محاورة مع كتاب.. (اتجاه الدين في مناحي الحياة)ج7 لسماحة السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه)

23-03-2019
علي حسين الخباز ‏
محاورة مع كتاب..
(اتجاه الدين في مناحي الحياة)
لسماحة السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه)
- على ماذا يعتمد الاختبار الإنساني؟
الكتاب:ــ أولاً: الدواعي والمؤثرات النفسية، تأثير إبداعي وإنساني، لا يمكن أن يختار الانسان ما لا داعي له أصلاً, فالداعي ضروري في الاختيار، لكنه ليس كافياً, يحتاج الى اتخاذ المرء قراراً نفسياً وفق ذلك الداعي.
ثانياً: الوعي بأن يلتفت المرء الى خياراته.
ثالثاً: القدرة، وهذه القدرة قابلة للتنمية في الانسان في حال عدم تعوده على الاستجابة لها، كان اهل الإصلاح والحكمة يهتمون بعدم مطاوعة النفس في جميع الأحوال والتنمية للقدرة على المباعدة عنها, فمقومات الإرادة: (الداعي, الوعي, القدرة).
- لكننا نجد أن الاختبار يضعف عند التطبيق؟
الكتاب:ــ الانسان كونه مختاراً في كثير من أفكاره وسلوكياته بضرب من الاختيار، وإن كان ضعيفاً، فان مقدار انصافه وعدالته وتثبته وسلوكياته المؤثرة في مقدار اهتمامه بالحقيقة، وبحثه عنها، واستجابته لها.
- هل يجوز تفضيل صاحب الاعتقاد الصحيح على صاحب الاعتقاد والسلوك الخاطئ؟
الكتاب:ــ الاعتقاد والسلوك الخاطئ قد يكون حدثاً من دون اختيار من صاحبه؛ لأن بيئته وظروفه كانت قاهرة في حجب الحقيقة عنه، بالقياس الى قدراته، فهل يصح ان يأخذ عليه ما فات عنه على هذا الأساس, فان يراد تحميله مسؤولية خطئه ومعاقبته عليه، فهذا امر غير جائز قطعاً، وأن يراد عدم منحه ثواب من بلغ الاعتقاد والسلوك الصائب، فهذا امر جائز، ولكن قد يرى البعض في تحميل المخطئ مسؤولية خطئه، مما يجعل منه خطيئة وليس خطأ محظاً، وذلك على أساس عدم تكافؤ الفرص للمصيب وللمخطئ في هذه الحياة، من جهة أن المصيب مثلاً كان محاطاً بيئية مساعدة على الاتجاه الصائب، بينما كان المخطئ محاطاً ببيئة مساعدة على الاتجاه الخاطئ، إلا أن هذا القول ليس صحيحاً بالنظر الى ان اختلاف الفرص - فرص النجاح والاخفاق - لا يكون مخالفاً للأداء، وليس من الصحيح للإنسان ان يقع في موقع الاقتراح بنظام آخر لهذه الحياة، ويتعمق في مبانيها واسرارها في هذه الغاية، فإن ذلك خوض في المجهول الذي لا يملك المرء أدوات التفكير فيه، أن من وقع في موقع أقرب للخطيئة، يحسب له ذلك، بمعنى انه اذا اختار منح الصواب، تلقى تقديرا اكبر ممن لم يكن بهذا القرب من الخطيئة، فكل من كان امتحانه اصعب في الحياة، كانت درجته اعلى ان الله سبحانه وتعالى وفق النصوص الدينية لا يهمل مثقال ذرة، لتحديد ما يستوجب الشخص في اثر اعتقاده وسلوكياته.
إن من المفهوم جداً أن لا يتساوى من عرف الله سبحانه وآمن به، وأحسّ انه يعيش في نعمه، فشكره واثنى عليه، وامتلأ ضميره بالامتنان له ورجاه في ما انكشف له من ابعاد الحياة، ومن جهل ذلك، فلم يؤمن، ولم يراعِ الادب اللائق، ولا ابدى شكرا ولا امتنانا ولا وجد اليه سبحانه حاجة.
انه لا يصح ادعاء التفاضل بين الناس في القبول بالدين الحق، فإن الانسان مختار على العموم في اعتقاده وعمله، ولكل انسان اختباره في هذه الحياة حسب موقعه، فإن احسن جوزي بما يناسبه، وقدر له ما عناه، ولا يُظلم احد مثقال ذرة، فان الله سبحانه عدل حكيم.
- هل المطلوب في الدين الايمان الواعي؟
الكتاب:ــ تتضمن التعاليم الدينية استعمال ادوات تلقينية في تبليغ وتوجيه الناس ولا سيما الناشئين اليه، فهلا ندع الناس يتأملون الموضوع من ذوات انفسهم، حتى يقرروا ما يصلون اليه عن بصيرة واطلاع.
لا شك ان المطلوب في الدين هو الايمان الواعي، ومن ثم نلاحظ ان النص الديني من خلال القرآن الكريم يعرض الحقائق والتعاليم الدينية بلغة مبسطة وميسرة، ويكرر بيانها بوجوه مختلفة بترشيد عامة الناس، وتحفيز ادراكهم.
فتأملْ كيف يؤصل النص الديني من خلال القرآن ضرورة التعقل والتفكر والوعي والتأمل ومراجعة النفس والتعويل على الحجة والبرهان، وعدم القول والايمان بغير علم: كالتقليد والعصبية بالآباء، فهذا هو الأسلوب العام في الخطاب القرآني.
ومن ثم تراه مليئاً بمخاطبة عامة الناس، وبذكر الآيات والأدلة بلسان (أفلا تعقلون، أفلا تتفكرون، أفلا ينظرون، افلا يرون) كما انه يوقظ الشعور والاحساس الصادق والصافي بلسان لمن كان له قلب، ويمكن القول حقاً: إن الخطاب القرآني هو أبلغ القول وأروعه، فإثارة الفكر والتعقل والوجدان.. فإن المطلوب في الدين هو الايمان الصائب ولا ضمان الإصابة إلا بتحصيل الوعي والتأمل.
- جواز استعمال الأدوات التربوية في الاقناع بالدين؟
الكتاب:ــ لا يمنع من قبول اتصال الدين الى الآخرين من خلال أدوات تربوية، نظير تربية الأولاد والتلاميذ وعامة المجتمع على الدين والمبادئ الدينية على حد ما يعتمده العقلاء في سائر المسائل التي ينبغي تعلمها، والاطلاع عليها، بل هذا الأمر أمر لازم ومقبول، بعد أن كنا ننطلق في الموضوع من افتراض حقانية الدين، ونتحدث عن الدين الحق خاصة، وليس عن اعتقاد ديني لجماعة معينة.
ليس هناك مانع من تبليغ الحقائق والتعاليم الدينية للآخرين، والانتفاع بها في بث روح الحكمة والأخلاق فيهم، بل هذا افضل رسالة يؤديها الانسان في الحياة، متى عمل بها وفق ضوابطها، واندفع واقعاً من داعي الحقيقة، وليس من جهة العصبية ونحوها من الدواعي الخاطئة..!
نعم، ينبغي للإنسان ان يتبع الأساليب الحكيمة واللائقة التي توجب قناعة واقعية للمخاطب ولا تترتب عليها مضاعفات سلبية من جهة أخرى.
- ادعاء أن استعمال أدوات تربوية في إيجاد الاعتقاد، أمر خاطئ..؟
الكتاب:ــ جادل بعض الباحثين بأن إيجاد اعتقاد للآخرين من خلال أدوات تربوية لا يؤدي الى حدوث الاعتقاد عن تبصر ووعي، بل عن تقليد وتلقين، وهو لا يجدي من جهة ان المطلوب في الدين هو الايمان الناشئ عن ادراك الحقيقة، ولا جدوى في التلقين بها وهذا القول ليس دقيقاً.
أهمية القناعة في الحقيقة بنفسها مهما كان منشأها، ان من اقتنع بالحقيقة الدينية ورآها في عمله وسلوكه، فقد انتفع بها بعض الشيء حتى لو كان ذلك عن تقليد واتباع، كما هو الحال في الحقائق الأخرى في هذه الحياة التي يلقن الانسان بها من قبل الآباء والمعلمين ووسائل الاعلام الهادف، وتلك سنة الحياة في شؤونها كلها.. نعم هناك ملاحظات في شأن التقليد في أمر الدين:
1- إن التقليد فيه لا يخلو من خطورة من جهة، إذا تبيّن أن الخطأ فيه لم يعذر المرء اذا كان له سبيل الى التحقيق المباشر.
2- إن القبول في الدين على سبيل التقليد، وان كان يفي بالغرض، إلا انه قد لا يكون امتثالاً لتمام ما هو الواجب شرعاً؛ لأن الواجب في الدين وفق الاتجاه الفقهي المشهور أمران: الاعتقاد بالحق، وكون هذا الاعتقاد عن استدلال لمن تيسر له ذلك.
3- إن الاعتقاد بالدين عن معرفة يحظى بتقدير اكبر عند الخالق بالقياس الى الاعتقاد الناشئ عن التقليد، فإن سبحانه سنّ سنة في حياة الانسان على قيمة المعرفة والعمل الفاضل، ومن ثم كانت المعرفة التي تكون عن تبصر اكثر تقديرا من المعرفة الناشئة عن تقليد، بل كلما كان تبصر الانسان بالحقائق الكبرى اكثر، لقي تقديراً اكبر، فالموقن بها الذي ينظر اليها حتى كأنه يراها رأي العين، أفضل من العالم المعتقد بها من دون يقين.