفطرة، والطباع المجبولين عليها.
(بَاخِعٌ):
قال تعالى: ((فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)) (الكهف/6) جاءت بمعنى هلاك النفس من شدة الحزن والغم، ولكن تعني أيضاً كلمة أسفاً والتي تبين هذه الشدة، القادة الالهيون يتألمون لهلاك الناس، يريدون لهم الايمان والهداية، ويألمون عندما يشاهدون العطاشى جالسين بجوار الحبر الصافي، ويئنون من شدة العطش، الأنبياء يبكون لهم ويجهدون انفسهم من اجل هادية الناس، وكان النبي J تصل به حالة الحزن والشفقة الى مرحلة خطرة على حياتهم بحيث ان الله تبارك وتعالى يسليه.
وباخع تدل على مدى تحرق قلب النبي J، من فسقة أمته، وقالوا: إن سبب نزول الآية آنفة الذكر ان النبي J يدعو اهل مكة الى توحيد الله باستمرار، الآية نزلت لتسر عن قلب النبي، والآية اشارت ان الله سبحانه وتعالى قادر ان ينزل عليهم معجزة من السماء، أو يرسل عليهم عذابا شديدا فيذعنوا له ليطأطئوا برؤوسهم خضوعا له ويستسلموا.