محاورة صدى الروضتين مع الأستاذ نجاح بيعي ج4

27-03-2019
علي الخباز
محاورة صدى الروضتين
مع الأستاذ نجاح بيعي
- وعي القراءة التي تقرأ بها المنجز المرجعي فكري أم سياسي؟
أستاذ نجاح: (المُنجز المرجعي) تعبير جميل، وهو كذلك بالفعل، ربما (وعيّ القراءة) التي أقرء بها المنجز المرجعي هو وعي سياسي؛ لما تمثله السياسة من دور خطير في حياة الأمة و(الشعب العراقي). وقد أولت المرجعية العليا اهتماماً كبيراً جداً في الشأن السياسي, وأعطت من جهدها الكثير في هذا المجال بحيث لا يُقارن مع أي جهد كان ومن أي جهة كانت، فهي دعت الى إقامة نظام سياسي تعددي (ذي أغلبية سياسية) يعتمد على صناديق الاقتراع (الانتخابات) في التداول السلمي للسلطة.
ويكون من متبنيات هذا النظام الفصل بين السلطات الثلاث, وتطبيق الدستور وتفعيل القانون في جميع مفاصل الدولة.. فالخطاب المرجعي المبثوث عبر خطب الجمعة، ملتزم بمكافحة الظواهر السلبية, بتشخيصها أولاً، وتقديم العلاج لها ثانياً، فنرى الخطاب غالباً ما يكون شمولياً، يتضمن البعد السياسي والاجتماعي والوطني والأخلاقي في آن واحد.
- اضاءة الجهد التاريخي في تدويناتك العامة؟
أستاذ نجاح: يشكل التأريخ بالنسبة للعراقيين هاجساً لم ينفك عنه لحظة، وخصوصاً لدى الطائفة (الشيعية)، فالتاريخ عندهم (وعيّ) حاضر ومستمر مع نبض الثواني, فهو يأكل ويشرب وينام معهم، ومَن يلمس (مظلومية قادتهم، أئمّتهم) عبر أدوار التاريخ و(ومظلوميتهم) وما جرى لهم يدرك ذلك جيداً، فالتاريخ قبة في النجف الأشرف تعلو شاهدة على أول مظلوم في الإسلام بسلب حقه بعد شهادة النبيّ الأكرم (ص وآله)، عند أبوي البشرية آدم ونوح C وهو راية حمراء على أخرى في كربلاء تشهد على أبشع جريمة وترٍ في التاريخ جرت على عتاة وزناة بني أمية, لا مثيل لها مذ أن وطأت قدما أول إنسان على سطح الأرض والى يوم القيامة.
التاريخ في سامراء عند العسكريين C شاهد على حقبة بني العباس السوداء، التاريخ عند الكاظمين ببغداد, وعند الرضا بمشهد وعند الأئمة في البقيع.. التاريخ هنا قوافل شهداء مضوا على درب الأئمّة والأنبياء والرسل والأحرار.
التاريخ في الصلوات الخمس اليومية وفي قراءة القرآن وتراتيل الدعاء والتسبيح والمناجاة، للتاريخ هنا مواسم زمانية ومكانية تعرج بهم في كل مرة إلى السماء حيث الرضا الإلهي، التاريخ هنا نسائم تدخل الأعماق مع الشهيق والزفير، التاريخ هنا وعيّ وحركة وتغيير ودين, التاريخ أنشودة حرية يلهج بها كل لسان في كل آن, مع ذكر بقية الله على الأرض الشاهد الغائب f .
فلا بدّ للكتاب أن يعمد الى استخلاص الدروس والعبر من التاريخ الحافل بالأحداث, ويعيد طرحها بعد إعادة صياغة لها لتكون موائمة للواقع المعاش. وبما أن التاريخ هو حركة الإنسان الفاعلة خلال الزمان, بمعنى أن الإنسان هو محور تلك الحركة وتربطه علاقات وثيقة تفاعلية بينه وبين أخيه الإنسان (المجتمع) وبينه وبين الوجود (الطبيعة), فيكون استحضار الكاتب للحادثة التاريخية وإسقاطها على الواقع المعاش من استخلاص العبر والدروس منها.
وهذه المدرسة قد أرسى دعائمها أمير المؤمنين A وجرى هذا النمط من الطرح اليوم على يد المرجعية العليا عبر منبر خطبة جمعة كربلاء المقدسة، وخطبة جمعة 14كانون الأوّل 2018م خير دليل, حينما استشهد خطيب الجمعة بالمقطع التاريخي الذي يصور نصيحة الإمام علي A للصحابي الجليل عمّار بن ياسر E عندما بدأ بمراجعة (المغيرة بن شعبة) بالقول :
(دعهُ يا عمّار.. فإِنه لمْ يأخذ منَ الدّين إلا ما قاربَتهُ الدُنيا، وعلى عمدٍ لَبَسَ على نفسهِ ليَجعلَ الشُّبُهاتِ عاذراً لِسَقَطاتِه) وكيف كان المقطع التاريخي درساً بليغاً للأمّة لتوافق وتشابه عناصر الحادثة التاريخية مع عناصر الواقع المعاش، فكانت نصيحة المرجعية العليا للأمّة بترك المتصدين للشأن السياسي (حكام البلد) وشأنهم؛ كونهم أصبحوا كـ(المغيرة بن شعبة) مثال الحاكم، عند نقطة اللاعودة فلا تنصح النصيحة معهم, وهم سينالون جزاءهم بما قدمت أيديهم يكون القصاص الإلهي منهم قاب قوسين أو أدنى .
- الجهد التدويني للفتوى المقدسة خطوات احتوائية أم قراءات استباقية؟
أستاذ نجاح: يعلم الجميع بأن فتوى الدفاع المُقدسة إنما صدرت من المرجعية العليا عبر منبر جمعة كربلاء في 13/6/2014م، وأنها تميّزت عن باقي أغلب الخطب؛ كونها كانت (لفظاً ومعنى) من المرجعية العليا.
الذي أريد أن أقوله بأن خطبة فتوى الدفاع المقدسة (نص) حيوي متجدد دائم. وكلما ينهل منه الكاتب معنى ما أو قضية ما يدرك ويلمس فيها معنى آخر وقضية جديدة أخرى. وهذا أحد أسرارها لأسباب تقدم الكلام عنها. والحديث طبعاً يشمل خطبة النصر أيضاً في جمعة (15 كانون الأول 2017 م) .
فما بين خطبة فتوى الدفاع وخطبة النصر علائق وشيجة وأسرار عجيبة لا تنقضي أمدها, ويقطع الباحث المُنصف بأنهما لم ولن تخرجا إلا من رحم النجف الأشرف وتاريخه المتصل بأئمّة أهل البيت D والقرآن .
وإلا كيف جرى الأمر وبأي مقياس تحول العراق مِن :
1- دولة آيلة للسقوط والإضمحلال .
2- وجيش وأجهزة أمنية منكسرة بالكامل .
3- وأرض مُستباحة تقدر ثلث مساحة العراق من قبل أعتى عصابة ظلامية في العصر الحديث، لا تستسيغ إلا لغة الدم والذبح والتدمير وهي (داعش).
4- وحدود الوطن مشرعة لمن هبّ ودبّ .
5- وطبقة سياسية متصدية منهزمة وهاربة .
6- وحكومة متقهقرة وحائرة .
7- وشعب مُحبط ونخب اجتماعية واكاديمية وفكرية وثقافية مصدومة وبحالة إعياء تام.
8- ونشاط وتربص الأعداء في الداخل والخارج حتى بانت قرونها آنذاك .
إلى منتصر.. بكل الأبعاد وعلى جميع الأصعد..! بل.. لا يوجد نظير للفتوى المقدسة ضد داعش, مع ما تقدم من سلبيات واحباطات تقدح الهمم لدى الشعب العراقي وتدفعهم لقتال العدو وتبشرهم بذات الوقت بالنصر. فالنصر (حقيقة) إنما جاء منذ قراءة الكلمات الأولى للفتوى المقدسة، ونلمس ذلك في الآيات الخمس التي استشهدت بها الفتوى المقدسة
1- التعبئة بـ((يا أيّها الذين آمنُوا اصْبرُوا وصابرُوا ورَابطُوا وَاتَّقُوا اللَّه لَعلّكُمْ تُفلحُونَ)).
2- الصبر والمصابرة بـ((قَال مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ واصْبرُوا إِنّ الْأَرضَ لِلَّهِ يُورثُها مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ والعَاقِبةُ لِلمُتَّقِينَ)).
3- بطاعة القيادة الروحية المتمثلة بالمرجعية العليا بـ((وأطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولهُ ولا تَنَازعُوا فَتَفْشَلُوا وَتذهَبَ ريحُكُمْ واصْبرُوا إِنّ اللَّهَ معَ الصَّابرِينَ)).
4- تباشير النصر بـ((أمْ حَسِبتُم أنْ تَدْخُلُوا الجنّةَ ولَمّا يَأتكُمْ مثَلُ الَّذينَ خَلوْا مِنْ قَبْلكُمْ مسَّتْهُمُ البأساءُ والضَّرَّاءُ وزُلْزِلُوا حَتَّى يقُول الرَّسُولُ وَالَّذينَ آمنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ ألا إِنّ نصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)).
5- خلوص النيّة لله تعالى بـ((وقاتلُوا في‏ سَبيلِ اللَّهِ الّذينَ يُقاتلُونَكُمْ‏ ولا تعْتَدُوا إِنّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدينَ)).
فكان النصر، وعادت هيبة الدولة, وعزّزت الثقة بالجيش (الوطني) العراقي وباقي الأجهزة الأمنية, وتحررت الأرض من الغاصب الظلامي, ومُسكت حدود الوطن من قبل رجال مؤمنين حقاً, وحفظت ماء وجه جميع المتصدين للشأن السياسي والحكومي في البلد, وانتشلت الحكومة آنذاك من الهاوية, واستعاد الشعب ثقته بنفسه حتى قلدت المرجعية العليا النصر على صدره وساماً لجدارته, وأحبطت خطط الأعداء في الداخل والخارج وكل من يريد شراً بالعراق وشعبه ومُقدساته .